الأربعاء ١١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
بقلم عبد الجبار الحمدي

اكواخ دفئها الحب

هناك يقضي كل لياليه وأيامه في كوخه المحتقن ضيقا على ضفة النهر وباقي الاكواخ الآيلة للسقوط كهولة ومللا من ضجر، فكثيرا ما اوحت لنفسها بأنها تريد الانتحار بتساقطها واحدا تلو الآخر في باطن نهر مل هو ايضا من كثرة انعكاس صورهم وقانطيها دون تغيير يذكر.. مرة هاج في انحسار ومرة بفيضان، لكنهم تمسكوا باوتاد نخرتها العثة التي لم تسطيع ان تنخر اجساد قرفت من تذوقها..

تراش هو احد عمال منجم الفحم والأصغر سنا الذي يعمل فيه أغلب اصحاب هذه الأكواخ، حتى ابنائهم لم ينالوا من التعليم شيئا بسبب ضيق العيش وقلة المدخول، فالواحد منهم عنده من الأولاد الثلاث والاربع وحتى العشر.. ربما هذا ما جعل تراش الذي يعيش وحيدا بملل أن يتسائل كيف يتسنى لهؤلاء الانجاب بكثرة وهم في ضيق سكن ودخل، من عمل لا يعطيهم فرصة للركود إلا قليلا.. حَيَرَهُ هذا السؤال الذي تردد في طرحه على السيد هانك جاره الحائز على اللقب الاول بكثرة الإنجاب.. وأثناء جلسة استراحة الغداء بينما اخذوا بالتجمع، اخرج كل منهم من علبته التي جلب فيها طعامه، يكاد يكون متشابها لديهم جميعا سوى من كثرة او شحة، هذا يعتمد على عدد افراد العائلة، دفع تراش بقطعة من خبز محشاة بسمك التونة مستميلا هانك لسؤاله الذي يحز في نفسه.. تطلع البقية الى تراش لكنه لم يقدم على مثل فعلته لهم كما هانك، اكتفى ينظر إليهم بأن ليس لديه اكثر مما قدمه، انشغلوا رغم وجوههم السوداء التي هي الاخرى مضغت بشرتهم بمرارة، خاصة أنها اعتادت على طعمها السمج، فالمنجم لا يلد سوى سموم قاتلة، قتلت البعض ممن لم يستطيعوا ان يعتادوا رفقتها، غير أن هذا الجمع قيدوا الموت وجعلوه يفترش أنفاق المنجم قبرا أزاليا، سأل تراش هانك

تراش: عذرا سيد هانك.. يبدو انك جائع جدا؟ ها انت قد التهمت ما اعطيتك في لقمة واحدة، على مهلك يا سيدي قد تموت غاصا؟

هانك: ضاحكا .. لا عليك يا جاري العزيز، لقد خفت ان يطلبها احد ابنائي مني واخجل فاعطيه إياه، او خفت أن افكر في احدهما فأقتصدها له كونه المفضل عندي عن بقية اخوته هههههههه، يبدو أن النفس امارة بالسوء فالتهمتها بسرعة دون اتاحة الفرصة لقلبي ان يؤثر علي
تراش: يا إلهي!! الهذا الحد تخاف ان تفقدها، ألا يكفيكم الأكل الذي تطبخون، فالمدخنة لا تتوقف عن تف ما تبتلعه من وقود يحرق جدران بلعومها المسود لاشك بتخمته...

هانك: مستغربا ما هذا يا تراش!!؟ أتراك تلاحقنا بنظراتك حتى على مدخنة كوخنا يا لك من متلصص احمق

تراش: لا يا سيد هانك ما كنت فاعلا، لكني استغربت طريقة التهامك ليس إلا، والواقع كان لي فضول كبير لأن اعلم منك بعض ميزات وطعم الإرتباط بشريكة حياة، كونك الأكثر إنغماسا في هذه التجربة من الإرتباط غير ويب بالطبع لكنه يعيش وحيدا وإمرأته، وهذا نصف السؤال لكن السؤال الأهم والذي يشغل بالي كثيرا.. وأرجو ان لا يزعجك ويثير حفيظتك علي هو كلنا نعمل منذ زمن طويل وفي نفس ساعات العمل منذ الصباح الباكر حتى على ابواب مشارف الغروب، نخرج منهكين يمسك واحدنا بالكاد بقطع جسده حتى لا تتساقط .. وسؤالي هو كيف ومتى يتسنى لك الوقت لممارسة الجنس مع زوجتك حتى تنجب هذا الكم من الاولاد؟

هانك: مصعوقا بسؤاله!!! فرد حانقا.. يالك من قذر حقير حقا، كيف سمحت لنفسك ان تتدخل في خصوصياتي وحياتي؟ عليك اللعنة ..

شد الصراخ انتباه البقية فانصتوا الى نعت بالصفات البذيئة التي رمى بها هانك تراش وهو صامت لا ينبس بكلمة.. حتى تدخل ويب ضاحكا..

ويب: هون عليك يا هانك، في الواقع سؤال تراش كان في نفسي منذ زمن بعيد، عدة مرات و ددت ان أسألك لكني خفت ان تصفعني او تلكمني فأكون معاقا بقية حياتي خاصة انك سريع الانفعال ضخم الجثة كالثور ههههههههه

شارك الجميع ويب الضحك وشجعهم على الحديث معا نعم .. صدقنا هانك نحن ايضا نحب ان نعرف، فعلق سميث.. فأنا مثلا لا اخفيك اكون مهدودا لا يسعني من كثرة التعب ان الزم نفسي بشيء مع زوجتي، بالكاد اطارحها الغرام ربما مرة بعد مرور اشهر في مناسبة لا يكون قبلها عمل او بعدها، فلنا ظرفنا كبقية الاصدقاء، لكنك فحل قوي، والدليل لك من الابناء الكثير، هذا ليس حسدا بل حيرة تحز في نفسي مع سؤال من اين لك الوقت؟ وكيف تفعلها والكوخ مليء بكم وبالكاد يسعكم؟؟

تشجع البقية فكان فضولهم الذي اثاره تراش قد كشف عن وجهه فسالوا نفس السؤال
جن هانك حين سمعهم يتناوبون بطرح السؤال نفسه عليه بعد ان حفزهم تراش عليه.. امسك بتراش فجأة فلطمة لطمة رمى به بعيدا وهو يتأوه صارخا ... إني اعتذر سيد هانك لم اقصد إغضابك ..

تراجع الجميع الى الوراء خوفا من هانك، غير ان ويب الأكبر سنا عالج هيجانه بصورة رائعة حين قال له:

ويب: ها انت بفعلتك مع تراش اوضحت لنا كيف يمكنك ممارسة الجنس مع إمرأتك، فقوة الثور التي بداخلك هي من اعطتك الفرصة لذلك غير عابيء بزحام او ضيق مكان كما اطرت تراش، لاشك ان لك نظام صارم يخافه ابناؤك يبدو من خبرتي وعمري انك حين ترغب بذلك تطلق لأرجلهم الريح بعيدا عن الكوخ ليلا، لا اخفيك إن ابناؤك غالبا ما كانوا ينضون عندي في كوخي او مع تراش .. أليس كذلك تراش؟

تراش: حقا ما تقول! كيف لم يخطر ببالي بأن يكون هو الجواب؟ نعم فأبناؤك اكثرهم كانوا يقضون معي بعضا من الوقت أثناء الليل .. ما عدا كيسي ابنتك العزيزة تتموضع خارج الكوخ رغم برودة الجو مسكينة هي، وفي مرة سألت بروان اكبرهم فقال لي: انك تعمل على إصلاح المدخنة المليئة بالركام ولا تريد لهم ان يتأثروا بها رغم انهم معتادين على دخان المنجم، قالها وهو يتغامز مع بقية اخوته، لم اعي ابتسامته بعد قوله... يا لي من غبي، اعذرني عزيزي سيد هانك لم اقصد الإساءة إليك او لعائلتك ابدا.. إن لطمتك لي كانت الإجابة عن الشق الثاني من سؤالي، أما الأول فأنك لم تجبني عليه واعيده عليك ما هي ميزات وطعم الإرتباط، لأن لي هدفا بذلك..

هانك: يبدو ان يومك هذا لا تريده ان يمر على خير، فها أنت تشتري ضربك ضربا مبرحا وعلى يدي انا، ترى من الذي دفعك او حرضك على ذلك؟ اتريد اغضابي وضربك حتى أطرد من العمل واخسر وظيفتي!هيا قل لي من الذي دفعك؟؟

التفت الى جونز .. اهو أنت يا جونز

جونز: ادفع بعيدا بشرك عني هانك فأنا لا دخل لي... سأترك لكم المكان لتنالوا من بعضكم، اما انت يا تراش حسبتك حصيفا عاقلا، لكن يبدو انك مجنون لتسأل هذا الثور الذي يعرف الجميع انه بلا عقل.. ثم جرى هاربا بعيدا قائلا: رغم شغفي بمعرفة الجواب إلا اني لا اود مشاهدة غضب هذا الثور هانك..

هانك: صارخا سأنال منك جونز .. سأنال منك فقط دعني انتهي من تراش هذا الصفيق..
ويب : على مهلك يا هانك، إن لتراش مغزى في معرفة سؤاله لربما يريحك ويريحه لو قلت له ما يريد وينتهي النزاع على خير.. ثم التفت الى تراش اسمع مني يا تراش.. إن الارتباط ما لم يكن عن تفاهم وحب لا يدوم ابدا، فالحياة قصيرة والعشرة هي التي تعمل على موائمة النفس بالنفس والمشاعر بالمشاعر، فالارتباط شيء مقدس إذا ما قمت بمراعاته بتصرفاتك وزرع نبتة الثقة بينك وبين من ترتبط بها.. إنها سنة الحياة، أما منغصاتها فكثيرة لكن حلواتها تكون اكثر، حتى بالخلافات الصغيرة، المهم هو ان تعرف كيف ترخي وتشد الحبل في حال اشتداد صعوبة الامر مع شريكة حياتك، اما طعمها فذلك مرهون بالطرفين، فمرارتها و شهدها يقطن بكلمة واحدة.. الألفة، فمتى ما الفت كل محاسن وعيوب من ارتبطت بها بحب ستذوب كما الشمع مع الوقت ولا يبقى سوى رائحة الدخان الذي يمكنك ازالته بلمسة حنان وحب.. إن جميع هذه الاكواخ مليئة بالحب الذي يدفئها..

واظنك يا تراش ما سألت هذا السؤال إلا لغرض التقرب من هانك وطلب يد ابنته كيسي اليس كذلك؟؟؟

صاح هانك ما الذي تقوله ياويب!؟؟ تراش يريد الإرتباط بكيسي ابنتي الوحيدة هههههههههه يا لها من طريقة حمقاء قفز الى تراش وأمسك به وهو يقول: اصحيح ما قاله ويب الآن ؟ هل فعلا تريد ابنتي كيسي زوجة لك

تراش: مذهولا وهو يرى انقلاب سيد هانك من الغضب الى الضحك بسرعة.. بلع ريقه وهو مخنوق بين يدي هانك كفرخة صغيرة، اجل يا سيدي هي رغبتي حقا، لكني اخاف الإقدام عليها بسببك أنت، وحالنا الذي لا يتغير كاكواخنا الآيلة الى السقوط

هانك : لا عليك سيتغير الحال بعد ان نجبر السيد ترومان على الموافقة في نقل مساكننا بعيدا عن هذا المكان المقرف وإلا سنضرب عن العمل جميعا... أظنه سيوافق مجبرا خاصة ان النقابة معنا في هذا الجانب..

سعيد بك يا تراش بأن تكون فردا من العائلة.. اشكرك كما ارحب بك فبإرتباطك بابنتي سيكون هناك متسع ربما لوافد جديد كوني اجيد العمل على مدخنتي الحبيبة دون كلل بل برغبة جامحة يملؤها الحب...ههههههههههه

شارك الجميع هانك على ضحكته، وهنئوا تراش وهانك وتمنوا له السعادة في حياته القادمة.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى