الثلاثاء ٢ آب (أغسطس) ٢٠١٦
بقلم حسين سرمك حسن

(107) هيمنة الولايات المتحدة على البنك الدولي

ملاحظة

هذه الحلقات مترجمة ومُعدّة عن مقالات ودراسات وكتب لمجموعة من الكتاب والمحللين الأمريكيين والبريطانيين.

(حقيقة أن البنك الدولي، منذ إنشائه، يحصل على الجزء الأكبر من موارده المالية عن طريق إصدار سندات تبقيه في علاقة دائمة ومتميزة مع الجهات المالية في الولايات المتحدة خاصة الكبيرة منها. والبنوك الأمريكية الكبرى هي من أكبر حاملي سندات البنك وتمارس تأثيرا كبيرا على سياساته.

من ناحية ثانية مؤكّدة فإن الصلة بين دوائر الأعمال ورأس المال الكبير في الولايات المتحدة، والبنك الدولي هو أيضا ملموس وعلى الفور عندما ينظر المرء أكثر وعن كثب إلى وظائف عشرة مواطنين أميركيين تعاقبوا الواحد بعد الآخر على رئاسة البنك، فكلهم جاءو من قطاع التجارة والمصارف).

(منذ السبعينات، تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لمنع البنك من منح القروض التي تسهّل إنتاج السلع التي تنافس المنتجات الأمريكية. وهكذا عارضت الولايات المتحدة بانتظام إنتاج زيت النخيل والحمضيات والفواكه والسكّر. في عام 1987 أجبرت البنك على أن يقلّل القروض الممنوحة لصناعة الحديد والصلب في الهند وباكستان. في عام 1985، عارضت بنجاح مشروع استثماري من قبل البنك الدولي في صناعة الصلب البرازيلية. ومنعت تقديم قرض من البنك لدعم إعادة هيكلة قطاع تصنيع الصلب في المكسيك. كما هدّدت باستخدام حقها في النقض (الفيتو) لمنع تقديم قرض لصناعة الصلب الصينية في الثمانينات).

(منذ نشوئه وحتى الوقت الحاضر، كان رئيس البنك الدولي من مواطني الولايات المتحدة الذين تقترحتهم حكومتها. أعضاء مجلس المحافظين في البنك يصدقون ببساطة على المرشح الذي تقدمه الولايات المتحدة. هذا الامتياز لم يرد في النظام الأساسي للبنك. وعلى الرغم من أن النظام الاساسي للبنك يتيح للجميع الترشيح، لم يغامر أي أحد باقتراح أي مرشح من بلد آخر أو حتى مرشح أميركي آخر غير الذي تختاره الحكومة الأمريكية).

(من الحقائق الخطيرة هي أن حكومة الولايات المتحدة رفضت منح أي قرض لفرنسا طالما أن الحزب الشيوعي الفرنسي كان مشاركا في الحكومة الفرنسية. لذا اتخذت وزارة الخارجية خطوة واضحة ورسمية في هذا الشأن، تم إخراج الحزب الشيوعي الفرنسي من الائتلاف الحكومي، وفي الأيام التي تلت ذلك، أعلن ممثل البنك الدولي أنه تم منح قرض الـ 250 مليون دولار للحكومة الفرنسية)..

الباحث الاقتصادي

"إريك توسان"

"The World Bank: A Critical Primer"

المحتوى

(تمهيد: البنك الدولي في قبضة الولايات المتحدة الأمريكية - تاثير الولايات المتحدة على البنك الدولي، البنك الدولي صناعة أمريكية - الولايات المتحدة أصرت على أن يكون مقر البنك في واشنطن قرب البيت الأبيض ضد آراء كل الدول ليكون تحت نفوذها - البنك الدولي رفض تقديم قرض لفرنسا إلا إذا أخرج الشيوعيون من الحكومة الفرنسية - رئيس البنك الدولي دائما مواطن أمريكي يُقترح من قبل الحكومة الأمريكية - الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي لديه حق الفيتو في البنك الدولي - تأثير الولايات المتحدة السلبي على عمل البنك الدولي: خمس حالات - (1) و (2) نيكاراغوا وغواتيمالا (3)يوغوسلافيا (4) تشيلي (5)فيتنام - استنتاج بشأن الدول الخمس: قروض البنك تُمنح حسب مصالح الولايات المتحدة - تأثير الولايات المتحدة السلبي على القروض القطاعية: البنك لا يمنح قروض لتطوير صناعات تنافس الصناعة الأمريكية - تحالفات الولايات المتحدة تجعل البنك يخرّب مشاريع البلدان النامية؛ حالات التقارب بين الولايات المتحدة وقوة أخرى (بريطانيا على سبيل المثال): (1)مشروع سد أسوان في مصر، (2)كارثة احتلال العراق وخدعة "إعادة إعماره" - الاختلافات بين إدارة البنك الدولي والولايات المتحدة تُحل دائما لصالح الإدارة المتنفذة - نفوذ الولايات المتحدة السلبي في البنك الدولي كما يرد في تقارير وزارة الخزانة الأمريكية - المزايا المالية التي تتمتع بها الولايات المتحدة بفضل وجودها في البنك الدولي وتأثيرها على سياساته - تأثير دوائر الأعمال ورأس المال الكبير في الولايات المتحدة على البنك الدولي؛ من بين عشرة رؤساء للبنك الدولي من عام 1946 حتى عام 2014، كان هناك سبعة، بما في ذلك الأول، جاءوا مباشرة من عالم التجارة والأعمال – مصادر هذه الحلقات)

تمهيد: البنك الدولي في قبضة الولايات المتحدة الأمريكية

يقول الباحث الاقتصادي المعروف "إريك توسان":
"مفهوم أن البنك الدولي هو مؤسسة بيروقراطية ضخمة، تحرّرت تدريجيا من نفوذ الولايات المتحدة، هو في الواقع مفهوم بعيد كل البعد عن الواقع. وكشُف هذا المفهوم الخاطئ بصورة خاصة من قبل عالم البيئة الأمريكي الشمالي "بروس ريتش" في كتابه الثاقب عن البنك الدولي. وفي المفاهيم الحقيقية، فإن هذه المؤسسة تقع بحزم تحت سيطرة حكومة الولايات المتحدة التي تتفاوض - مع حكومات الدول الرأسمالية الكبرى الأخرى، حول السياسات الواجب اتباعها داخل البنك الدولي، وتحت قيادتها. فقد فشلت في كثير من الأحيان في التوصل الى توافق مع شركائها الرئيسيين (منذ نهاية الخمسينات هؤلاء الشركاء هم اليابان وألمانيا وبريطانيا العظمى وفرنسا) وقامت بفرض آرائها مباشرة على البنك.

وكانت العلاقات متوترة أحيانا بين حكومة الولايات المتحدة ورئيس البنك و/أو إدارته بالمعنى الواسع للكلمة. يجب على المرء أن ينظر أيضا إلى التدخل من جانب الكونغرس. في عدة مناسبات، عقدت السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة اتفاقات مع الكونغرس بشأن الموقف الواجب اتخاذه من البنك الدولي وأنشطته.

وعلى الرغم من أن البنك الدولي يخضع بشكل منتظم لنفوذ الولايات المتحدة، فإنه مع ذلك يتمتع بقدر معين من السلطة الذاتية. انه يمتلك منطقا معينا خاصا به يضعه أحيانا في صراع مع المصالح المباشرة للحكومة الأميركية. لكن السلطة الذاتية للبنك محدودة جدا وحكومة الولايات المتحدة تفرض ارادتها على جميع القضايا التي ترى أنها مهمة. أيضا، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الروابط الوثيقة بين العالم التجاري للولايات المتحدة (رأس المال الكبير) والبنك.

تاثير الولايات المتحدة على البنك الدولي، البنك الدولي صناعة أمريكية

طوال تاريخ البنك الدولي للإنشاء والتعمير (أي البنك الدولي)، كانت الولايات المتحدة أكبر مساهم فيه والبلد العضو الأكثر نفوذا. وقد كان لدعم الولايات المتحدة للبنك، والضغط عليه وانتقاداتها له، دورا كبيرا في نموها وتطور سياساتها وبرامجها وممارساتها. هذه الجمل هي مدخل الفصل الخاص بالعلاقات بين الولايات المتحدة والبنك الدولي 1945-1992، ضمه كتاب نُشر بتكليف من البنك الدولي لتقييم الخمسين عاما الأولى من وجوده.

المقتطفات الأخرى من النص نفسه، والمذكورة أدناه، صريحة بحيث أنها لا تحتاج إلى أي تعليق:

"والإدارة العليا للبنك تنفق من الوقت في الإجتماعات، والاستشارات، والاستجابة لمطالب الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تفعل مع أي بلد عضو آخر. وعلى الرغم من أن هذا التفاعل الشديد لم يتغير كثيرا على مرّ السنين، فإن طريقة الولايات المتحدة التي تحشد الدول الأعضاء الأخرى لدعم وجهات نظرها قد تغيرت إلى حد كبير. في البداية، كان الانطباع السائد هو أن مواقفها وقراراتها لا يمكن تمييزها تقريبا عن مواقف وقرارات إدارة البنك".

"إن الولايات المتحدة تنظر إلى جميع المنظمات المتعددة الأطراف، بما فيها البنك الدولي، كأدوات للسياسة الخارجية لاستخدامها لأهداف وغايات محدّدة للولايات المتحدة".

"الولايات المتحدة غالبا ما تكون غير صبورة مع عمليات بناء توافق في الآراء وإجماعات يستند إليها التعاون المتعدد الأطراف".

"والانشغال باحتواء الشيوعية، والتغير النسبي في قوة الولايات المتحدة في العالم يفسر الكثير من التطور في العلاقات بين الولايات المتحدة والبنك الدولي على مدى السنوات الخمسين الماضية".

"إن أزمة الديون في الجنوب وانهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية أدت إلى تجدد الاهتمام الأمريكي في البنك".
ومشيرا مرة أخرى إلى نشوء البنك الدولي ونفوذ الولايات المتحدة:

"وعلى النقيض من صندوق النقد الدولي الذي هو نتيجة مفاوضات مكثفة بين الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن البنك هو إلى حد كبير صناعة أمريكية. وقد اعترف بدور الولايات المتحدة هذا "جون ماينارد كينز" في كلمته الافتتاحية في مؤتمر بريتون وودز عام 1945".

"وكانت النتيجة بصمة أمريكية قوية ودائمة على جميع جوانب البنك الدولي، بما في ذلك هيكله والتوجه السياسي العام، وطريقة منح القروض".

الولايات المتحدة أصرت على أن يكون مقر البنك في واشنطن قرب البيت الأبيض ضد آراء كل الدول ليكون تحت نفوذها

ومن بين القضايا التي قسمت المشاركين في مؤتمر بريتون وودز كان موقع مقر البنك وصندوق النقد الدولي. أرادت وزارة الخزانة الأميركية أن يكون في واشنطن، في متناول نفوذها، في حين فضل العديد من الوفود الأجنبية مدينة نيويورك، من ناحية وضعه على مسافة من حكومة الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى لجعله أقرب إلى المقر المستقبلي للأمم المتحدة. طلب رئيس الوفد البريطاني جون ماينارد كينز صراحة أن يبقى البنك وصندوق النقد الدولي على مسافة من الكونجرس الأمريكي، وكذلك من تأثير السفارات في واشنطن. لذلك يجب أن تكون نيويورك هي الاختيار كمقر له. في الواقع، حاول كينز في البداية إقناع المشاركين لاختيار لندن. ولكن لأنه ادرك ان هذه معركة خاسرة، فقد حاول بعد ذلك تجنّب اختيار واشنطن باقتراح نيويورك.

قال وزير الخزانة الامريكي هنري مورغنثاو، أنه كان من الضروري نقل مركز العالم من لندن ومن وول ستريت إلى وزارة الخزانة الأميركية. كانت حجج مورغنثاو ذكية قياسا إلى الوفود الأخرى، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والإمبراطورية البريطانية، وإن كانت تهتز، كانت لا تزال مهيمنة - وبالتالي كان هناك عدم رغبة في تحديد موقع المقر الرئيسي للمؤسسة المالية الجديدة في لندن، على مقربة من مركز القيادة المالية العالمي، وهو مدينة لندن. وكان الجزء الثاني من حجته ذكيا أيضا في أن وول ستريت كان مرادفا للهيمنة على عالم التجارة والأعمال التي أنتجت أزمة عام 1929.
في الأساس، أراد مورغنثاو، كما أعلن، وضع مركز المؤسسات المالية الجديدة بشكل فعال تحت سيطرة وزارة الخزانة والحفاظ على مسافة بينها وبين وول ستريت. هنري مورغنثاو، هاري وايت وإميليو كولادو في وقت لاحق استقالوا أو أقيلوا تحت ضغط من وول ستريت. في الواقع، أصبحت مؤسسات بريتون وودز (الصندوق والبنك) سريعا جدا تحت الإشراف المزدوج لوزارة الخزانة ووول ستريت منذ عام 1947.

لتجنب التأثير غير المسوغ له من حكومة الولايات المتحدة على مجلس إدارة البنك، أراد البريطاني كينز من أعضاء مجلس إدارة البنك (المديرين التنفيذيين) تقسيم أنشطتهم بين بلدهم الأصلي ومقر البنك الدولي: لذا اقترح ان يعملوا بوقت جزئي في البنك. لكن فُرض في نهاية المطاف اقتراح وزارة الخزانة الأمريكية: يجب أن يكون المديرون التنفيذيون مقيمين دائمين في واشنطن وفي مقر المؤسستين الذي لا يبعد سوى خمس دقائق فقط سيرا على الأقدام من البيت الأبيض.

وفي أثناء التصويت في الكونغرس على مشاركة الولايات المتحدة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ظهرت أغلبية ساحقة (345 مقابل 18 في مجلس النواب، 61 مقابل 16 في مجلس الشيوخ) – وهي حالة غير عادية جدا من الإتفاق. وهذا يثبت بوضوح أن الكونغرس كان في الواقع راض عن الخيارات التي تمّ في ضوئها بناء هاتين المؤسستين.
في حين تم إنشاء البنك أساسا لضمان إعادة بناء البلدان التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، فضلت الولايات المتحدة إطلاق مشروع أو خطة مارشال بمبادرة منها، لأنه عن طريق هذا المشروع يمكنها السيطرة تماما على العمليات المالية وتقديم المساعدات والقروض لمن تشاء وتفضّل أيضا.

البنك الدولي رفض تقديم قرض لفرنسا إلا إذا أخرج الشيوعيون من الحكومة الفرنسية

وعلى الرغم من أن البنك في الواقع قد لعب دورا هامشيا في إعادة الإعمار، فإنه خصص قروضا لبعض البلدان الأوروبية، بدءا من القرض الأول في تاريخه: 250 مليون دولار لفرنسا في مايو 1947. ومن الحقائق الخطيرة هي أن حكومة الولايات المتحدة رفضت منح أي قرض لفرنسا طالما أن الحزب الشيوعي الفرنسي كان مشاركا في الحكومة الفرنسية. لذا اتخذت وزارة الخارجية خطوة واضحة ورسمية في هذا الشأن، تم إخراج الحزب الشيوعي الفرنسي من الائتلاف الحكومي، وفي الأيام التي تلت ذلك، أعلن ممثل البنك الدولي أنه تم منح قرض الـ 250 مليون دولار للحكومة الفرنسية. وهذا يبين بوضوح التأثير المباشر الذي تمارسه السلطة التنفيذية الأميركية على البنك والخيارات السياسية التي تنشأ عن هذا التدخل. وفي عام 1947، تدخلت الولايات المتحدة بنجاح من أجل منع منح قرض لبولندا وتشيكوسلوفاكيا على أساس أن حكومتي هاتين الدولتين شملت الشيوعيين.

منذ بدء عمليات البنك الدولي، تم تحديد سياساته وفق سياق الحرب الباردة ومصالح الولايات المتحدة في هذا الصدد.
رئيس البنك الدولي دائما مواطن أمريكي يُقترح من قبل الحكومة الأمريكية

منذ نشوئه وحتى الوقت الحاضر، كان رئيس البنك الدولي من مواطني الولايات المتحدة الذين تقترحتهم حكومتها. أعضاء مجلس المحافظين في البنك يصدقون ببساطة على المرشح الذي تقدمه الولايات المتحدة. هذا الامتياز لم يرد في النظام الأساسي للبنك. وعلى الرغم من أن النظام الاساسي للبنك يتيح للجميع الترشيح، لم يغامر أي حاكم حتى الآن - أو على الأقل، علناً - اقتراح أي مرشح من بلد آخر أو حتى مرشح أميركي آخر غير الذي تختاره الحكومة الأمريكية.

الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي لديه حق الفيتو في البنك الدولي

من بدايات البنك الدولي وحتى اليوم، فإن الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي لديه في الواقع حق النقض (الفيتو) فيه. مع إنشاء البنك، صار للولايات المتحدة 07،35% من حقوق التصويت؛ ومنذ التعديل الأخير في حقوق التصويت، الذي أحرز في عام 2013، صارت الولايات المتحدة تتمتع بـ 15.85٪ من حقوق التصويت. ومنذ نشأته في عام 1947 (السنة التي دخل فيها البنك ساحة العمل)، كانت الأغلبية المطلوبة لتعديل النظام الأساسي للبنك هي 80٪ (والتي لا تتحقق إلّا باتفاق نسبة 60٪ على الأقل من الدول الأعضاء)، وهذا ما أعطى في الواقع الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو). موجة من البلدان المستقلة حديثا في الجنوب زادت عدد الدول الأعضاء في مجموعة البنك الدولي، وخفّفت تدريجيا من وزن حق الولايات المتحدة في الفيتو. ومع ذلك، حرصت الولايات المتحدة على الاحتفاظ بحقها في النقض: في عام 1966، كان لديها 25.50% من حقوق التصويت ولكن هذه النسبة كانت ما تزال كافية لهذا الغرض.

في عام 1987، لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الدفاع عن هذا الوضع، وتم تعديل تعريف الأغلبية المؤهلة لصالحها. في الواقع، في هذا العام، فاوضت اليابان الولايات المتحدة حول زيادة كبيرة في حقوق التصويت الخاصة بها، ووضعها – أي اليابان - كثاني أهم بلد قبل ألمانيا وبريطانيا العظمى. ومن أجل التنازل عن هذه الزيادة إلى حلفائهم اليابانيين، قبلت الولايات المتحدة الحد من حقوق التصويت العائدة لها، بشرط أن تُرفع نسبة الأغلبية المطلوبة إلى 85٪. وبهذه الطريقة أرضت اليابان بصورة كاملة مع الحفاظ على حقها في النقض (الفيتو).

إن الولايات المتحدة هي أيضا العضو المهيمن في مجلس إدارة البنك - ولكن فقط جزئيا هي المساهم الرئيسي. رسميا، معظم قرارات البنك، بما في ذلك تلك التي تؤثر على مستويات الإقراض وتخصيصات القروض، تتطلب أغلبية بسيطة في المجلس. وهذا يعني أن الولايات المتحدة يمكن أن تكوّن الأقلية. ولكن، مع ذلك، غالبا ما تُناقش القرارات بين الولايات المتحدة وإدارة البنك قبل ان تُطرح على مجلس الإدارة، أو حتى بين أعضاء مجلس الإدارة قبل أن يحصل تصويت. وتُتخذ معظم قرارات مجلس الإدارة بتوافق الآراء. ولكن، وزن صوتها، أكثر من ممارسة حقها في التصويت، هو الذي يعطي الولايات المتحدة قوّة مؤثّرة على المجلس.

تأثير الولايات المتحدة السلبي على عمل البنك الدولي: خمس حالات

سنقدم هنا خمس حالات دول من أجل توضيح تأثير الولايات المتحدة السلبي في الخيارات التي قام بها البنك. واختيار خمس حالات لم يكن خيارا سهلا لأن لدينا وفرة من الأمثلة التي في حوزتنا. وفي الواقع، فإن الحالات التي لم تتسيّد فيها خيارات الحكومة الأمريكية يمكن عدها على أصابع كلتا اليدين:

و (2) نيكاراغوا وغواتيمالا

تعتبر حكومة الولايات المتحدة أمريكا الوسطى كجزء من المجال الحيوي الخاص بتأثيرها. السياسات التي اعتمدها البنك الدولي في مجال منح القروض لبلدان تلك المنطقة تأثرت مباشرة بالخيارات السياسية للحكومة الأميركية. حالة نيكاراغوا وغواتيمالا خلال الخمسينات تجعل هذا الأمر بالغ الوضوح. فقد كانت واحدة من أكبر المقترضين في البلدان النامية، ومن ناحية عدد القروض، فإن نيكاراغوا، وهي أمة صغيرة من مليون نسمة، تسيطر عليها عائلة الدكتاتور سوموزا حصلت على أعلى القروض. واشنطن وسوموزا كانت علاقتهما مريحة للغاية. دعمت الولايات المتحدة سوموزا ودعم سوموزا الولايات المتحدة - في عمليات التصويت في الأمم المتحدة، وفي المجالس الإقليمية، وفي جعل نيكاراغوا قاعدة لتدريب وإطلاق قوات المنفى الكوبية التي تسبّبت بكارثة في خليج الخنازير في عام 1961. في الفترة ما بين 1951 و 1956 تلقت نيكاراغوا تسعة قروض من البنك الدولي، وواحد آخر في عام 1960. وأنشئت قاعدة عسكرية أمريكية في عام 1953 التي منها أنطلقت حملة الإطاحة الناجحة، من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه)، بالرئيس الغواتيمالي المُنتخب جاكوب أربينز، الذي طرح مشروع الإصلاح الزراعي وهدّد بتأميم ومصادرة أصول شركة الفواكه المتحدة التي كانت تستولي على ثلثي أراضي البلاد ويملكها المجرم جورج بوش الأول. غواتيمالا نفسها، وعدد سكانها ثلاثة أضعاف عدد سكان نيكاراغوا، وعلى الرغم من أنها كانت واحدة من أوائل الدول التي استقبلت بعثة المسح التابعة للبنك (نشرت في 1951)، لم تحصل على أي قرض حتى عام 1955، بعد الإطاحة بنظام الرئيس المُنتخب أربنيز (لمزيد من المعلومات حول التآمر الأمريكي على غواتيمالا راجع الحلقة (15) أمريكا قتلت (200000) مواطن في غواتيمالا من أجل تعزيز الديمقراطية! ). بعد سقوط سوموزا في عام 1979، حاولت الولايات المتحدة، من خلال الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية المختلفة، زعزعة الاستقرار ومن ثم الإطاحة بنظام حكومة جبهة ساندينيستا التقدمية الجديدة. وأدى ذلك إلى تقديم نيكاراغوا شكوى ضد الولايات المتحدة في محكمة العدل الدولية في لاهاي التي أصدرت حكمها في عام 1986 الذي أدان الولايات المتحدة لانتهاكها الالتزامات المفروضة بموجب القانون الدولي، ولا سيما الحظر المفروض على استخدام القوة (المادة 2 و 4 من ميثاق الأمم المتحدة)، وعلى محاولات التعدّي ضد سيادة دولة أخرى (من أجل المزيد من المعلومات عن التآمر الأمريكي على نيكاراغوا راجع الحلقة (6) تفاصيل العدوان الإرهابي للولايات المتحدة على دولة نيكاراغوا، وما هي نتائجه ؟ (75000 قتيل من أجل الديمقراطية!)؟.

وبشأن موقف البنك فيما يتعلق بنظام ساندينيستا التقدمي خلال الثمانينات والتأثير الذي مورس على البنك من قبل الحكومة الأمريكية، يشير الباحثون إلى أن حالة نيكاراغوا في الثمانينات هي من الأمثلة الصارخة على الحالات التي رفض البنك الدولي فيها إقراض دولة بالتزامن الواضح مع سياسة الولايات المتحدة، وكان السبب وراء وقف الإقراض هو في الظاهر تراكم المتأخرات. ومع ذلك، في سبتمبر من عام 1984، اقترحت حكومة نيكاراغوا رسميا حلّا لمشكلة المتأخرات هذه. وعلى الرغم من كون هذه المقترحات معقولة جدا فإن البنك رفض الإستجابة لها أو دراستها مثلما فعل كثيرا في مرونته مع حلفاء الولايات المتحدة وذلك خضوعا لضغوط الولايات المتحدة التي قرّرت اسقاط حكومة الساندينيستا.

(3)يوغوسلافيا

من أجل تعزيز شقة الخلاف بين نظام المارشال تيتو ومواجهته لنظام الاتحاد السوفياتي، حرضت حكومة الولايات المتحدة البنك الدولي على منح قروض ليوغوسلافيا منذ نهاية الأربعينات. وقد فضلت الحكومة الأمريكية مساعدة يوغوسلافيا تيتو من خلال البنك بدلا من منحها مساعدات ثنائية مباشرة خوفا من تعرضها لانتقادات في الكونغرس من قبل العديد من البرلمانيين الذين يعارضون أي دعم لأي نظام شيوعي. أقرض البنك يوغوسلافيا بعد وقت قصير من انفصالها عن الكتلة السوفيتية في عام 1948. أوصى جورج كينان بأن يكون الدعم غير ظاهر وغير اقتحامي من قبل الغرب، خوفا من رد الفعل الروسي، وكون الكونغرس غير راغب في مساعدة أي دولة شيوعية. وكان البنك الدولي هو الوسيلة المناسبة لمثل هذا الدور، وسافرت بعثة منه إلى بلغراد في العام التالي. كما ذهب رئيس البنك، يوجين بلاك شخصيا للتفاوض مباشرة مع المارشال تيتو

(4) تشيلي

بعد انتخاب سلفادور الليندي في عام 1969 وتشكيل حكومة الوحدة الشعبية، قام البنك، وتحت ضغط الولايات المتحدة، بتعليق قروضه إلى شيلي في الفترة من عام 1970 إلى عام 1973. والحالة التشيلية تُظهر أنه يمكن أن يكون هناك تناقض بين حكم البنك الدولي وموقف حكومة الولايات المتحدة، ولكن هذه الأخيرة تجبر البنك أخيرا على تعديل موقفه. فعلى الرغم من أن إدارة البنك رأت أن شيلي استوفت شروط الحصول على القروض، قرّرت الحكومة الأمريكية أنه لا يتم منح أي قرض لحكومة سلفادور الليندي. لقد ضغطت الولايات المتحدة على البنك لعدم إقراض حكومة الليندي بعد تأميم مناجم النحاس في تشيلي. وعلى الرغم من الضغط، أرسل البنك بعثة الى سانتياغو (بعد أن قرر البنك أن شيلي امتثلت لقواعد البنك المطلوبة لاستئناف الإقراض بعد التأميم، وكانت الإجراءات الخاصة بالتعويض جارية). التقى روبرت ماكنمارا في وقت لاحق مع الليندي ليخبره أن البنك على استعداد لتقديم قروض جديدة تتوقف على التزامات الحكومة بإصلاح الاقتصاد. لكن البنك ونظام الليندي لم يصلا إلى اتفاق بشأن الشروط للحصول على قرض. وطوال فترة حكم نظام الليندي، لم تتلق شيلي أي قروض جديدة. لكن بعد وقت قصير من اغتيال الليندي في عام 1973 خلال الانقلاب الدموي الذي جاء بالمجلس العسكري الحاكم للجنرال بينوشيه إلى السلطة، استأنف البنك الإقراض، وقام بتوفير ائتمان لمدة خمسة عشر عاما لتطوير منجم للنحاس. واستُشهد بوقف الإقراض في 1970-1973 في تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية كمثال كبير على ممارسة ناجحة لنفوذ الولايات المتحدة على البنك الدولي. وعلى الرغم من أن البنك توصل الى اتفاق من حيث المبدأ على منح قروض جديدة في يونيو 1973، لم تعتبر مقترحات القرض رسمية من قبل المجلس إلى أن حصل انقلاب سبتمبر الذي جلب الجنرال بينوشيه إلى السلطة.

واستكمالا لهذه المعلومات، هناك وثيقة محفوظة في أرشيف البنك الدولي، تمثل احتجاج الحكومة التشيلية، بمناسبة اجتماع البنك الدولي في سبتمبر 1972، ضد تعليق القروض، وأشارت إلى أن هناك فعلياً مشاريع محددة قُدّمت للبنك. وتحت ضغط من الولايات المتحدة، لم يتخذ البنك أي إجراء طالما كان الليندي في السلطة. وهناك عدة وثائق عمل داخلية للبنك تنتقد بشكل حاسم سياسات البنك تجاه تشيلي تحت الليندي وتحت بينوشيه).

في وقت لاحق، بعد اثني عشر عاما، عندما بدأت الفظائع التي ارتكبها نظام أوغستو بينوشيه تُواجه باحتجاجات واسعة في الولايات المتحدة، وحتى داخل الكونجرس، طلبت الحكومة الأميركية من البنك تأجيل مناقشة منح قروض لتشيلي من أجل تجنب المعارضة في الكونغرس. وقد تم رفض هذا الطلب من قبل رئيس البنك، باربر كونابل، في رسالة وجهها إلى جيمس بيكر، وزير المالية آنذاك، في 29 تشرين الأول، 1986. ويمكن للمرء أن يستنتج أن طلب حكومة الولايات المتحدة كان ببساطة لمخادعة الرأي العام، ومصممة لتصوير الحكومة بأنها حساسة تجاه المخاوف الديمقراطية، في حين تبقى على علم تام أنه تمّ توزيع الأدوار والتدريب عليها جيّدا، بحيث يبقى رئيس البنك ضمن المسار السياسي الذي أوصت به الحكومة. كانت مسألة ارضاء جميع الأطراف عبر مخادعتهم وقتيا.

(5)فيتنام

من الستينات وحتى نهاية حرب فيتنام في عام 1975، شجعت الولايات المتحدة – وبنجاح – البنك الدولي، من خلال المؤسسة الدولية للتنمية التابعة لها، على منح قروض منتظمة إلى نظام جنوب فيتنام - حليف الولايات المتحدة. بعد نهاية الحرب وهزيمة الولايات المتحدة، أرسل البنك الدولي بعثتين متعاقبتين لتقصّي الحقائق خلصتا إلى أن السلطات الفيتنامية، على الرغم من عدم اتباع سياسة اقتصادية مرضية تماما، قد استوفت الشروط المطلوبة للحصول على قروض ميسّرة. مدير بعثة البنك، حدّد أن الأداء الاقتصادي في فيتنام لم يكن أقل شأنا من بنغلاديش وباكستان، اللتين تلقتا مساعدات من البنك الدولي. وعلى الرغم من ذلك، فإن إدارة البنك، وتحت ضغط من الولايات المتحدة، علّقت القروض لفيتنام، وأكّد رئيسه روبرت ماكنمارا، لمجلة نيوزويك (20 أغسطس 1979) أن وقف القروض استند إلى تقرير سلبي للبعثة !!. هذا التأكيد كاذب بالتأكيد، وعلى خلاف ما قرّرته البعثة التي استنتجت وعلى عكس ما قال مكنمارا علنا ​​في مجلة نيوزويك، وبالنصّ: "لأسباب موضوعية لا يوجد هناك أي أساس لوقف جميع القروض الى فيتنام".

استنتاج بشأن الدول الخمس: قروض البنك تُمنح حسب مصالح الولايات المتحدة

إدارة البنك الدولي تبرّر تخصيص أو عدم تخصيص القروض لأسباب اقتصادية بحتة. لكننا رأينا أنه في الواقع، فإن سياسات منح القروض يحدّدها - أولا وقبل كل شيء -تدخل الحكومة الأمريكية في مجال أعمال البنك، على أساس أهداف سياسية أساساً.

هذا لا يعني أن الأهداف الاقتصادية ليس لها أي أهمية لكنها تخضع أو تكمل الخيارات السياسية والاستراتيجية. الباحثة الاقتصادية كاترين جوين، التي تدافع عن النتائج الإيجابية عموما لنفوذ الولايات المتحدة في البنك الدولي، من وجهة نظر واشنطن، تتبنى نهجا صارما لم يستطع أن يخفي الجوانب المتناقضة لسياسات كل من الإدارة الأمريكية والبنك. وفي هذا الصدد، فإن تصريحها التالي مثير للاهتمام بشكل خاص: "على الرغم من عدم وجود أي حاجة للنزاع حول تقييم السياسات الاقتصادية للبنك تجاه الليندي تشيلي، وفيتنام، ونيكاراغوا تحت سيطرة الساندينيين، تجدر الإشارة إلى أن إجراءات قاسية مماثلة لم تُتخذ تجاه فلبين ماركوس ونيكاراغوا سوموزا، وزائير موبوتو، الأنظمة التي كانت كلها حلفاء مهمين للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة".

تأثير الولايات المتحدة السلبي على القروض القطاعية: البنك لا يمنح قروض لتطوير صناعات تنافس الصناعة الأمريكية

منذ السبعينات، تستخدم الولايات المتحدة نفوذها بشكل منتظم في محاولة لإقناع البنك بعدم منح القروض التي تسهّل إنتاج السلع التي من شأنها أن تتنافس مع المنتجات الأمريكية. وهكذا عارضت الولايات المتحدة بانتظام إنتاج زيت النخيل والحمضيات والفواكه والسكّر. في عام 1987 أجبرت الولايات المتحدة البنك على أن يقلّل بشكل كبير من القروض الممنوحة لصناعة الحديد والصلب في الهند وباكستان. في عام 1985، عارضت الولايات المتحدة بنجاح مشروع استثماري من قبل المؤسسة المالية الدولية (تابعة للبنك الدولي) في صناعة الصلب البرازيلية. وفي وقت لاحق منعت تقديم قرض من البنك لدعم إعادة هيكلة قطاع تصنيع الصلب في المكسيك. كما هدّدت باستخدام حقها في النقض (الفيتو) لمنع تقديم قرض لصناعة الصلب الصينية في الثمانينات. كما منعت الولايات المتحدة تقديم قرض من مؤسسة التمويل الدولية لشركة تعدين لاستخراج خام الحديد في البرازيل. كما قامت بإجراءات مماثلة بشأن الاستثمار من قبل مؤسسة التمويل الدولية في صناعة النحاس في شيلي.

وبالإضافة إلى ذلك، أثّرت الولايات المتحدة على نشاط البنك في سياسته في قطاع النفط. كانت الولايات المتحدة توافق على منح القروض للتنقيب عن النفط ولكن ليس لتصفيته وتكريره. ولا حاجة هنا لأي تعليق.
تحالفات الولايات المتحدة تجعل البنك يخرّب مشاريع البلدان النامية؛ حالات التقارب بين الولايات المتحدة وقوة أخرى (بريطانيا على سبيل المثال)

في عدة مناسبات، تطابقت مصالح الولايات المتحدة مع مصالح بعض القوى الأخرى. والموقف الذي سيتبناه البنك لاحقاً سيكون نتيجة مشاورات وثيقة بين الولايات المتحدة وتلك القوى والبنك. هناك مثالان: في مصر ؛ موقف البنك بشأن مشروع بناء سد أسوان في ظل نظام جمال عبد الناصر، وفي العراق منذ احتلال هذا الإقليم من قبل قوات الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما في مارس اذار 2003.

(1)مشروع سد أسوان في مصر

مشروع بناء سد أسوان على النيل سبق وصول جمال عبد الناصر إلى السلطة في عام 1952 ولكنه اتخذ شكله النهائي خلال تلك السنة. في يناير كانون الثاني عام 1953، كتب وزير المالية المصري الى يوجين بلاك رئيس البنك الدولي، مقترحاً المشاركة في تمويل هذا المشروع العملاق. على الرغم من أن تنفيذ هذه البنية التحتية يتفق مع أولويات البنك وأهدافه، فإن إدارته كانت مترددة في المشاركة بسبب بريطانيا العظمى، التي كانت في ذلك الوقت القوة الثانية من حيث حقوق التصويت داخل مجلس إدارة حكام البنك، والتي كانت تعتبر النظام التقدمي الجديد في مصر تهديدا لمصالحها الاستراتيجية. في الواقع، اعتبرت بريطانيا وجود الجيش المصري في السلطة تحدّياً لاحتلال قناة السويس من قبل القوات البريطانية. رئيس البنك يوجين بلاك زار مصر شخصيا وناقش المشروع؛ كما أرسل البنك مهندسين.. إلى آخره. تضمن المشروع إنشاء سد قدرته 130 مليار متر مكعب، والذي سيكون أربعة أضعاف قدرة أكبر السدود الاصطناعية حتى ذلك الوقت. ومشروع ضخم بهذا الحجم سيقدم فرصة كبيرة لشركات البناء الدولية.

أسفرت المفاوضات بين مصر وبريطانيا العظمى حول رحيل القوات البريطانية عن اتفاق قلّل من عزوف بريطانيا العظمى ومن الضغوط التي وضعتها على إدارة البنك بعدم منح القروض. أعطت الحكومات في أمريكا الشمالية وبريطانيا الضوء الأخر لإدارة البنك للدخول في مفاوضات، ولكنها، فرضت قيودا من خلال تقسيم تنفيذ المشروع إلى مرحلتين: تمويل المرحلة الأولى سيكون مضمونا في حين أن تمويل المرحلة الثانية سيعتمد على التطور السياسي لدى السلطات المصرية. وبطبيعة الحال، لم يعبر عن هذه القيود صراحة في الاتفاقات ولكن هذا هو ما فهمته الحكومة المصرية. كان المصريون يريدون بدء الأعمال في تموز يوليو 1957، مما يعني أن العقد كان لا بد من أن يُوقّع في تموز يوليو 1956. ونتيجة لذلك، طلبوا من البنك تأكيد منح القروض في أسرع وقت ممكن.

في ديسمبر 1955، أعطى اجتماع المديرين التنفيذيين للبنك الضوء الأخضر ليوجين بلاك لمواصلة المفاوضات مع المصريين على أساس الشروط التي وضعتها حكومات أمريكا الشمالية وبريطانيا. أستقبل المصريون شروط البنك استقبالا فاترا. وفي الوقت نفسه، علمت السلطات البريطانية أن المصريين قد وقعوا اتفاقا تجاريا مع الاتحاد السوفيتي بهدف تبادل القطن مقابل السلاح. وعلق مؤرخو البنك الدولي على ظهور الاتحاد السوفيتي على الساحة كما يلي: "وهذه المناورات رفعت ببساطة رغبة القوى الغربية لربط أنفسها بمشروع السد". يوجين بلاك، قبل الذهاب إلى القاهرة لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق مع المصريين، اتصل بالحكومة الامريكية، التي أكدت الضوء الاخضر. في طريقه إلى القاهرة، التقى يوجين بلاك برئيس الوزراء البريطاني في لندن. بعد عشرة أيام من المفاوضات في القاهرة، ظلت نقطة خلاف أساسية واحدة: إن المصريين لن يقبلوا شروطا ثابتة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. لدى عودته إلى واشنطن، اقترح يوجين بلاك مواصلة التفاوض لأنه كان متحمسا للتوصل إلى اتفاق. من ناحية أخرى، كان التردّد يتنامى في واشنطن وخصوصا في لندن، لأن النظام المصري اتخذ توجها قوميا عربيا. يوجين بلاك وجد نفسه الآن أكثر عزلة، ولكن الحكومات الغربية سمحت له بمواصلة المفاوضات، مما يعني أنها يمكن أن تنجح، في حين يرى مؤرخو البنك أن قرار رفض المشروع كان قد اتخذ فعلياً.

في بداية يوليو 1956، وبسبب صعوبة المفاوضات، التقى يوجين بلاك بجمال عبد الناصر، رئيس الوزراء المصري آنذاك، الذي أعلن قبوله للشروط المحددة من قبل القوى الغربية. ومع ذلك، عندما أعلن السفير المصري رسميا اتفاق مصر فى 19 يوليو، عام 1956، قيل له ان الحكومة الامريكية قد قررت عدم المشاركة في تمويل سد أسوان في الظروف الحالية. في 20 تموز، أُبلغ البرلمان البريطاني بأن الحكومة البريطانية قد انسحبت من المشروع. يشير مؤرخو البنك أن وزارة الخارجية البريطانية ابلغت البنك بقرارها بالانسحاب من المشروع بساعة واحدة قبل الاتصال الرسمي بالسفير المصري. ويضيفون أنه في هذه الاتصالات، استخدمت الولايات المتحدة ذريعة مفادها أن تقييم البنك للمشروع كان تقييما سلبيا، وذلك لأسباب اقتصادية. في حين أن النسخة المطبوعة من هذا النص كان قد جري بالفعل تعميمها على المستشارين، فإن رئيس البنك أقنع حكومة الولايات المتحدة بسحب هذه الحجة من النص الذي صدر للصحافة، وذلك لأن الذريعة الأمريكية كاذبة تماما.
وبالعودة إلى العواقب السياسية الأساسية، فإن مؤرخي البنك قالوا: "في تتمة مثيرة معروفة. في 26 يوليو 1956، أعلن رئيس الوزراء عبد الناصر ان الحكومة قد سيطرت على ممتلكات وعمليات شركة قناة السويس. وفي يوم 29 أكتوبر، بعد سلسلة من الحوادث الحدودية، غزت القوات الصهيونية مصر، وفي 2 كانون الأول، بدأ العمل العسكري البريطاني والفرنسي ضد مصر – وكان ظاهريا من أجل حماية منطقة القناة، ولكن في رأي كثير من المراقبين، كان لغرض إسقاط رئيس الوزراء عبد الناصر".

تكشف قضية سد أسوان كيف يمكن لحكومة الولايات المتحدة أن تعمل مع حكومة أخرى لممارسة تأثير على قرارات البنك الدولي عندما تتطابق مصالحهما. وهي تكشف أيضا أن الولايات المتحدة يمكن أن تتخذ ملاذا وراء ما يسمى برفض البنك لمعارضة المشروع، مما يجعل البنك يبدو مسؤولا عن الفشل.

في عدد محدود من الحالات، سمحت حكومة الولايات المتحدة لقوى أخرى باستخدام وسائل نفوذها في البنك. حدث هذا عندما كانت المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة غير معنية بصورة مباشرة. على سبيل المثال، كانت فرنسا قادرة على بسط نفوذها على البنك لإقناعه بتبني سياسة تتفق مع المصالح "الفرنسية" في ساحل العاج.

(2)كارثة احتلال العراق وخدعة "إعادة إعماره"

إن التدخل العسكري في مارس 2003 ضد العراق في عهد صدام حسين، الذي تلاه احتلال أراضي هذا البلد جرى من دون الحصول على موافقة من الامم المتحدة وضد رأي العديد من الدول الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وروسيا والصين. على رأس الائتلاف الذي شن الهجوم على العراق، كانت الولايات المتحدة مدعومة بقوة من ثلاثة أعضاء آخرين في مجموعة الدول السبع الكبرى (بريطانيا واليابان وإيطاليا)، ومن قوى متوسطة الحجم مثل اسبانيا واستراليا. في وقت مبكر من نيسان 2003، أخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة في التفاوض مع الدول السبع وضمن إطار نادي باريس لتخفيض مقدار كبير من الديون التي تعاقد عليها نظام صدام حسين. كانت فكرة التقليل من عبء هذه الديون هي أن يكون العراق "الجديد" المتحالف مع الولايات المتحدة، في موقف يمكنه من التعاقد على ديون أمريكية جديدة وسدادها. وبالإضافة إلى هذا النهج، وضعت الحكومة الأمريكية ضغوطا على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لإقراض السلطات العراقية الجديدة التي كانت تحت سيطرتهم المباشرة من خلال الحاكم المدني الأمريكي للعراق، بول بريمر. وفي العديد من التصريحات، من نهاية مارس إلى نهاية مايو 2003، ظهر بوضوح أن رئيس البنك الدولي ومدير صندوق النقد الدولي كانا مترددين جدا. لم يتم استيفاء الشروط اللازمة لمنح القروض. فما هي المشاكل؟

لم يُعترف بشرعية السلطات على رأس العراق، وخاصة لأنها لا تمارس أي سيادة حقيقية نظرا للدور الذي لعبه بول بريمر وسلطات الاحتلال.

من حيث المبدأ، فإن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يحترمان القواعد التالية: عدم منح قروض جديدة لأي بلد يتخلف عن سداد ديونه السيادية. لكن الضغط من قبل الولايات المتحدة على البنك وصندوق النقد الدولي من جهة، والقوى المعارضة للحرب من ناحية أخرى، أزالت تدريجيا العقبات باعتبار أن مجلس الأمن الدولي، في جلسته المنعقدة بتاريخ 22 مايو 2003، قد عهد للولايات المتحدة وحلفائها بإدارة النفط العراقي ورفع الحصار المفروض على العراق. مجلس الأمن لم يعترف بالحرب ولكنه اعترف بالإحتلال كأمر واقع. جعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يوافق على المشاركة بفعالية في مؤتمر المانحين لإعادة إعمار العراق الذي عُقد في مدريد في 23 أكتوبر 2003. وحالة العراق تدل على أن الولايات المتحدة يمكن أن تشكل تحالفا لتحديد توجه البنك وصندوق النقد الدولي على الرغم من معارضة مديريهما الرئيسيين.في أكتوبر 2004، تمكنت الولايات المتحدة من جعل الدول الأعضاء في نادي باريس (الذي تنتمي إليه أيضا) توافق على إجراء إلغاء على ثلاث مراحل لـ 80٪ من 9،38 مليار دولار التي تطالب بها العراق (سوف نكشف في حلقة مقبلة طبيعة هذه اللعبة).

الاختلافات بين إدارة البنك الدولي والولايات المتحدة تُحل دائما لصالح الإدارة المتنفذة

في أوائل السبعينات، ظهرت الخلافات بين السلطة التنفيذية الأميركية وإدارة البنك. ويعزى ذلك إلى حقيقة أن روبرت ماكنمارا، رئيس البنك منذ عام 1968، كان في مواجهة مباشرة مع الحزب الديمقراطي: دخل السياسة بفضل الرئيس جون كينيدي الذي جعله مستشارا له في عام 1961. واستمرت مسيرته في عهد الرئيس الديمقراطي الثاني، ليندون جونسون (كوزير للدفاع)، والذي عينه رئيسا للبنك الدولي في عام 1968. وفي عام 1969، تغير الموقف عندما تولى الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون منصبه في حين كان روبرت ماكنمارا لا يزال في منصبه. حصلت عدة مناوشات بين إدارة نيكسون وإدارة البنك خلال عام 1971. على سبيل المثال، أمرت السلطة التنفيذية المدير التنفيذي الذي يمثل الولايات المتحدة بالتصويت ضد قرض قرر البنك منحه الى غويانا. في عام 1972، كان الخيار بين تجديد فترة روبرت ماكنمارا (مدة خمس سنوات أخرى) أو استبداله. كان الجمهوريون يرون من حيث المبدأ تعيين واحد منهم. ولكن في النهاية، وافقت السلطة التنفيذية على مضض على تجديد ولاية روبرت ماكنمارا.

خلال فترة ولايته الثانية، ازدادت حدة التوتر بشكل كبير. أحبطت الحكومة الأمريكية مبادرة كان روبرت ماكنمارا يساندها بقوة: فقد تفاوض مع الدول الاعضاء في اوبك لإنشاء صندوق تمويل جديد للتنمية تغذيه أموال النفط. الحكومة الأمريكية، التي أرادت كسر احتكار اوبك، إحبطت هذه المبادرة. خلال هذه الفترة المتوترة، قاد وزير الخارجية هنري كيسنجر الهجوم ضد روبرت ماكنمارا. كبديل لإنشاء صندوق خاص تموّله أوبك، اقترح هنري كيسنجر زيادة الأموال المتاحة للمؤسسة المالية الدولية والبنك الدولي.

تحسّنت العلاقات بين روبرت ماكنمارا والسلطة التنفيذية مرة أخرى إلى حد كبير مع وصول رئيس ديمقراطي جديد، هو جيمي كارتر، إلى البيت الأبيض. حتى أن روبرت ماكنمارا كان يُدعى للمشاركة في اجتماعات مجلس الأمن القومي لمناقشة زيادة الموارد المالية للمؤسسة الدولية للتنمية.

كانت نهاية ولاية روبرت ماكنمارا حافلة بالأحداث إلى حد ما بسبب انتخاب رئيس جمهوري جديد هو رونالد ريغان، في يناير 1981. رونالد ريغان والجمهوريون شنّوا حملة لصالح تغيير جذري في السياسة الخارجية الأميركية لها نتائج فورية على البنك الدولي. اقترح رونالد ريغان تخفيض حاد في المعونة المتعددة الأطراف، وبالتالي تخفيض المساهمة الأميركية في المؤسسة الدولية للتنمية، لصالح المساعدات الثنائية، لا سيما من خلال زيادة كبيرة في المساعدات العسكرية.

مشروع القانون المقدم في يناير كانون الثاني عام 1981 من قبل ديفيد ستوكمان، مدير مكتب الإدارة والميزانية، يعكس ببلاغة روح معسكر رونالد ريغان. أن اعتماده يعني نهاية مساهمات الولايات المتحدة إلى المؤسسة الدولية للتنمية والأمم المتحدة، وزيادة في الإنفاق على المساعدات العسكرية. في عام 1986 لخص ديفيد ستوكمان محتويات مشروع القانون الذي قُدم إلى الكونجرس في يناير 1981: دعت خطة الميزانية إلى إجراء تخفيضات كبيرة في المساعدات الاقتصادية الخارجية على أسس أيديولوجية محضة. واعتقدت أن أجهزة المساعدات الدولية وما يسمى التنمية في العالم الثالث... كانت تعج بالأخطاء الاشتراكية. كانت بيروقراطية المساعدات الدولية تحوّل دول العالم الثالث إلى مستنقعات من عدم الكفاءة التي فرضتها على نفسها ودفنتها تحت جبال من الديون الخارجية التي لن تكون قادرة على دفعها".

نفوذ الولايات المتحدة السلبي في البنك الدولي كما يرد في تقارير وزارة الخزانة الأمريكية

أشاد تقرير من وزارة الخزانة الأمريكية في عام 1982 بتفوق الولايات المتحدة في المؤسسات المالية المتعددة الأطراف: "كان للولايات المتحدة دور فعال في تشكيل هيكل ومهمة البنك الدولي وفق النمط الغربي، الموجه نحو السوق... كنا مسئولين أيضا عن ظهور كيان للشركات مع التصويت المرجح الذي يديرها مجلس إدارة من العيار الثقيل مهيمن عليه أمريكيا، وموظفون محترفون مؤهلون تأهيلا جيدا. كعضو مؤسس وصاحب حصة رئيسية في البنك الدولي، حصلت الولايات المتحدة وحدها على مقعد دائم في مجلس إدارة البنك. (...) الآخرون من الجهات الفاعلة الكبيرة - الإدارة، والجهات المانحة الرئيسية، والمتلقين الرئيسيين - اعترفوا بالولايات المتحدة كصوت رئيسي في البنك. أنهم يعرفون من الخبرة السابقة أننا قادرون وعلى استعداد لتحقيق أهداف سياسية هامة في البنوك من خلال ممارسة النفوذ المالي والسياسي الذي في حوزتنا. ووفقا لوالدن بيلو، فإن مقطعا آخر في وثيقة وزارة الخزانة هذه ينص على أن "في دراسة أجريت على أربعة عشر من أهم القضايا التي اثارت جدلا في البنك - بدءا من حظر وضع المراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى وقف مساعدات البنك إلى فيتنام وأفغانستان - كانت الولايات المتحدة قادرة على فرض رأيها في سياسة البنك في اثني عشر حالة منها".

مقطع آخر من تقرير ثان لوزارة الخزانة يعود لنفس العام أيضا مكرس للبنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى: "على العموم، كانت السياسات والبرامج لمجموعة البنك الدولي بما يتفق مع مصالح الولايات المتحدة. هذا صحيح بشكل خاص من حيث متطلبات تخصيص البلاد العام وقضايا السياسات الحساسة. الطابع الدولي للبنك الدولي، وهيكله المؤسسي، وقوة فريق الإدارة، وهيكل التصويت المرجح للبنك قد ضمنت الاتساق الواسع بين سياساته وممارساته والأهداف الاقتصادية والسياسية طويلة الأمد للولايات المتحدة".

في موضع آخر من التقرير نفسه، نقرأ: "من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الثالث، وتعزيز السياسات الاقتصادية الموجهة نحو السوق، والحفاظ على سمعة النزاهة والكفاءة، تشجع بنوك التنمية المتعددة الأطراف البلدان النامية على المشاركة بشكل كامل في النظام الدولي القائم على تحرير التجارة وتدفقات رأس المال... وهذا يعني زيادة فرص الصادرات والتمويل والاستثمارات الأميركية".

في رسالة من الرئيس رونالد ريغان لروبرت ميشيل، زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، طلب منه دعم زيادة رأس مال البنك الدولي في عام 1988، يجد المرء قائمة مفيدة جدا من البلدان المتوسطة الدخل التي هي حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة ومدعومة من البنك. هنا مقتطف من تلك الرسالة: "إن البنك يخصّص الغالبية العظمى من أمواله لدعم مشاريع استثمارية محددة في الدول النامية ذات الدخل المتوسط. وهي دول (مثل الفلبين، مصر، باكستان، تركيا، المغرب، تونس والأرجنتين وإندونيسيا والبرازيل) مهمة استراتيجيا واقتصاديا للولايات المتحدة".

المزايا المالية التي تتمتع بها الولايات المتحدة بفضل وجودها في البنك الدولي وتأثيرها على سياساته

الباحثة "كاترين جوين" قامت بتقدير ما جلبه البنك وأنشطته من منافع للولايات المتحدة بين عامي 1947 و 1992. قبل كل شىء يجب التمييز بين نوعين من المساهمات: أولا، الدخل المستلم من قبل مواطني الولايات المتحدة الذين يمتلكون سندات صادرة عن البنك (وفقا لها، هذا يمثل 20.2 مليار دولار للفترة المذكورة)؛ ثانيا، النفقات التشغيلية للبنك على أراضي الولايات المتحدة (وهذا يمثل 11 مليار دولار لنفس الفترة). بعد ذلك، تقول الباحثة المدافعة عن سياسة الولايات المتحدة: يجب على المرء قبل كل شيء أن يأخذ في الاعتبار تأثير ذراع الاستثمار الأمريكي في البنك الدولي والمؤسسة الدولية للتنمية. فمنذ إنشاء البنك الدولي، قدمت الولايات المتحدة فقط الحد الأدنى للإنفاق: 1.85 مليار دولار، في حين منح البنك الدولي قروضا بمبلغ إجمالي يقرب من 218 مليار دولار (وهذا أكثر من مئة ضعف). وقد ولدت هذه القروض فرصا كبيرة للشركات الأميركية. أما في حالة المؤسسة الدولية للتنمية، فقد قدمت الولايات المتحدة إنفاقا أكبر مما في حالة البنك الدولي: 18 مليار دولار لتمويل قروض المؤسسة الدولية للتنمية لتصل قيمتها إلى 71 مليار.

تأثير دوائر الأعمال ورأس المال الكبير في الولايات المتحدة على البنك الدولي؛ من بين عشرة رؤساء للبنك الدولي من عام 1946 حتى عام 2014، كان هناك سبعة، بما في ذلك الأول، جاءوا مباشرة من عالم التجارة والأعمال

حقيقة أن البنك الدولي، منذ إنشائه، يحصل على الجزء الأكبر من موارده المالية عن طريق إصدار سندات تبقيه في علاقة دائمة ومتميزة مع الجهات المالية في الولايات المتحدة خاصة الكبيرة منها. والبنوك الأمريكية الكبرى هي من أكبر حاملي سندات البنك وتمارس تأثيرا كبيرا على سياساته.

من ناحية ثانية مؤكّدة فإن الصلة بين دوائر الأعمال ورأس المال الكبير في الولايات المتحدة، والبنك الدولي هو أيضا ملموس وعلى الفور عندما ينظر المرء أكثر وعن كثب إلى وظائف عشرة مواطنين أميركيين تعاقبوا الواحد بعد الآخر على رئاسة البنك حتى يومنا هذا.

كان يوجين ماير، الرئيس الأول للبنك، الذي دامت ولايته ثمانية شهور فقط من عام 1946، ناشر صحيفة واشنطن بوست ومصرفي سابق. والثاني، جون ماكلوي (1947 – 1949)، كان من أبرز المحامين في مجال الأعمال التجارية في وول ستريت وعُيّن بعد ذلك المفوض الأعلى للحلفاء في ألمانيا، وفي وقت لاحق، صار رئيس مجلس إدارة بنك تشيس مانهاتن. وكان الثالث، يوجين بلاك (1949 – 1962)، نائب رئيس بنك تشيس الوطني، وأصبح فيما بعد المستشار الخاص للرئيس ليندون جونسون. الرابع، جورج وودز (1963 – 1968)، وهو أيضا مصرفي، كان رئيسا لشركة فيرست بوسطن. وكان روبرت ماكنمارا (1968 – 1981) الرئيس التنفيذي لشركة فورد للسيارات، ثم وزير الدفاع في عهد كينيدي وجونسون. وكان خليفته، الدن دبليو كلاوسن (1981 – 1986)، رئيس بنك أوف أميركا (واحد من أصل مجموعة بنوك في الولايات المتحدة ضالعة بشكل عميق في أزمة ديون العالم الثالث)، والذي عاد إليه بعد ترك البنك الدولي. في عام 1986، باربر كونابل (1986 -1981)، العضو الجمهوري السابق في الكونغرس، وعضو لجنة المصارف في الكونغرس. خلفه، لويس بريستون (1991 – 1995)، رئيس مجلس إدارة سابقا في اللجنة التنفيذية لبنك مورغان الأمريكي. جيمس ولفنستون، رئيس البنك من عام 1995 إلى عام 2005، كان أحد المصرفيين في وول ستريت مع سالومون براذرز. في نهاية رئاسته في مايو 2005، التحق بإدارة بنك سيتي جروب، أحد البنوك الرائدة في العالم، ثم رئيسا لمؤسسة جيمس ولفنستون. وكان بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأمريكي حتى توليه منصب الرئيس العاشر للبنك الدولي في مايو 2005 ثم استقال في حزيران 2007 بعد فضيحة تعيين عشيقته بمرتب عال في البنك (لمزيد من المعلومات عن هذا المجرم راجع الحلقة (33) مذبحة أندونيسيا وتيمور الشرقية: أمريكا قتلت مليون أندونيسي وذبحت 200,000 مواطن في تيمور الشرقية من أجل الديمقراطية). ثم زوليك (2007 – 2012) مدير تنفيذي في بنك غولدمان ساخس الشهير ونائب وزير الخارجية وممثل الولايات المتحدة التجاري. ثم جيم يونغ كيم (يوليو 2012 - ) طبيب وعالم أنثروبولوجيا، مؤسس مشارك لشركة شركاء في الصحة والرئيس السابع عشر لكلية دارتموث.

وخلاصة القول، وبشكل عام، فقد تم إثبات وجود علاقة وثيقة بين السلطة السياسية ودوائر الأعمال التجارية ورأس المال الكبير في الولايات المتحدة السلطة ورئاسة البنك الدولي.

مصادر هذه الحلقات

مصادر هذه السلسلة من الحلقات عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سوف تُذكر في الحلقة الأخيرة من السلسلة.


مشاركة منتدى

  • السلام عليكم انا طالب دكتوراه علوم سياسيه من السودان ولا استطيع وصف سعادتي بالعثور علي هذا المقال الرائع ارجو اذا تكرمتم واذا كان بالامكان تسجيلي لاشتراك حتي اتلقي هذه المقالات خاصه وان بحثي يتطرق للهيمنه الامريكيه ولكم جزيل شكري وتقديري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى