الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦

جريمة نصف زرقاء

وفاء ابريوش

العنوان مدخل إلى الكتاب، دليل سياحي وجداني غاية في الأهمية لمواقع النصوص المشتركة والطرق الرئيسة المؤدية لأغلبها، في المجموعة ابتدأ العنوان بـ «جريمة» وهي: «كل أمر إيجابي أو سلبي يعاقب عليه القانون، سواءٌ أكان مخالفةً أم جنحة أم جناية» المعجم الوسيط. والحديث هنا عن أمر قد يقتضي عقوبة ما.. إذًا نحن أمام كاتبة جريئة ترى أنّ معاملة الهدف الأدبي تقتضي التطرق إلى البحث في ظروف الجريمة لا الفضيلة كطريق بعيد عن النقد والاستفسار حول بواعث القصة، بل تقتحم التابو أيّا كانت طبيعته في القادم من النصوص وفي توضيح موارب قالت الكاتبة أن الجريمة لها حجم النصف إذًا لم تكتمل أيضا فما هو نقصانها واكتمالها! ليتسلل اعتراف آخر بأن الجريمة أيضا تحمل اللون الأزرق، لماذا الأزرق تحديدا يا ترى؟ اللون* الأزرق لون ذهني دلالة على العقل كما يقول علماء النفس فهو يحتمل معنيين: أحدهما إيجابي رامزا لنصف هدوء، والثاني سلبي دلالة على نصف برود و النتيجة أن هناك كاتبة ستحكي عن الجريمة بثقة عالية ورمزية جامحة لكاتبة تنسج فكرتها بروية. وقد أدت لوحة الغلاف للفنانة "زهى صلاح الدين" شاهدا على العنوان بالألوان لتي حملت فضاء بنفسجيا فاتحا و شخصيات مختلفة كأن الرسم يعتمد على الأيدي والوجوه التي تساند و تحتاج و تأمن حتى الوحيدة منها، لوحة عميقة تماهت مع العنوان فماذا سيخفي باطن القصص؟

لن أخوض بالمهارات التي تمكنت منها القاصة صابرين فرعون من الاختزال و الإيحاء و الانزياح و عناصر القصة القصيرة بتكاملها إضافة إلى اللغة الرصينة الساخنة كرغيف خبز طابون ناضج و مُشبع، تارة تراه أسمرا و أخرى مُقشّر القمح أبيضا و الذي نقول عنه بالعامية "طحين كندي"، بين الوطني و الغربيّ تنوعت شخصيات القصص و حصلت المتعة في تناولها كلها على ذات المائدة مقسمة بين صحون الأدب السياسي الساخر و النقد المجتمعي لظواهر عدة و الحرب و النقد الشعوري لإشكالات القلب.

ما يهمني تلك المنطقة الخطرة التي تكتب فيها صابرين فرعون، منطقة ميتافيزيقية و كأنها تربط شخصياتها بخيوط وهمية تُحرّكها أنَّ أرادت بخفة و سلاسة، هذه المنطقة التي تختصر الزمكان تحدث في باطن الباطن تنطلق منها صابرين بعيدا عن أناها الكاتبة تتسلل إلى باطن شخصيتها و تحكي له عن ذاته في رسائل رمزية ففي قصة "ضجيج"ص33 تكتب صابرين شخصيةً على حافة الهاوية، تعطيها منبر التفاصيل الصغيرة و السبب للانتحار في ذهول من المتلقي. و في قصة "ضربات جزاء" تصوير للحظة شعورية يستغرق فيها بطل القصة في التأثّر غير الواعي، البطلة تمارس حفر ندبتها و كأن الخطايا تظل تنقر قلب المذنب بحق الآخر.. إبداع الكاتبة في توصيف اللحظة الغائبة عن الآن و البحث في اللامدرك و في آراء روح تعدّت مرحلة الواقع لتُبدي رأيها في القصة و الحياة كما في قصة "فخاخ معطوبة" التي تحدثت عن شبح شهيد و في قصة "عقاب" تكرر السخرية من السياسة و الإعلام بعقلية واعية لما يدور حولها من حبكة إعلامية سياسية تنتقدها صابرين، بذكاء و أناة المشرط في جسد القصة المختصرة التي تود سلخها من مرارة الوجود إلى الإيحاء.

في الوقت الذي كان يخشى الشعراء من القصيدة النثرية حدث مع صابرين العكس بتنا نخشى على القصة من الشعر و تكثيفه و صوره الفنية، فهل تبحث القاصة عن قُرّاء من النخبة فقط لما تكتب؟ لأن القارئ العادي سيغوص في حيرة شديدة في محاولة لإدراك المعنى؟ فهل حددت صابرين جمهورها القارئ النخبوي أم تريد لأدبها الانتشار بين الجميع؟ تلك نقطة مهمة على الكاتبة تحديدها في أعمالها القادمة، إضافة لبعض المفردات الرياضية و الأبطال في قصص الغرب كان جميلا لو أشركت القارئ عبر الحاشية بالمعنى و التعريف بشخصياتها تعريفا بسيطا حتى يستمتع القارئ و تسطع الجملة كاملة في نفسه.

بلا شك نحن أمام كاتبة متنورة تنفد للجرح دون خدش أو مرهم معرية خمجه و وجعه و حينا طهره،الكتابة لدى القاصة لحظة تجلّ و استغراق و غيبوبة واعية عصبية و متمردة و ثائرة، فلصبرين ثوابتها و إيمانها الراسخ بفكر تأسس على الثقافة الغزيرة و المفردة الشفيفة الحادة و التجربة المعاشة و الملاحظة القوية. في النهاية صابرين سفيرة للقصة الفلسطينية و امتدادها الراقي.

وفاء ابريوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى