الجمعة ٥ آب (أغسطس) ٢٠١٦
بقلم سماح خليفة

قراءة في قصة«غَدْر»

غَدْر..

القارب الذي اكتَظَّ بالأحلام، ضاقت بهِ الأَمواج، أعادتهُ إلى الشاطئ، ابتَلَعَ البحرُ ركابه.

تتكون هذه (ق.ق.ج) من عنوان(غَدْر) الذي هو عتبة النص الذي يفضي بالقارئ إلى باب التساؤل حول أسباب الغدر ونتائجه؛ وهو عبارة عن كلمة واحدة مَصدر، تُلخّص ظاهرة سلبية منتشرة في مجتمعاتنا؛ نتيجة غياب الأخلاق وتخدير الضمائر أو ربما موتها.

الغدر عكس الوفاء، الغدر هو الخيانة؛ ففي حين ينتظر الإنسان المخلص الصادق مكافأة على جهده وعمله وإخلاصه ووفائه؛ يتفاجأ بنتيجة مغايرة ألا وهي الغدر، وما يُخلّفه من ألم ليس بقدر حجم الدهشة التي يُخلفها فينا.

متن النص يتكون من أربع جمل يفتتحها بجملة اسمية ثم يُتبعها بثلاثة جمل فعلية، ولم يتكئ الكاتب على الجملة الاسمية التي يبدأ فيها قصته عبثا، فأظنه تصدّر بالاسم (القارب) لما يحمله القارب من رمزية تدل على الأمان والنجاة وبالتالي الإيحاء بمستقبل مشرق، على عكس ما أوحاه العنوان؛ فيلعب الكاتب هنا بمشاعر القارئ؛ ليقف مرة أخرى عند كلمة القارب متشوقا متسائلا: ماذا بعد؟ آملا بنتيجة تدحض العنوان(غدر)، وبعد الأمل يأتي العمل فنراه يتبعها بجمل فعلية؛ أربع جمل بأربع أفعال ماضية: (اكتظَّ، ضاقَت، أعادَته، ابتلعَ) ويجعلنا نتساءل: لماذا اختار الكاتب أفعالا ماضية وليست مضارعة حاضرة أو مستقبلة، أظنه أراد بذلك أن يذكرنا في نهاية قصته أن الألم مهما عظم ومهما كان حجم الخيانة والغدر الذي يتعرض له الشخص، إلا أنه أصبح من الماضي وعلى الإنسان أن يتعلم من تجاربه ويمضي قدما في إصرار منه؛ لتحقيق المستقبل الذي يحلم به.

كل تلك المعاني تتلخص في الأحداث التي تديرها شخوص القصة، والذين لم يكونوا سوى حالمين وثقوا بالبحر، ركبوا قارب النجاة وغرّهم القارب فاكتظوا فيه حتى ضاقت بهم الأمواج، ولم تعد تحتمل هذا القدر من الاندفاع والتفاؤل اللامدروس، وربما هي الظروف أجبرتهم للاندفاع والأمل بمصير أفضل، لم يشأ الكاتب أن يصدم القارئ بالنتيجة غير المتوقعة؛ فجرّعه خبر موتهم ببطء عندما قال: أعادته إلى الشاطئ، من الذي عاد إلى الشاطئ؟ لا يتوقع القارئ أن يعود القارب فارغا؛ ليصارحه في النهاية بحقيقة الموت المحتوم عندما ابتلع البحر الركاب.

نأتي إلى الرموز التي لجأ إليها الكاتب: القارب، الشاطئ، بالمقابل: الأمواج، البحر.

القارب والشاطئ رمزان يدلان على الأمان والطمأنينة، مقابل الأمواج والبحر رمزان يدلان على الخوف والغدر.
وكأن الكاتب بهذه المفارقة أراد أن يشير إلى تخبّط الشعوب المسكينة، وما يخالجها من مشاعر متضاربة: الخوف من شبح الموت الذي يطاردهم، بالمقابل الطمأنينة إلى الحلم الذي يحملونه لرسم غد أفضل ينبض بالحياة.

إلا أن الكاتب يختار نهاية لقصته تؤكد دلالة العنوان: فالغدر يفضي إلى الموت (ابتلعَ البحرُ ركابه) فبعد أن وثق الركاب بالبحر وأبحروا فيه؛ غدرهم البحر وابتلعهم.

أجد في قصة الكاتب حسين حلمي شاكر اختصار لحياة ومصير الشعوب العربية، المتعلقة دائما بالأمل مهما كان حجمه، ومهما كانت نتيجته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى