الجمعة ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦
بقلم فاروق مواسي

مع التفسير والتأويل

للمتعجلين أقول:

التفسير هو بيان ما قيل أو ما كتب بصورة مباشرة، ويعتمد المفسّر على المعاني* ودلالاتها، وعلى المراجع ذات العلاقة.

التأويل هو التفسير، ويضاف إليه إلقاء الضوء أو الرأي أو الاستنتاج، أو رفع الخفاء، وليس فيه يقين أو جزم حاسم.

لم أتخيل بعد أن شرعت بكتابة الموضوع أن هناك شروحًا وأقوالاً وأحاديث عن اللفظتين كثيرة في الكتب وفي المواقع، وفيها نقاش طويل، فقلت: لعلي أقتطف من كل بستان زهرة!
إذن فمادتي اليوم تأتي بما اخترته من هذه البساتين، وخلاصة رأيي هي ما بدأت به من إيجاز.

إلى الجولة في المصادر:

من معاني التفسير- التفصيل، كما قال ابن عباس في شرح وأحسن تفسيرًا- الفرقان، 33، واشتقاق اللفظة من (الفسْر) وهو البيان.

يُطلق التفسير كذلك على التعرية للانطلاق، يقال: فَسَرتُ الفَرَس: عَرَّيتُهُ لينطلق، وهو راجع لمعنى الكشْف، فكأنه كشَف ظهره لهذا الذي يريد منه مِن الجَري.
لسان العرب (مادة فسر).

التفسير في الاصطلاح: عِلمٌ يُعرَف به فَهْم كتاب الله وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكمه، واستمداد ذلك من عِلْم اللغة، والنحو والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفِقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسِخ والمنسوخ.

فالتفسير إمَّا أن يُستعمل في غريب الألفاظ كالبَحِيرة والسائبة والوَصِيلة، أو في تبيين المراد وشرْحه؛ كقوله - تعالى-: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ- البقرة،43، وإمَّا في كلام مضمَّن بقِصَّة لا يمكن تصوُّرُه إلا بمعرفتها؛ نحوَ قوله - تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ- التوبة، 37.
(انظر: البرهان في علوم القرآن؛ لبدر الدين الزركشي، ج1، ص 13)

أما التأويل فهو آخر الأمر وعاقبته – يقال: ما مآل هذا الأمر؟ أي مصيره وعقباه.
وردت لفظة (تأويل) في القرآن سبع عشرة مرة، وهي في معانٍ مختلفة:

التأويل في القرآن الكريم على ثلاثة وجوه: تأويل المتشابه،
تعبير الرؤيا،
مآل الأمر وعاقبته،

والمعنى الرابع المفهوم العام المأخوذ من الآية الواردة بشأن خاص.

قال التهانوي: التأويل هو الظن- أي ترجيح الاحتمال بدون القطع، بينما التفسير هو القطع أو الجزم بالمراد، وأكثر استعمال التفسير في المفردات كتفسير النوى بالبعد، فنحن نخبر عن كل مفردة في الجملة بينما أكثر استعمال (التأويل) في المعاني والجمل.

قيل إن التفسير بيان وضْع اللفظ؛ إما حقيقةً وإما مجازًا، كتفسير (الصراط) بالطريق و(الصيِّب) بالمطر، والتأويل تفسير باطن اللفظ، مأخوذٌ من الأَوْل، وهو الرجوع لعاقبة الأمر، فالتأويل إخبارٌ عن حقيقة المراد، والتفسير إخبارٌ عن دليل المراد؛ لأنَّ اللفظ يكشِف عن المراد، والكاشف دليل، مثال ذلك: قوله - تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ،الفجر، 14. تفسيره: أنَّه من الرَّصْد، يقال: رصدته؛ أي: رقبته، والمرصاد: مِفْعال منه، وتأويله التحذير مِن التهاون بأمر الله والغَفْلة، والاستعداد للعَرْض عليه، وقواطع الأدلَّة تقتضي بيانَ المراد منه على خِلاف وضْع اللفظ في اللغة، وعلى هذا فالنِّسبة بينهما التباين.

انظر: السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ج4، ص 168.

وقيل التأويل: صرْف الآية إلى معنًى محتمل موافِق لِمَا قبلها وما بعدها، غير مخالف للكتاب والسُّنة من طريق الاستنباط، فقد رُخِّص فيه لأهل العلم.

والتفسير: هو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنِها وقصتها، فلا يجوز إلا بالسماع بعدَ ثبوته من طريق النقْل، وعليه فالنسبة بينهما التباين أيضًا.

انظر: البرهان في علوم القرآن- (2/150)، الإتقان (4/169).

وقيل: ما وقع مبيَّنًا في كتاب الله، ومعيَّنًا في صحيح السنة، سُمِّي تفسيرًا؛ لأنَّ معناه قد وضح وظهر، وليس لأحد أن يتعرَّض إليه باجتهاد ولا غيره؛ بل يحمله على المعنى* الذي ورَد لا يتعدَّاه،
والتأويل: ما استنبطه العلماءُ العاملون لمعانِي الخطاب، الماهرون في آلاتِ العلوم.
(الإتقان... م.س، ص 169.)

سأضيف هنا أن (التعليل) هو التفسير نفسه مبيَّنًا بعلّة ذلك- أي السبب الداعي لهذا الشرح، فالغيث مثلاً هو المطر، وسمي بذلك لأنه يُغيث الناس بعد انقطاع.

في هذا السياق لا بد من وقفة تعريفية موجزة على مفهوم (التأويلية) في النقد الأدبي:

"ظهر منهج النقد التأويلي كأثر من آثار شيوع منهج التفكيكية في النقد الأدبي، ويُقصد به المنهج الذي يقوم بدراسة النصوص الأدبية آخذًا بعين الاعتبار الطابع الجمالي لفرضية التفسير الحرفي من جهة، والتأويل في الإطار الذي يتقبله الفهم المعاصر للأدب من جهة أخرى، مع مراعاة أن لكل نص أدبي ثلاثة مقاصد:
مقصد المؤلف، ومقصد النص، ومقصد المؤوِّل- أي القارئ".

* لفظة (المعنى) تعني القصد، واشتقاق (المعنى) هو من الإظهار، يقال (عَنَت) القربة إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته، وعنوان الكتاب من هذا، ومنهم من يرى أن عنى تدل على أفاد، قال الفرّاء: لم تَعنُ بلادنا بشيء إذا لم تنبت، وحكى ابن السِّكّيت: لم تهنِ من عنت تعني، فالمراد بالمعنى الشيء الذي يفيده اللفظ. والمعنى مطلقًا هو ما يُقصد بالشيء، وهو المفهوم من ظاهر اللفظ، والذي تصل إليه مباشرة.

مراجع أخرى غير الواردة بعد كل نص:

أحمد بن فارس: الصاحبي، ص 192- 193.

أمين آل ناصر الدين: دقائق العربية، ص 54.

العسكري، أبو هلال: الفروق اللغوية، ص 70.

هنريكوس اليسوعي: فرائد اللغة في الفروق، ص 37.

موقع ألوكة: الفرق بين التفسير والتأويل، بقلم د. هاني البشبيشي.

تاريخ الإضافة للموقع- 4/4/2013.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى