الثلاثاء ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

تعليقات على المعَلَّـقات

هي القصائد الجاهلية الطويلة المشهورة اختارها الرواة القدماء لإعجابهم بها، حيث سميت (المعلقات)، وذلك لأحد الأسباب التالية:

 أنها عُـلَِقت على ستائر الكعبة، ذلك لأن العرب في مختلف أماكنهم كانوا غالبًا يجهلون أشعار الشعراء في شتى مواطنهم، حتى إذا ما جاءوا مكة في موسم الحج، عرضوا قصائدهم على أندية قريش، فإن استحسنوا علقوا القصيدة على ركن من أركان الكعبة حتى يُنظر إليها.
لقد كتبوها على القُباطِيّ بماء الذهب (قماش أبيض رقيق من كَتّان، جمع قُبطية- سمي بذلك نسبة لأقباط مصر الذين كانوا يتعاطَون نسجه).
ذكر أمر التعليق ابن عبد ربه في (العقد الفريد، ج5، ص 269- الزمردة الثانية)، وابن رشيق في (العمدة، ج1، ص 78) وابن خَلدون في مقدمته (ص 509- 511)، وغيرهم.

أنكر أبو جعفر النحّاس الذي كان معاصرًا لابن عبد ربه قصة التعليق على الكعبة، وذهب إلى أن حمّادًا الراوية هو الذي جمع السبع الطوال، وقال للناس: هذه هي المشهورات.

قيل سميت المعلقات، لأنها عُلّقت في خزائن النعمان، فقد كان إذا استحسن قصيدة قال: علقوها في خزانتي!

ومن يدري فربما كانت التسمية من قولهم- علِقت في الأذهان.

سميت كذلك: السبع الطوال، المطوَّلات، المُذهّبات (لأنها كتبت بماء الذهب، فكانوا يقولون: مذهبَّـة فلان)، والسُّموط (بمعنى العقود).

سمّاها الباقلاني (ت. 402 هـ) في (إعجاز القرآن، ص 169)- السَّبْعِـيّات.

ثمة تفسيرات أخرى للتسميات وردت في كتاب يحيى وهيب الجبّوري: الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه، بغداد- 1972، ص 57 وما بعدها، وللجبوري كتاب مميز آخر هو: الشعر الجاهلي والاستشراق- دار الغرب- 1997.

عددهم، ومن هم؟

جعلهم الزوزني (ت. 486 هـ) في (شرح المعلقات السبع) كما حدد في العنوان سبعة:
امرؤ القيس، طرَفة بن العبد، زهير بن أبي سُلمى، لَبيد بن ربيعة، عنترة بن شدّاد، عمرو بن كُلثوم، والحارث بن حِلِّزة. وغالبًا ما تُعتمد هذه الأسماء في مراجع أدبية كثيرة.
أما ابن الأنباري (ت. 328 هـ) فسمى شرحه (شرح القصائد الطوال الجاهليات).

قال أبو زيد القُرشي (ت. 170 هـ) في كتابه (جمهرة أشعار العرب) إن أبا عبيدة قال:
أصحاب السبع التي تسمى السُّموط: امرؤ القيس، النابغة الذبياني، زهير، الأعشى، لبيد، عمرو بن كلثوم وطرَفة.

فالقرشي في كتابه يستشهد غالبًا بالمفضَّل الضَّبّي (ت. 171 هـ).

يقول المفضَّل:

"من زعم أن السبع التي تُسمّى السموط لغير هؤلاء فقد أبطل". (بمعنى آخر لم يُذكر عنترة والحارث بن حلّزة، وورد بدلاً منهما النابغة والأعشى).

انظر ابن رشيق- العمدة، ج1، ص 78.

لكن أبا زيد القرشي ورغم استشهاده بأبي عبيدة فقد أضيفت في مختاراته معلقة عنترة، فكانت ثماني.

أما التِّبْريزي (ت. 502 هـ) فجعلهم عشرة مضيفًا إلى كل من ذكرنا عَبيد بن الأبرص.

على الجملة فهذه القصائد هي من أجود الشعر العربي في الجاهلية، وأدلها على لغتهم وبلاغتهم ووصف مناحي حياتهم الاجتماعية، وقد تناولها الدارسون كثيرًا، فمنهم من تشكك في وجودها كلها أو بعضها، ومنهم من توسع في شرحها، وقد ترجمها المستشرقون ترجمات كثيرة، واهتموا بها اهتمامًا بالغًا.

نعود إلى مسألة تعليق القصائد على الكعبة، ويبدو أنها ظلت معلقة حتى فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة- كما يتبين لنا من رأي الزيات، وقد ذكر احتمالاً آخر أنها ربما حرقت في حريق للكعبة.

يقول أحمد حسن الزيات في كتابه [الذي ثقفته شخصيًا منذ يفاعتي]-

(تاريخ الأدب العربي، ص 42) :

"ومن الناس من ينكر تعليقها على الكعبة بغير دليل قائم ولا حُجّة مقنعة، فمن المتقدمين أبو جعفر النحاس المتوفَّى سنة 338 هـ، ومن المتأخرين المستشرق الألماني نولدكه (ت. 1930)م.
على أن تعليق الصحائف الخطيرة كان سُنّة في الجاهلية بقي أثرها في الإسلام، فمن ذلك تعليق قريش الصحيفة التي وكدّوا فيها على أنفسهم مقاطعة بني هاشم والمطّلب لحمايتهم رسول الله حين أجمع على الدعوة؛ وتعليق الرشيد عهدَه بالخلافة من بعده لولديه الأمين فالمأمون، فلم لا يكون الأمر كذلك في هذه القصائد مع تأثير الشعر ومكانة الشعراء فيهم؟
على أن لهذا نظائر في أدب الإغريق، فإن القصيدة التي قالها بندار زعيم الشعر الغنائي يمدح بها دياجوراس قد كتبوها بالذهب على جدران معبد أثينا في لمنوس"- (انظر: دائرة معارف لاروس- مادة بندار).

في الحاشية يكتب الزيات:

أما أبو جعفر النحاس فيقول:
"واختلفوا في جمع هذه القصائد السبع، فقيل إن العرب كان أكثرهم يجتمعون في عكاظ، ويتناشدون الأشعار، فإذا استحسن الملك قصيدة قال: علقوها وأثبتوها في خزائني، وأما قول من قال إنها عُلِّقت في الكعبة فلا يعرفه أحد من الرواة".

وأما نولدكه "فقد رجّح أن المعلقات معناها المنتخبات، وإنما سماها حماد الراوية بهذا الاسم تشبيهًا لها بالقلائد التي تعلَّق في النحور، واستدلّ على ذلك بأن من أسمائها السموط، ومن معاني السموط- القلائد. وشايعه في هذا الرأي المستشرق الفرنسي كليمان هيار- مؤلف كتاب (الأدب العربي) بالفرنسية".

عَود على بَدء:

يقول ابن خَلدون:

كانوا يعلقون أشعارهم بأركان البيت كما فعل أصحاب المعلقات السبع، وإنما كان يتوصل إلى تعليق الشعر بها من له قدرة على ذلك بقومه وعصبيته ومكانه في مضر(المقدمة، 509- 511. وروي عن "معاوية" قوله: "قصيدة عمرو بن كلثوم، وقصيدة الحارث بن حلزة من مفاخر العرب كانتا معلقتين بالكعبة دهرًا" (البغدادي- خزانة الأدب، ج3،ص 181).

من جهة أخرى،

يرى نولدكه أن اختلاف رواة الشعر في ضبط أبيات تلك المعلقات، دليل في حد ذاته على عدم صحة التعليق، إذ لو كانت تلك القصائد معلقة ومشهورة وكانت مكتوبة لما وقع علماء الشعر في هذا الاختلاف. ثم يرى سببًا آخر يحمله على الشك في صحة ما يقال عن المعلقات- هو أن كل الذين كتبوا عن فتح مكة مثل الأزرقي وابن هشام والسهيلي وغيرهم، أشاروا إلى أن الرسول أمر بطمس الصور وكسر الأوثان والأصنام، ولم يشيروا أبدا إلى المعلقات، ولو كانت المعلقات موجودة كلا أو بعضًا لما غض أهل الأخبار أنظارهم عنها، ولما سكتوا عن ذكرها، لأهميتها عند العرب.
ثم يرى "نولدكه" أن هذه القصائد لو كانت معلقة حقًا، وكانت على الشهرة التي يذكرها أهل الأخبار لما أغفل أمرها في القرآن الكريم وفي كتب الحديث وفي كتب الأدب مثل كتاب الأغاني وأمثاله، ولأشير إليها، ولهذا يرى أن ما يروى عن المعلقات هو من القصص الذي نشأ عن التسمية وعن اختيارات حماد لها، فلما أشاعها بين الناس، أوجد الرواة لها قصة التعليق.
من كتاب جواد علي (المفصل في تاريخ الإسلام، ج9، ص 505- 519)
من شاء أن يتوسع فعليه بالدراسة المستفيضة للعلامة جواد علي، في المصدر الذي أثبتّه، ففيه شِفاء الغليل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى