الخميس ٢٨ تموز (يوليو) ٢٠١٦
جولة أدبية (9)
بقلم فاروق مواسي

الصلاة بشرط

هل سمعتم بالشاعر (الإفريقي المتيّم) وبقصيدته عن الصلاة؟

أحمد بن محمد الإفريقي المعروف بالمتيّم عاش في القرن الرابع للهجرة، وهو أحد الأدباء الشعراء له من التصانيف كتاب «الشعراء الندماء»، «كتاب الانتصار المنبي عن فضل المتنبي»، وغير ذلك؛ وله ديوان شعر.

من شعره الذي يدعو إلى الابتسام، ما اشترط به على الله بأنه سيصلي إذا وسّع الله عليه في رزقه:
تلوم على ترك الصلاة حليلتي ... فقلت اغرُبي عن ناظري أنت طالق

فوالله لا صلّيت لله مفلسًا ...
يصلّي له الشيخ الجليل وفائق
وصاحب جيش المشرقَين الذي له
راديبُ مال حشوُها متضايق
لماذا أصلّي أين باعي ومنزلي
وأين خيولي والحلى والمناطق

وأين عبيدي كالبدور وجـوههم ؟ وأين جواريَّ الحــــسانُ العواتق؟

أصلي ولا فترٌ من الأرض تحتوي
عليه يميني إننّي لمنافق
تركت صلاتي للذين ذكرتـُهم
فمن عاب فِعلي فهو أحمق مائق
بلى إنْ علَيَّ اللهُ وسّع لم أزل
أصلّي له ما لاح في الجوّ بارق
فإن صلاة السيىء الحال كلها
مخارقُ ليست تحتهن حقائق

الصفدي – "الوافي بالوفيات" (مادة الإفريقي المتيّم)
وابن شاكر الكتبي- "فوات الوفيات"، ص 151.

إليكم قصة أخرى رواها الأصمعي عن الصلاة المشروطة بالرزق:

روى الأصمعي قال:

ضلّت لي إبل، فخرجت في طلبها، وكان البرد شديدًا، فالتجأت إلى حي من أحياء العرب، وإذا بجماعة يصلّون، وبقربهم شيخ ملتفّ بكساء يرتعد من البرد ويُنشد:

أيا رب إن البرد أصبح كالحًا
وأنت بحالي يا إلهي أعلم
فإن كنت يومًا في جهنم مُدخلي
ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم

قال الأصمعي: فتعجبت من فصاحته، فقلت له:
يا شيخ! ما تستحي تقطع الصلاة وأنت شيخ كبير؟

فأنشد يقول:

أيطمع ربي أن أصلّيَ عاريًا
ويكسوَ غيري كِسوةَ البرد والحَر
فوالله لا صليت ما دمت عاريًا
عشاءً ولا وقتَ المغيب ولا الفجرِ
ولا الصبحَ إلا يوم شمس دفيئةٍ
وإن غيّمت فالويلُ للظهر والعصر
وإن يكسُني ربي قميصًا وجبّةً
أصلي له مهما أعيش من العمر

قال:

فأعجبني شعره وفصاحته، فنزعت قميصًا وجبّة كانا عليّ ودفعتهما إليه، وقلت له: البَسهما، وقم فاستقبل القبلة، فصلى جالسًا وجعل يقول:

إليك اعتذاري من صلاتي جالسًا
على غير طُهر موميًا نحو قبلتي
فما لي ببرد الماء يا رب طاقة
ورجلاي لا تقوى على ثنْي ركبتي
ولكنني أستغفر الله شاتيًا
وأقضيكها يا رب في وجه صَيفتي
وإن أنا لم أفعل فأنت محَكَّم
بما شئت من صفعي ونتف لحيتي

الأبشيهي- المستطرف في كل فن مستظرف (ص 618- طبعة شركة القدس)

لنا أن نحاور هذا الأعرابي الذي يخاطب ربه كأنه صديقه أو شخصًا سيحاسبه صفعًا ونتف لحية، أو نحاور صاحبنا الأفريقي الذي يبحث عن الثراء، نحاورهما ونجد الفكاهة في خطابيهما رغم اختلاف معهما.

لكننا نبتسم ابتسامة رثاء لقول الشاعر الذي يفضح بعض من وصفهم في المجتمع:

صلَّى وصام لأمر كان ينشده
ومذ حواه فلا صلى ولا صاما

(اليوسي- زهر الأكم في الأمثال والحكم ص 235. وفي روايات متأخرة:
لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما)

أما صاحبنا المعرّي فكان متشائمًا أكثر:

قالوا فلان جيد لصديقه... لا تكذبوا ما في البرية جيد

فأميرهم نال الإمارة بالخَنا... وتقيّهم بصلاته يتصيد
(المعري- اللزوميات ج1، ص 277.)

ثم إن المعري كان شديد الجنوح في اشتراطه على الله، إذ قال:

إذا كان لا يحظى برزقك عاقــل
وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يارب السماء على امرئ
رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا

(ورد البتان في كتاب ياقوت الحموي- "معجم الأدباء": مادة- أحمد بن عبد الله بن سليمان، وفي "البداية والنهاية" ج 15- لابن كثير- أحداث سنة تسع وأربعين وأربعمائة، حيث يصف مروق المعري وزندقته).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى