الأربعاء ٢٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٦
في اللغة
بقلم فاروق مواسي

تطور في الدلالات

في تقديري لو بعث أديب من العصور الأولى حيًّا وسمع أو قرأ لغتنا اليوم لما فهم أكثر ما نقوله أو نكتبه، فقد تطورت اللغة، وتغيرت المعاني، في جميع المجالات العلمية والأدبية والفنية والاجتماعية، حتى توشك لغتنا اليوم أن تكون لغة غريبة عن ضيفنا في كثير من ألفاظها.

علم الدلالة (Semantics) هو العلم الذي يبحث في تطور الدلالة، وهو جزء من اللسانيات الحديثة، ويكشف عن جانب مهم من حياة اللغة وتطورها من خلال استعمالها وتداولها في المجتمع.

أدت كثرة استعمال بعض الألفاظ إلى تطورها، فالاستعمال من أكثر أسباب التطور الدلالي أهمية، وهذا شائع في كل اللغات؛ وذلك لأن العوامل الاجتماعية والتغيرات الحياتية التي تواكبها اللغات تفرض ذلك.

ما ينقص اللغة العربية ذلك المعجم التاريخي المنشود الذي يتحدث عن اللفظة ومعانيها عبر العصور، وذلك على غرار معجم أكسفورد التاريخي بالإنجليزية، وكان المستشرق فيشر قد وضع أسسًا أولى له، ونحن ننتظر خطوات عملية علمية لتحقيق ذلك.

لنقم بجولة لغوية، ولنلاحظ تغير الدلالات، وقد استقيت من عشرات المصادر:

* تطور من الحسيّ إلى المجرد، نحو:

الاختصار: كانت تعني سلوك أقرب الطرق، فصارت بمعنى حذف الزيادة، وتقليل المبنى مع إبقاء المعنى.

الاقتباس: انتقلت من معنى القبس (الشعلة من النار) إلى معنى الاستفادة، وفي البلاغة نجد معناه الإفادة من نص من القرآن الكريم في جملة معينة، ثم تطور المعنى إلى كل أخذ من أي نص، ويجب أن يكون النص االمقتَبَس بين مزدوجين" ........ " .

المشاجرة: انتقلت من معنى تشابك الأشجار وتداخل بعضها ببعض إلى معنى المنازعة والمخاصمة.

الحقد: انتقلت من معنى الاحتباس (حقد المطر: احتبس) إلى معنى إمساك العداوة في القلب حتى الوقت الملائم.

الذكاء: من معنى لهب النار إلى معنى سرعة الفهم وتوقد الذهن.

الشرف: من معنى المكان العالي المرتفع إلى معنى علو الحسب والرفعة.

العقل: من معنى الربط المادي (عقل الدابة= ربطها) إلى معنى إدراك الأشياء على حقيقتها، والربط الذهني.

الفنّان: انتقلت من معنى حمار الوحش، إلى صاحب الفن من موسيقا أو رسم أو رقص ...إلخ والمعنى الاصلي للكلمة هو «الحمار الوحشي الذي يأتي بفنون من العدْو» (انظر معجم الصحاح للجوهري).

وفي المعجم: "رجل مُفن يأتي بالعجائب"، لكن (مُفن) أهملت، وشاعت (فنان).
القلق: من معنى الاضطراب والحركة إلى معنى الانزعاج النفسي.

الإعدام: كان بمعنى فقد المال، فأصبح المعنى فقد الحياة.

القطار: كان أصل معناه- الإبل يسير الواحد منها وراء الآخر، فأصبحت تتمثل في تتابع عربات القطار. (علاقة مشابهة).

السيارة: كانت في الأصل بمعنى القافلة (ورد المعنى في سورة يوسف، 19)، فأصبحت تطلق على المركبة التي تسير سريعًا (صيغة مبالغة).
وهناك ألفاظ أخرى كثيرة تغيرت دلالاتها مثل (البهلول)، (الحاجب)، (الكاتب)، (قماش)...إلخ

* تطور في دلالة الألفاظ من الخاص إلى العام، نحو:

الحضارة: من معنى الإقامة في الحضر (المدن والقرى) إلى معنى مظاهر الرقي العلمي والفني والأدبي في الحضر.

المُضيفة: من معنى المرأة التي تستقبل ضيوفها في بيتها، إلى معنى خدمة ركاب الطائرة أو خدمة رواد المطعم.

النتيجة: من معنى ولد الناقة إلى ثمرة الشيء وما نستحصل منه.

ويتم تعميم المعنى إذا سمّينا حاكمًا أنه نيرون أو فرعون أو قيصر...
أو سمّينا شخصًا أنه حاتم أو عنترة (علاقة المشابهة).

كافر: كانت قديما تعني الفلاّح الزّارع لدلالتها على الدفن (كفر= دفن) والفلاّح يدفن البذور لتصير نباتًا. وصارت كلمة (كافر) بعد الإسلام تعني الانكار للخالق وعصيان أوامره. وفي المعاجم:
«كفر: الكفر في اللغة سترُ الشيء ووصف الليل بالكافر لستره الاشخاص. والزارع لستره البذور في الارض".

الجالية: يقال استُعمل فلان على الجالية، وهم أهل الذمة، وإنما لزمهم هذا الاسم؛ لأن النبي أجلى بعض اليهود من المدينة، فسمُوا جالية- للزوم الاسم لهم، وإن كانوا مقيمين بالبلاد التي أُوطِنوها.

وقد تخصصت الدلالة اليوم، فصارت الجالية تعني الجماعة من الناس التي تنتمي لجنسية أو بلد معين، وتقيم في غير بلادها، كما نقول الجالية الهندية، أو اليمنية، وغيرهما.

أسلوب: وهو السطر من النخيل، وكل طريق ممتد، فهو أسلوب، والأسلوب الطريق، والوجه، والمذهب، يقال: أنتم في أسلوب سوء، والجمع أساليب. والأسلوب، بالضم: الفن، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه.

ثم صارت الكلمة اليوم تعني في الغالب أسلوبًا في الكتابة أو اللغة أو الأدب؛ وهو الطريقة التي يسلكها الأديب، للتعبير عما يجول في ذهنه من أفكار ومعانٍ، وما يختلج في قلبه من مشاعر وأحاسيس.

السفير: الرسول والمصلح بين القوم، وقد سفر بينهم يسفر سفرًا وسِفارة وسَفارة: أصلح. وفي حديث علي أنه قال لعثمان: "إن الناس قد استسفروني بينك وبينهم" أي جعلوني سفيرًا، وهو الرسول المصلح بين القوم.
صارت الكلمة اليوم تعني: الممثل السياسي لدولة في عاصمة دولة أخرى.

الإضراب: أضربت عن الشيء= كففت وأعرضت، والمضرب: المقيم في البيت، وأضرب الرجل في البيت: أقام.

أما اليوم فتعني توقف العمال عن المضي في العمل المتفق عليه، أو انقطاع الموظفين عن العمل والبقاء في الشارع للمطالبة بأمر من الأمور الحياتية، ويأتي على رأسها زيادة الأجور.

ونلاحظ كذلك تطور (مضاربة) في الأمور المالية، وتطور معنى (عملية قيصرية) وغيرذلك كثير.

* تطور من العام إلى الخاص:
الحج: معناها القصد والتوجه، ولكنها اليوم تعني فريضة دينية، ومثلها (الصلاة) التي كانت تعني الدعاء، فأصبحت الفريضة بتمام متطلباتها، وثمة الألفاظ الدينية الإسلامية الأخرى حيث اكتسبت دلالات جديدة محددة.

الجريدة: من معنى ورق النخل الذي كانوا يكتبون عليه، فأصبح اليوم بمعنى الصحيفة.

الفضل: من معنى الزيادة إلى معنى خصال الخير.

المأتم: من معنى اجتماع الناس (في فرح أو حزن أو غيره) إلى معنى اجتماعهم في الحزن.

الغمّ: من معنى التغطية والستر إلى معنى شدة الحزن لأنه ستر ثقيل يحيط بالنفس.

العِلم: كان بمعنى عام كل ما نكتسبه من معرفة، فتركز اليوم في المعارف التي يمكن امتحانها بالتجربة.

وللبحث صلة.


مشاركة منتدى

  • الإعدام: كان بمعنى فقد المال، فأصبح المعنى فقد الحياة.

    القطار: كان أصل معناه- الإبل يسير الواحد منها وراء الآخر، فأصبحت تتمثل في تتابع عربات القطار. (علاقة مشابهة).

    السيارة: كانت في الأصل بمعنى القافلة (ورد المعنى في سورة يوسف، 19)، فأصبحت تطلق على المركبة التي تسير سريعًا (صيغة مبالغة).
    وهناك ألفاظ أخرى كثيرة تغيرت دلالاتها مثل (البهلول)، (الحاجب)، (الكاتب)، (قماش)...إلخ
    الحضارة: من معنى الإقامة في الحضر (المدن والقرى) إلى معنى مظاهر الرقي العلمي والفني والأدبي في الحضر.

    المُضيفة: من معنى المرأة التي تستقبل ضيوفها في بيتها، إلى معنى خدمة ركاب الطائرة أو خدمة رواد المطعم.

    النتيجة: من معنى ولد الناقة إلى ثمرة الشيء وما نستحصل منه.

    ويتم تعميم المعنى إذا سمّينا حاكمًا أنه نيرون أو فرعون أو قيصر...
    أو سمّينا شخصًا أنه حاتم أو عنترة (علاقة المشابهة).

    كافر: كانت قديما تعني الفلاّح الزّارع لدلالتها على الدفن (كفر= دفن) والفلاّح يدفن البذور لتصير نباتًا. وصارت كلمة (كافر) بعد الإسلام تعني الانكار للخالق وعصيان أوامره. وفي المعاجم:
    «كفر: الكفر في اللغة سترُ الشيء ووصف الليل بالكافر لستره الاشخاص. والزارع لستره البذور في الارض".

    الجالية: يقال استُعمل فلان على الجالية، وهم أهل الذمة، وإنما لزمهم هذا الاسم؛ لأن النبي أجلى بعض اليهود من المدينة، فسمُوا جالية- للزوم الاسم لهم، وإن كانوا مقيمين بالبلاد التي أُوطِنوها.

    وقد تخصصت الدلالة اليوم، فصارت الجالية تعني الجماعة من الناس التي تنتمي لجنسية أو بلد معين، وتقيم في غير بلادها، كما نقول الجالية الهندية، أو اليمنية، وغيرهما.

    أسلوب: وهو السطر من النخيل، وكل طريق ممتد، فهو أسلوب، والأسلوب الطريق، والوجه، والمذهب، يقال: أنتم في أسلوب سوء، والجمع أساليب. والأسلوب، بالضم: الفن، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه.

    ثم صارت الكلمة اليوم تعني في الغالب أسلوبًا في الكتابة أو اللغة أو الأدب؛ وهو الطريقة التي يسلكها الأديب، للتعبير عما يجول في ذهنه من أفكار ومعانٍ، وما يختلج في قلبه من مشاعر وأحاسيس.

    السفير: الرسول والمصلح بين القوم، وقد سفر بينهم يسفر سفرًا وسِفارة وسَفارة: أصلح. وفي حديث علي أنه قال لعثمان: "إن الناس قد استسفروني بينك وبينهم" أي جعلوني سفيرًا، وهو الرسول المصلح بين القوم.
    صارت الكلمة اليوم تعني: الممثل السياسي لدولة في عاصمة دولة أخرى.

    الإضراب: أضربت عن الشيء= كففت وأعرضت، والمضرب: المقيم في البيت، وأضرب الرجل في البيت: أقام.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى