الاثنين ٢٢ آب (أغسطس) ٢٠١٦
بقلم مفلح طبعوني

كأنّـكَ إلى سهيل أبو نوّارة

زغردت حبّات التراب وفتحت أحاسيسها لاستقبال النوّارة. غرّدت دموع الفرح الحزين لحظة وداعه. هبطت سيجارته في مدفنه قبله لتستقبلهُ. رافقته ريشة إبداعاته ولوحاته خوفاً عليه من عتمة الآتي. عادت كلماتهُ بذاكرتها الى بداياتها. توقفت قليلاً عند باب العمود، عانقت حيفا وأخذها نعاسها الى عين العذراء وجابيتها...!!

أن تكون سهيل أبو نوّارة، يعني أن تكون بوابة من بوابات القدس العتيقة. وأن تكون سهيل أبو نوّارة، يعني أن تكون صاحب لوحة فنية مهجورة تركتها النكبة على أنقاض الهدم والخراب علّها تبرعم في الفصول الربيعية العائدة... بعيداً عن مداخل ودرجات السلاطين العرب. أن تكون "أبو نوّارة " يعني أن تظلّ معها ليعود الغائب من المنفى.

أن تكون "أبو نوّارة " يعني أن تكون السوق القديم المنكوب في الناصرة، وجبل قفزتها.

أن تكون، يا سهيل، نوّارة البلد يعني أن تكون شجرة الكينا التي قلعوها، وأن تكون أيضاً جارتها، المدرسة التي هدموها. وأن تكون سهيل أبو نوّارة يعني أن تكون عكا، عكا التي يخافها البحر فيرتدّ على أسوارها، هديرُه إلى داخله...

أنت يا سهيل، النوّارة الدائمة في هذه العتمة المنساقة وراء الهبوط.

ستستنسخك أشجار هذا الوطن وستستمدّ منك خضرتها، لتبقى معك دائمة الأبدية...

سهيل...

كأنّكَ الربيع الذي لا نسب بينه وبين الربيع العربي. وكأنّكَ الغيوم التي تحوم فوق المروج لتنهمر زخاتها على سنابلها. وكأنّكَ الينابيع التي تنفجر لترويها في السنوات العجاف. كأنّكَ نور النوّارة التي تنوّر لنحلها، ليحمل عسلها الى معابده.
سنعودك في فصول التراجعات لتعودنا مع العطاء.

ستعود ثانية شجرة الكينا، شجرة الأموات في مركز المدينة، لتبشّرَ بعودة الحياة والانبعاث. وستعود من جديد، لمدرسةٍ تجمع كل صفوف الإبداع، كأنّكَ المعلّقة التي حفظها الجميع، وكأنكَ لوحاتها التي نقشْتَها بحواسّك فوقَ أسوارها ألحمتها. كأنّكَ مدرّج المسرح الذي تنقّل بين مدنها وقراها وبشّر ممثلوه بما قدمْتَ لهم...

ستظلّ معنا إبداعاتك، تحمينا من الزوال وتجذّرنا في هذه الأرض.

ولن ننسى ما قلته وتذكّرناه الجنازة التي خطفتنا مع نبضنا الى مراقد الإبداع:

"ورطة!... قلت لنفسي...!! واستغربْتُ رنينَ الأجراس في خلقي!!

وشعرْتُ بقليل من الغربة عن حالي! وفكّرت في أقرب مكان فيه مرآة يمكن لي أن أرى نفسي فيها على مدى طويل عشناه معا! وغمرني شوق جارف لرؤية وجودي الذي أعرف! وروّحت ومعي كلمة، وسؤال!!...

 هل هو الخوف الذي أعرف؟ وهل سأكون أنا في المرآة التي أملك؟

وفتحتُ بابَ بيتي ودخلت...!

كنت أعرف كل شيء عن الرعب!!

وفي صغري رضعت مع الحكايا... أخبار الجن، والشياطين، والعفاريت المغريات بالخطايا !!

وسمعت عن خروج الإنسان الى عوالم أخرى وكبرى لا موت فيها!

وعشتُ مع الغولة، والسحر، والساحرات والغيب، والخفايا!!

ونظرتُ في المرآه، وفهمتُ: كنت... أنا!

أبا نوّارة:

غابت الستارة عن المشهد
تلبّستنا المراجعات
والجمود رافق المنصّة
تابع النصّ مع المخبرين فانفعل المخرجُ
واعتكف الكاتبُ
اعتذرتْ عتمة الإيقاعاتِ
عن المسار
وتوقفتِ الحمّالة عن الانفعال
ارتجفَ المشيّعون
تركتْهم أحلامُهم
وتفرّقَ المريدون مع الزوال.

سهيل، تركتْ مدينتُنا الانحيازَ الإيجابيَّ، وعادت بسوادها الى الانغلاق، أربكها عدد القرى التي هُدِمَتْ والمدن التي هُجّر أهلُها الى المجهول.

اربكتْها الحروبُ التي هزمتْنا وأربكَها عددُ الملوك والرؤساء والعظماء، الكبار في كلّ شيء لا نريده، أربكتْنا قلةُ التواضعِ، ونالت منّا العجرفةُ الفارغة.

تُرى هل سنصل يوماً الى عالمٍ يكونُ الموت فيه رحلةَ قبول، بنواره، بدون خفايا ورزايا وبدون كبار وعظماء يلوكون الفراغ...؟؟!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى