جولة في المصادر
هل الحب للحبيب الأول؟
أم الأخير؟
أما قبلُ:
ثمة في البلاغة مصطلح "التذييل"، وهو الذي يعنى بشرح النص وإيضاحه، وذلك من خلال إعطاء مثل أو بيّنة لتوكيد المعنى، كقوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، إفإن مِتَّ هم الخالدون- الأنبياء، 34.
فنهاية الآية تأتي بمجرى الاستشهاد على بداية الآية، والحُجّة على صحة المعنى.
ومثاله من الشعر قول بشار:
فلا تجعلِ الشّورَى عليكَ غضاضةًفإن الخوافِي قوةٌ للقوادم
(الخوافي= الريش الصغير تحت جناح الطائر يكون قوة للقوادم أي للريش الكبير، فمن تستشيره قد يمدك بالقوة كما تمد الخوافي قوة للقوادم).
من هنا أصل إلى بيان الاستشهاد والحجة في موضوع الحب، وأي حبيب أجدر به؟
الأول أم الأخير؟
نحفظ قول أبي تمّام ونكرره كلما حننّا إلى القديم، سواءٌ في حب أم في غيره من مواضيع الحياة، فالحب الأول هو الأقوى والأبقى، والدليل عند أبي تمّام أننا مهما تنقلنا في هذا المسكن أو ذاك فإننا نظل نحِـنّ لأول منزل سكنّا فيه:
نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوىما الحبُّ إلا للحبيب الأوّلِكم منزلٍ في الأرض يألفُه الفتىوحنينُه أبداً لأوّلِ منزلِ
لكن هناك من له رأي آخر، فكل جديد له "رنة"، وهو كذلك يقدّم تذييله أو حجّته:
قال ابن حاتم:
أعلقْ بآخرِ منْ كلفتَ بحبهلا خير في حب الحبيب الأولِأتشكّ في أن النبيَّ محمدًاخيرُ البرية وهو آخرُ مرسلِ
يوافقه ديك الجن، وهو يرى أن الحب الجديد هو الأَولى:
اشربْ على وجه الحبيب المقبلِوعلى الفمِ المتبسِّم المتقبّلشربًا يذكّر كل حبّ آخرغضٍّ ويُنسي كل حبٍّ أولنقِل فؤادك حيث شئت فلن ترىكهوى جديدٍ أو كوصل مقبلما إن أحنّ إلى خرابٍ مقفرٍدرَستْ معالمُه كأنْ لم يُؤْهَلِمِقَتي لمنزليَ الذي استحدثتهأما الذي ولّى فليسَ بمنزلي
وقال ابن طَباطَبا العَلَوي في هذا المعنى:
دعْ حبّ أولِ مَن كلِفتَ بحبّهما الحبّ إلا للحبيبِ الآخرِما قدْ تولى لا ارتجاعَ لطيبههل غائب اللذات مثل الحاضرِإنَّ المشيبَ وقدْ وفَى بمقامهأوفَى لديّ من الشَّباب الغادرِ
دنياك يومُك دون أمسِك فاعتبر ... ما السالفُ المفقودُ مثل الغابر
يرد أبو تمام على ديك الجن:
كذب الذين تخرّصوا في قولهمما الحب إلا للحبيب المقبلِأفطيّبٌ في الطعم ما قد ذقتَهمن مأكل؟ أو طعم ما لم يُؤكلِ
من خلال الموقفين المتناقضين نجد هناك من يجمع بينهما:
قلبي رهينٌ بالهوى المقتبِلِفالويلُ لي في الحبِّ إن لم أعدِلأنا مبتلى ببليَّتين من الهوىشوقٌ إلى الثاني وذكرُ الأولفهما حياتي كالطّعام المشتهىلا بدَّ منه وكالشّراب السلسلِقسم الفؤاد لحرمةٍ وللذَّةٍفي الحبِّ من ماض ومن مستقبلِإني لأحفظُ عهد أول منزلأبداً وآلفُ طيبَ آخر منزل
وقال أبو البرق في خلاف الجميع:
الحبّ للمحبوب ساعة حبِّهما الحبُّ فيه لآخر ولأوّلِ
لاحظنا في شعر كل منهم تسويغًا أو حجة أو بيانًا لما يذهب إليه.
وسؤالي لكم:
مع أي رأي أنتم؟