موسى حوامدة شاعر عربي يكتب من أجل الخلود
استضافت مؤسسة أروقة للنشر والتوزيع والدراسات في القاهرة التي يديرها الشاعر اليمني هاني الصلوي يوم الأربعاء الماضي الشاعر موسى حوامدة في أمسية شعرية وحوار مفتوح حول تجربته الشعرية، حضرها عدد من الأدباء المصريين واليمنيين والعرب، قدمه وأدار الحوار الناقد والشاعر المصري ابراهيم موسى النحاس والذي تحدث في بداية اللقاء قائلاً: نحن في مصر لا نعتبر موسى حوامدة الشاعر الفلسطني المنشأ والذي يعيش في الأردن منذ أربعين عاماً، (وكما ذكر على قناة النيل الثقافية فهو مواطن أردني لكن فلسطين في دمه)، غريباً علينا فهو حاضر بيننا، يشارك في الحياة الثقافية في مصر، وسبق أن طبعت له هيئة قصور الثقافة مختارات من شعره تحت عنوان سلالتي الريح عام 2010، كما طبعت الهيئة المصرية العامة للكتاب مجموعته (موتى يجرون السماء) عام 2012م، والتي كتبت عنها دراسة نقدية.
وقال النحاس: أعجبتني جداً رؤية موسى حوامدة ونظرته الإنسانية للأشياء بالمفهوم الأعم والأوسع لكلمة إنسانية، فقد رفض المتاجرة بالقضية الفلسطينية مثل غيره من الشعراء، وأعلن أنه مع التطور الطبيعي للقصيدة العربية، ورفض الانغلاق والتعصب لشكل ما سواء للقصيدة العامودية أو التفعيلة، وهو يرى أن قصيدة النثر منتج طبيعي للحراك الشعري ولتطور القصيدة العربية، ومثل هذه الرؤية الانفتاحية ترتبط بأفقه الواسع أولاً وبالموروث الثقافي الكبير ثانياً، وبسبب تحركه بين البلدان العربية المختلفة والعالم واحتكاكه المباشر بحركة الإبداع، وهذا جعلنا أمام شاعر يرفض الانغلاق الفكري والفني أيضاً، ويتوجه في انفتاح نابع من تلك البنية الثقافية والمعرفية والخبرة الحياتية.
وقرأ موسى حوامدةعدداً من قصائده، من بينها؛ لست حزيناً، كسيرة النائم في السكون، وقصيدة مآرب، وحين يأتي الموت، وأنا ميت، سأكتب وأرمي في البحر، لم أعد أحبك، قاطع طريق، ذاهل عني، عدم يملأ اليقين، سامضي إلى العدم وغيرها.
وخلال الحوار تحدث عدد من النقاد من بينهم زين العابدين مروان، قال كنت معجباً بما قرأت عن الموت، وكنت أظن ان ما قرأت هو اجمل ما قيل عن الموت، ولكن بعد أن سمعت قصائد موسى حوامدة عن الموت أظن أن ما قرأته لم يكن شيئاً مهماً.
الدكتور محمود بطوش الروائي والناقد وأستاذ التراث قال: موسى حوامدة شاعر من شعراء العالم، لا يمكن أن تحيطه الأوصاف التقليدية العادية، فهو شاعر كبير جداً، فهو من طراز الشعراء الذين اعتبرهم قلة قليلة جداً، قلما نجد شاعراً بهذا الحجم.
وقال طبوش: أستغرب وجود شاعر من هذا الطراز بيننا وليس عندنا مشروع حضاري، شاعر يحيا ويكتب ويقرأ بيننا، إذن هناك مشكلة عربية كيف يتسق السؤال، هناك خطأ ولا بد أن نعرف تفاصيل هذه الأخطاء وكيف يتم تهديد الوجود العربي، الشاعر الجيد نصف نبي أو ثلاثة أرباع نبي، وأزعم أننا نحتاج إلى دراسات معمقة حول تجربته الشعرية.
الكاتب اليمني أحمد النعمان أشار إلى مراحل تطور الشاعر وكيفية ولادة القصيدة لديه.
الناقد صالح السيد قال إن الشاعر موسى حوامدة لايكتب القصيدة بل هي التي تكتبه.
الشاعرة هدى أبو العلا قالت لدي فوبيا من قلة الشعر لكن ما سمعته عن الموت جعلني أبحر في تلقي القصائد، التي تدل على فلسفة عميقة لدى الشاعر تحتاج إلى فهم وتأمل.
القاص المصري محمد رفيع الفائز بجائزة المتلقى للقصة العربية القصيرة في الكويت قال: لن يغيب عن ذهني اخيلوس الذي رفض الدخول إلى كل الحروب إلا من أجل أن يذكر اسمه، ويكتب في لوح الخلود، وأظنه فعل ذلك، وما أريد قوله أن موسى الحوامدة وهذا رأيي يكتب من أجل الخلود، الشعر يهزم الموت، الموت يعني الفناء، لكن من يكتب شعراً بهذا القدر، يكتب اسمه في لوح الخلود، نحن لدينا سلاح واحد ضد الموت، وهو أن نتناسل، كل الناس تمتلك هذا السلاح، ولكن الفنانين والأدباء لديهم سلاح آخر، ضد الموت وعندما أسمع أن شاعراً كبيراً مات بعد صراع طويل مع المرض، أقول أنه انتصر، وأنا أقول الآن موسى حوامدة انتصر على الموت.
وأضاف رفيع: وعن المقاومة أرى أن موسى حوامدة طور شكل وفكرة شعر المقاومة الى شكل آخر وهو اصطياد الجمال، لأن الأعداء يريدون لنا الموت، وهذه صيغة أخرى متطورة من المقاومة.
محمد نبيل القاص والكاتب الشاب قال: تتطور تجربة موسى حوامدة تطوراً طبيعياً من الغنائية إلى الحالة التي تبتعد فيها القصيدة عن الحالة الغنائية، فهو لديه حس مسرحي واضح، ويبدو أن المسرح يشكل جزءاً من تفكيره، وأنا أحب قصائده وتجربته العشرية ويلفت نظري أن اللغة لديه ليست متجانسية ولا واحدة فهي تطلع حسب الحالة التي يكنب فيها ويتغير شكل اللغة معه، من قصيدة إلى اخرى وهذه صفة نادرة.
ومن بين القصائد التي قرأها موسى حوامدة:
مآرب أخرى
أعطاني سحرَ الكلماتوكَلَّمَني تكليمايا أللههَلْ يلقي عبدك موسىفي الناس نبَّوته وعصاهبيضاءُ يديوالطورُ طيورْسأشق البحرَوأرفعُ عن أرض الكنعانيين الجورْهارون أخيوالشعر شقيقي الأوفىولساني لا بد يدورْإني للرب الأقرب...منذورمذ ألقتني أمي في اليمَّومذ منحتني زوجة فرعون النورْنور... نورنور ... ماوسماهي ذي نورما ؛ماء رقراقٌ ،شفافٌ ،ما أصفاهوما أحلاهْهي ذي نورمالم تترك للربَّ دفاتر أو فرشاهْكسر اللوح المأثور رماهلما طلعتْ من بين أصابعهمن تشبهه في علياهوبدت إنجيلا معجزةً توراهْقراّنا لا بل نور حياةلا تشبهها الملكاتُولم تصنعها كل وصاياهضاع الدين وعبدك يا اللهفي سيناءِ مفاتنها تاههي ذي نورماامرأة ... من عين اللهحلم...من حلم اللهسر من كُنه الأسرارْنور من قبس الانواروحي….إلهامْ.. من لدن اللهوكما...حول القبة أسواروكما...فوق الهيكلتحت الهيكل أشرارْحولَك يا ربي أشباهلكني لا ألقي بالاً لبناتِ شعيبَولا للقبطياتإني عبد اللهْ...ونبي الكلمات...فأعد لي أرضَ الميعادْلأعود اليكوأقيم لك الصلواتْ.
تشرين ثاني 1991
حينَ يأتي الموتحينَ يأتي الموتُسأبصقُ في وجهِ الحياةِ؛أقنعُ نفسي أنَّ الدُنيا بائسةٌ،والناسَ، كلَّ الناسِ، ديدانٌ صفراء.حين يأتي الموتسأزرع الغروب في حديقة الوداع؛أعلنُ هزيمةَ الإنسانوألقي فلسطين،َفي دفتر الغياب.حين يأتي الموتسأرمي زهرةَ الخلودفي وجه جلجامشوأهزأُمن نصائح الطبيب.حين يأتي الموتلن أساومَهلِيُحرِّضَ المُقرَّبينعلى حفلات النواح؛كُلَّما كان عددُ المشيعين أقلّكان ضميري أكثرَ بياضاً،وكلَّما كانت الدموع أقلّكانت أخطائي أجمل.لينصرفِ المُعَزّونقبل تدشين البياض..لينصرفوا؛ليست لي حاجةٌ إلى مديح ناقص،ليستْ حسناتي مشجباً للنفاق،لينصرفِ الأوغادُ؛ما نفعُ الزَفَرات لأطباق السماء؟لينصرفِ المحسنونَطيبو القلب،مخلصو النوايا.ماضيَّحاضريوغدي ماتولستُ حريصاً على فرصةٍ للنجاة.حين يأتي الموتلن أعتذر للريح التي تَنفستُهاولا للخيطان التي لامَسَتْ جسدي،لن أعتذر للماء الذي شَربتُولا للوهم الذي تلبسنيأو توهمت،ولا للبلاد التي ظلت عالقةً في حلقي كالسلحفاة..لن أعتذر لأحدٍأو بلد.ربما أُحرِّرُ روحي من فساد الكون،أسرد لِذاتي طِيبَتي الكاملةَوأناقةَ الربيع في كتاب الصيف؛ربما ألمسُ وجهَ أمي بيدين نظيفتين،أسمع سعالَ أبيأشمُّ رائحةَ صدره بلا معجزات.حين يأتي الموتسأقطعُ المسافةَ بين الحياة والموتِبرجفةٍ شبقيةٍ عابرةْ،تماماً، كما حدثت تلك الشهقةُ المدوية،في المرة الأولى،على رَِدْفَيِ الأرضِ العذراءْ.جبالٌ لا تلهيها صلاةٌولا أدعيةٌ عن مُناداتيتموتُ معي؛تمشي في جنازتي،بكامل العنفوان تُحيي حفلَ الختام.حين يأتي الموتسأهربُ إلى حضن أميووجهها الناعم؛إلى يديها الرقيقتينونظرتها الغريبة،سأحملُ لها سريرَتي الكاملةَ،أعترفُ لها بهفواتي العديدة؛بعجزي عن تحرير رقبتي من دنسِ الشهوات؛بغفلتي السابقة عن مصادفةِ الحكمة؛بطيبة التين والزيتون؛باضطراب الذاكرة؛بموت الناس، جميعاً،عند انحسار النعمة.لن أصرخَ نادماًعلى مسقط رأسي،لن أموتَ حزيناًلأني لن أدفن في طين بلادي،لديّ من الخيالما يجعلني أضمُّ ترابَ العالم بين يديّ.في كلِّ ذرة من الكونجسدي هناك،لن أموتَ غريباً في أي مكان،لدي في كلِّ مربعٍ جثةٌ كاملة.أسمعُ دبيبَ الخوفيسري في أوصال الكائنات،لن أصرخَ مرتعداً،لستُ شجاعاً أكثرَ منيولستُ جباناً لأهرول خلف قطار الفرصة الضائعة،لا أملكُ طاقةً على الهروب من اللُعبة.أضحكُ بملء شدقيَّ،أضحك -إن أسعفني فكّايَ-على الذين يبكون من الموتيحسبونه عدوهم الوحيدَ،بينما تناسَوا أنَّ الزواللغةٌ فيزيائية قديمة؛تناسَوا أنَّ الموت لم يأتهم من الغيبولا من ربَّات الجحيم،بل من تعلقهم بالحياة،ومن أجسادهم المعطوبة.اكتملتْ رحلة الأسى،انكسرتُ بكلِّ بطولتي،بكاملِ شجاعتي،بملءِ إرادتي،وفي كل معاركي الوجودية والحياتية انهزمتُ،وتلكَ كانت فضيلتي.كلَّما كان عدد المشيعين أقلَّكانت حريتي كاملة.إيماني بالله حَمَلني بخفةِ الملائكة،لست في حاجة إلى الملقن والمقرئ؛لست في حاجة إلى المراثي والنواح،فلستُ ذاهباً إلى حفلة خداع هناك؛إننيعائدٌمنيللأزل.
وأنا مَيْتٌوأنا مَيْتٌ؛أرى ما لا يُرىكنتُ استعرتُ عينيّ هُدهدٍوحساسيةَ خفاشونسيتُ أنْ أدفنهما معي.وأنا مَيْتٌ؛تحت ترابٍ بارد ورطبأُدوِّرً على ملاكَيَّ فلا أجدُ تفاحةً أو سوطاًتناسيت موتيتناسيت حقي في قبر فرعونيونسيت أن آخذ صورتي معيلأضيفها على بطاقة التعذيب.لم يأتني أحدٌ من الموتىبقيت وحدي أفكر فيما مضى من لعنات!وأنا مَيْتٌ؛وحشرجةُ الروح فارقتنيلم تناد باسمي امرأةٌ ولا حوريةلم يسألني أحدٌ عن اسميومهنتي أو اسم بلاديلم تعرفني العفاريتولم يروا وجهي في بيانات المَدْفنفأجَّلوا عقابي ليوم بعيد..رفعتُ كفنيعالياًصرختُ طالباًحقي في الموتأَرْجَعونيللعناية الحثيثةأفقتُ من غيبوبتيخشيتُ أن أروي للممرضة البدينةبعضَ ما مرَّ معي في غرفة الموتى.
لم يصدق غَسَّال المشفى أني عدتًلم يصدق حفارُ القبورلا وقتَ لحدوثِ المعجزات،لا أحدَ يصدق السماءاخفضْ صوتَك الرعويوعدْ لقبرك الأثيرهنا تُمضغ الشهواتهنا لا فرقَ بين الماضي والحاضرلا فرقَ بين الموت والزهورشفاهُ الترابِ تأكل من بين يديكَ طحالبَ الندمسترتاحُ من عناء الحكمةتنام في سريرك الشعري،تقبلْ دعاء الطيورواخلد لنومك الأبديلا شيءَ يستحق الحياةلا شيء يستحق الحياة.لستُ نبياً لأثق بالوعودلا وعدَ يجعلني مطمئناً في ظلام القبر.وأنا ميْتٌ....أفتشُ بعينيَّ عن الدودعن حقي في تكذيب المواعيدعن طَرف شالِ أميوعن رائحتهاما فائدة الموتِيا موتُإنْ لم أجدْ أمي في انتظاري؟لا شيءَ هنا في القبرلا شيء مما توقعتكلُّ شيء مظلم وباردعظامُ موتى قريبةٌ من مخدتيوجماجمُ تذكرني بأصدقائيعيونٌ غائرةٌ في الزمانتبكي من الخديعةومن كذب الأحياء.تراخ قليلاً أيها القدرأما كان يمكن تأجيل السفر إلى نهر الأموات؟أما كان يمكن حلّ تلك المعضلة العالقةفي كومة الأسئلة؟هل صدقوا الأحلام والأوهامحتى جاؤوا باسِمينوجئتنا بلا صورةٍ أو هُويّةعدْ إلى أعلاكحتى يقترب تدوير وجهك من وجه أنكيدو.صعدتُ مجرى النهرتحت الطين عالياً وعارياًكيف صدقتَ الشعرَ وكذَّبت الموتىصدقتَ السماء وتناسيتَ سر الطينيا موتُ رويدَك هنا لأصلحَ رأسي قليلاًوأشربَ كثيراً من الخموروأقتلَ الدودَ في جثة صديقي.آه يا أنكيدويا عدوي السابقوصديقي الخالدأما كان يمكن أن تهرب مني ومعي؟
قاطع طريق..كمنْ يقصُّ أَثَرَ غيمةٍ في السماءِكان يحرثُ الريحَ،بمحراثٍ من يأس.الطريقُ استمدتْ عزمَها من سعة البرق،القاطع مرَّ بقريةٍ صغيرة؛مرَّ بحفنة حصادين يغمرون الأرضَ بالحركة.القاطعُ توقفَ يبحثُ عن سبب لإكمال المسير.القمح نادى قاطع الطريق.أصحابُ البيادر رَمَوا أغمارهم فوق الغيمة..قاطع الطريق صار سنبلة.تلك السيدة مشغولة بنسج شالٍ مطرز بالصمت،لفّت خيوطها على شعر البناتِ،تجلّى الليل بقمر وَضيءٍ،تلعثم الحزنُقرب أيقونة العذراء؛مَنْ مِنكُنَّ يا بنات وصلت للكمال؟مَنْ مِنكُنَّ يا بنات حاكت شَرشفَ الموت بيدها؟مَنْ مِنكُنَّ يا بنات..كانت تلك السيدةَ المشغولة بنسج خيالٍ مطرز بالنجومْ؟كثيرةٌ أشجار الكلام الجارح،كثيرة حِكَم العجوز الطيبِ،كثيرة تأويلات القصيدة،والشاعرُ إذ يعبر حاجزَ الخَطابةِيرى روحَه مغمورةً بأشجار كثيرة،وحطابين مذهولينعن سماع روايات التقهقر.أرغب كما يرغب الجريحُبضُمَّادٍ وإبرة بنجٍ؛أرغب كما يرغب طائرٌ،بقبضةِ ريحٍ يحملُها بين جناحيه؛أرغبُ كما يرغب الجبلُبزحزحة الشمس قليلاً،ومبادلة السماءبوظيفة التسكع مع صديقاتِه النجمات.ليس شرطاً أن تهطلَ الأمطار حين تعطش البقراتُ.الكاتب المغروس في دفتر المذكراتلم يجدْ علةً لخروج آدم من الجنةمباشرةً بعد مأدبة الغداء.
فكر الكاتب المنهمك في كتابة التأريخ:
(كيف انقضت المسافة الزمنية بين الجريمة والولادةكيف انخلع قلب اليقين،وانزلقت الجنة، ببساطةٍ، من بين يديْ حواءكيف كان شكل البرق والرعد هناككيف كانت تهطل الأمطارُوحامض الكبريتِ، كيف كان يتطبب به المجذومونوتلك الأدوية المكدسة في صيدليات السماء،من نهبها قبل أن يُحقَنَ آدم بحقنة الدوخانِ،ويُرمى بين الصخور).
لعلَّ الكاتبَ لم يشأ أن يكمل النبش في أرض المعصية،
فكَّرَ الكاتب، لحظةً،ألقى بالقلم جانباً،نظر للأوراق المكتوبة،همَّ بتمزيقها،لكنَّ صوتاً خافتاً جاءه من سماء بعيدة:لا تَرمِ الأوراقَ؛لن يقرأها أحد،
أكملْ مسيرتك الذاتية في تعريف السجين بحقِّهِ في طلب الإعدام.
قاطع الطريق لم يجد طريقاً يقطعُه،توقَّفَ قليلاً،تساءل: أين ذهبت خطواتي؟أين آثار أقدامي؟أين اختفت الطريق؟كان قاطع الطريق نائماً،كان الحلم لا يسير في طريق معلوم،قاطع الطريق واصل إكمالَ طريقِه السريةفي تنظيف الغيوم من قُطَّاع السماوات.
كسيرةِ النائمِ في السكونأغرزُ الحروفَ في لحم الورقْأكتبُ مأخوذاً بصورة النقوش الفرعونيةعتيقاً مثلَ فسيفساء مادبامتأهباً كما جيشِ كسرى..كسرى......كافٌ وسينأعمى يرىفي خَرس العتمةقمراً مخفوقاً بالطينراء وسينويدٌ تعبث بالأفلاك،بقرى الصعيدبتاريخ الأسىوتاريخ العبيد.ياءٌ وسينغادَرني الحلمُ فتىًوغادرني اليقين.سيفٌ وصلاةْكلما شبَّت الحربتذكرت ألا إله إلا اللهأوشك الرمل أن يطمر حصانيوأن أنسى الصلاة؛صليتُ وحديوحدتي نجاة.خيلُ الروم حفرتْ على طريق القلب خطى الناسك العجوزبين رحلة الشرقوغواية الغربحدجتني (كونتيسةٌ) إسبانيةبنظرة صليبيةلم يرتجفْ وثنيولم يلتقطني السيارة.أصبغُ ريشَ الهواءأصف جثامين الطيورأعدُّ خطى القتلىالمدينةُ نتاج الضغينة.اليافعُ في خضرتهشجرٌ مكسورُ الخاطرمصلوبُ السبب.كسيرةٌ يدُ الذكرىكسيرةٍ ظلَّلها الجحودكسيرةٌ بلا عرجمتاهة المشَّاءكسيرةِ النائمِ في السكونالذاهبِ في الوجومالساكنِ في العدم.كسيحةٌ بلاديلها حشرجة الناي المذبوحرنينُ الهويةعميقةُ الأثرلا تحتاجُها العقيدةيحتاجها الحطاب.أمضي حراً من أسايحراً من شفاهيتيحراً منيومن كلماتي.عِلَّتي آسرةْقلبي عليلٌوالرؤى حاسرةْبَللٌ أصاب الكونسالَ قلب القاهرةْآخيتُ المسيحمسَّني جنون الناصرةْما كنتُ مشغولاًكانت جروحي نافرةخبأتُ في كهف السماء منازليومضيتُ أبحث عن آخِرة!الليلُ مصباح العمىوالمؤمنون سماسرة.كسيرةٌ حكمة المهزومتمشي على مَهَلِ...سيحدثنا الرمل عن سيرة الرملسيحدثنا العنكبوت عن قوة النسيجوحكمة الهوان.ملكٌ على تاج الأبدهذا جنوني بلادوضيائي مُصابٌ بالرمدْصادني النوم وأنا أحلم بالكمانبإلهة إغريقيةتحملني بعيداً عن إعصار إيجةتردُّ لغايتي الصبابةولأمتي الرشدْ.من علَّم الأرضَ الغزلمن أَلْبسَ التاريخَ طاقيةَ الإخفاء؟مبهوتاً بالأزلأكتب سيرةَ المفجوعفي أرضٍ لم تزلتمنح القلبَ دواء الضغينةولا تعطي العدو مداد الخجل.من علَّم الأرض الغزللأقي بساتيني العفونةوأقي جراحي العطبشَفَّني البوحونام كرمي عارياًيا بلاديلست موسى الفرعونيَّولستُ شُعيبإنني أنثى الرجاءضيَّعتني أمي في سوق الصرافينوحين عدت للشامكانت سيناءُ محبوسةً في قبضة الهكسوس.رجاءً لا توقظينيمن هلوساتيلا تُدخلينيدوار الأبجديةما قتلتُ أخناتونولا خنتُ كليوباترةما بعت المسجد الأمويَّولا زوَّرْتُ تاريخ بتراأنقى من البياض كنتُوكانت صروحي عامرةقلبي اشتغال الكلماتبتأثيث الحاضرةعمَّرت خرابَ الكونوما بعتُ رفاقيولا غازلتُ عاهرةلكن المغول أفسدوا الناس حوليوما عاد ينفعني اليقينولا سورة التحرير،أطوي البلادَ طياًوأعود من نقطةٍ خاسرة.
لَسْتُ حَزيناًلَسْتُ حَزيناً لكنَّ قَلبي طَرِّيصَيَّرَتْني أُمي شَاعراً وما بيَدَّيّأنقى من النَّقاءِ جِئْتُومن البياضِ كُنْتُومن النَّدى رَسَمَتْ وَجْهي ويَديّوحَمَّلَتني ما لا أُطيْقُ من نَقاء السَّريرَةِومن رائِحَةِ العُشبِ في قَريَّتيومن رِضا الوالِدَينوالصَّلاةِ على النَّبيومن حبِّ فلَسطينأَوْرَثَّتْني الهَشَاشَةَ والدُموعومن حبِّ بَغداد حتَّى طَنْجةأوْرَثَّتني خَفْقَ الضُّلوعوحبِّ الحُسين والتَّرضي عَلى عَليّلسْت يَتيْماًلكنَّ حُزني قَصيّ.وبلادي صارَتْ قِطعَةً قِطْعَةًتَذوبُ في الحَّنين إلى شَفَتيّيا بلادي لسْتُ حَزيناًإلا ...عَليّ.عند منعطف الحلمعندَ مُنعطفِ الحُلمِبينَ التَفعيلةِ وشَهوةِ النثرِوَجدتُ ذراعَكِ سَنْديانَ القَصيْدةوأصابعَكِ أقلامَ الكِتابَةحروفُ اللُّغةِ من بَينِ يَديكِتَشْتَهي أنَ تُسكبَ في أنهارِ الصَّبابَةِفي أطراسِ الحَنينودَفاترِ العُشَّاق.وعلى مَرمَى النارِتحتَ رصاصِ الحربِ المُنْهَمرِلم أعدْ أُفرِّقُ بينَ الجِهةِ الغادرةِوَجَبْهَةِ العدوِخانَتْني الأرضُوسَرقتْ جُثَّتي منّيخانَتْني الشمسُوسَلَبتْ وَجهَكِ من صَباحاتيخانَتْني الغيومُوتلاشَتْ في الزَوال الأخيرْ.قبلَ اكتمالِ البَنَفْسَجِارتطمتْ قَصيدتي بكَمينِ الشرِّتحتَ وسادةِ اللغةِوَضَعوا لَكِ يا حَبيبتي عِلَّةَ الزَهْوِوالزهوُ آفةُ الكَمانِوخريفُ المُحبين.وعلى مَرمى الكِنايَةِوجدتُ روحي تَغْرَقُ في حِبرِ الخَديعةكلَّما كتبتً سَطراًمَحَتْهُ السُيولُ الطينيةُوكلَّما رَسَمْتُ شَجَرةًقَصَفَتْها الزَوْبَعة.لم أكنْ أعرفُ أن القتيلَيحتاجُ إلى شهادةِ حُسنِ سلوكٍ لمَوْعدِ القيامةحتى انهارَ جدارُ الوهمِ الأخيروطَمسَتْ وجهَهَا الأوراقُ البَيْضاءُصارتْ عُمْلةً رَديئَةًلا تَصْلُحُ لتجفيفِ الدُّموع.
ذاهلٌ عنيذاهلٌ عنيعنْ مَطلعِ الشمسِ وميعادِ الذنوبِذاهلٌ عن صَفاءِ الخَييبةِورَصانةِ المَسافةِوحَريرِ الذِّكرياتِإن لم تَعضُدي روحي بجُروحِهاوتَسكُبي ماءَكِ المُستريبَ على وَحْشَتي.ذاهلٌ عن مَعْنى المَعَانيوأنتِ تَرشُقينَ هواجِسي بالخِذْلانوهَشاشَتي بزَوَغان الكَلماتوأعْذاريَ بالخَطيئة.كلُّنا كُهوفٌ مَخبوءَةٌتعجزُ الأبوابُ عن سَرْدِ عَتمتهاقلبي لا تُقيةَ لَديهِولا أشجارَ تَحميهِ من النُوْروعُذري لا تكافئُه النُدوب.كم مرَّةً جرَحَني اللهُوسَكتُّ..فلا حَرْفَ عندي يَخدِشُ النَبيلكم نمتُ على خَطلِ اللِّسانِوغَدرِ النسيانِولم تغفرْ ليَ الكُروملم تَحسَبْني السَّنواتُ من أيَّامِهاولا الفصولُ من حِصةِ الأعيادِ فيها.نَفَتْني الأَرْضُ كَما تُنفَى الخَطاياولمْ تُشوِّه جَبينيَ العُيوبُبقيتُ خارجَ العُزلَةمَطْوياًمَكْسوراً صَالحاً لهَزيمةٍطَريَّاً مُغْبَرّاً كما تَشاءُ الصحراءُمريضاً بألمِ الطينِوَوجعِ الجبالِمُعافى من تُرابِ الحِقدوغُبن التَّضَاريس.أصيرُ شيئاً لا مَلامحَ لهعبثاً يُطاردُ الوَهموَهْماً مَريضاً بَلا سَببٍسببٍ ناقصٍ من كَمالِ الطُفولَةِمن صَولَجانِ الرُّعونة.أَنْبِئيني أيُّتهَا الوِهَادُ عنْ حَالي في العَراءِوسَّحْنَّتي فوقَ لَعنةِ الجُنودِوخَوفي من دُنوِّ الفُرسانأخْبِريني يا خائنةَ الأَرْضِأيُّ ريحٍ حَملتْ نَعْشييومَ سُقوطِ الشُّهبأيُّ بَلاءٍ حَمَى جثُّتيمن رَصَاصِ الضَّغَينة.عاقرٌ هيَّ الأرضُومتِّسخٌ ثوبُ النَّوايافكوني غرابَ البّينِيَجلسُ مرتاحَ الضَّميربعدَ حَريقِ الغابة.عدمٌ يملأُ اليقينلو لم تكوني الشرفةَوالشعاعَ القادمَ من عين الشمسلو لم تكوني النهاروالسحابَ الهاطلَ والغوايةلو لم تكوني الزمان المنساب في حبات المطرلكنتُ التابوت الخشبيوالبلادَ المنسية.عدمٌ يملأ الرئتينوكلام فارغ عن الحياةوما بين النور والعتمةتموت خلايا العمر باكية.كأس وحيديشفع للغيّابوبيتٌ محمومٌ يصفعني بالموت.سأموتلو لم ألتقطْ حبات الفجرمن بين يديكِ.سأموت قهرًاوأموتُ في بلاد الناسوما كان همّي ألا أموتلكن حزني بلادوحياتي قصيدةٌ تتلاطمها الأمواج.الليلةَ ... وكما كلّ ليلةيتمزقُ قلبي بين ال/طريقينوأفتح نافذة الندملكلِّ طريقٍ أسلكه.مالي إذن أدفع حظي بيديوأركل كأس سعادتيبقدمي؟سأموتإن لم تختطفني إحدى الإلهاتوترفع عن صدري كآبة الوجود.وأموت .. لو ظل العالم سائراً إلى حتفه الأكيد.اللعنةلم يعد للسماء لونها المعتادلم يعد ظلُّ الحنين يحجب اللهيبوأنا موزعٌ بين السماءوبيتي الضرير.ما لي أنا لأكون المنشقَّ عن ذاتهوالملعونَ في حياتهومن أنا لتطاردني وحوشُ الظلاموتقتلني أفكار السوء؟كنت أويت إلى ذات الرواية...أيتها الشمس ألا تساعدي الأعمى؟ما نفعك أنتِ يا نسائم الصباحإن لم تحمليني إلى براءة الكروموما نفعكِ أنت يا غيومَ الحيرةإن لم تُمسكي بيديَّ التائهتين؟أتحرِّرًني الكلماتأتمنحني المتاهةُ درباً ثالثاً لليقينأم تزيدني غموضاًتلك الحُجُبُ الملتفةُ حول ضمير القدر.سأتوارى قليلاً عن عناء الجبالسأهبط رويداً إلى حضن العشب الطريلستُ طموحاً لأحطم السلاسلوأكسر القيودطموحي أقلُّ مما يود الفرسانوترغب الجيوشطموحي سلامٌ يظلِّل الوقتيغطي التفاصيلحتى تصير الحياةفي سلاسة النعاس.
عمان30/3/2012
لم أعدْ أحبكِلم أعدْ أحبكِ.......تغيَّر القمر كثيراًبدَّل شكلَه مراراًتَرَكَ ندوبَه فوق صفحة السماءوحزنَه على وجه الليل.كلُّ شيءٍ لم يتبدلْ/...تبدللم يتغير/ ...تغيركل شيءآوى إلى رحمه الأولإلى زوجته الأولىإلى كونه المتلاشيوحده البحرظلَّ يزمجر طامعاً في بيته الجديد.لم أكنْ أنا البحرلم يكني البحرلم أطمع بشيءولم أتركْ مياهي أسفل الوديان.لم أعد أحبكلماذا لا يعود القمر إلى بيتهوالفارس إلى موتهوالحبيبة إلى قبرها الأول.لم أعد أحبكودعتُ رملَ الصيف في أول تموزخارت قوى أيلول على عتبات الخريفتطلع الغريب إلى غربتهالنايُ إلى صوته المتطايرأدركْ يا نايُ لحنَك المتناثر بين خلجات الهواءأدرك يا نسرُ جريحَك المثنويتعلق بحبال الكمانيريدك الموت واقفاً تحمي يديه من الخسةوأنا لا أريدك ميتاً ولا مكلوماًتمتعْ بنهار أقلّ من ساعاتهمَسِّدْ قلب الصخرإن نزفت سنواتُ عمركَ فوق شفاه الحسرة.لم أعدْ أحبكلم يعد بيتي يشبهكولا الحرير المتلعثم قرب سريرك يغري بالنومحبيبات العطر تندلق في قارورتهالا تشتهي نفحهالا تتشهى الرذاذمصلوبة في يقين الزجاجةتحتسي همس النافذة السقيمتطير فراشاتُ العمر حول أشجار اللوماللعنة تحصد المشاعرالمشاعر مغولٌ يتدافعون نحو القرىمغولٌ يسدون النهارمغولٌ يفسدون القصيدةيشبهون الأمس الثقيلوالأمس بطيئاً يجرُّ رجليه جانب الوداع.أمام تقليب الأعوام في عين الصقرفي ساعة استرخاءملأتْ حواشي المثانة بالهطولوالملاءة بالبلل.لا أحبكِليس للبلور ذنبٌ في اسوداد قلب الثلجوليس للوردة حصة في جريمة السلفمحصورة عند يباس الحقولالبيت جاثم عند هيكل الخرابواليرقات تشع نوراً في عَتمة السكون.لم يعد يغريني الثغاء المعسولترهلُ الجسد الوانيبوح الأمهات لصمتهنصراحةُ الماء لميقات الحنين.طيورٌ سوداءُ تحلِّق في وهج السطوعسطح بسيط يفرش ماضيه فوق دار القيامةحكمة المللترجيء قطع حبل المشيمةمتيم بثناء الغرابيُرجع العتمة لمحبرة الغجرزواج عقيميفرغ قصائد الحب من كبرياء الجنون.أميط اللثامعن محاق هجين.أحبكلم أعد أحبكألفٌ تمطُّ رأسها بلا خطٍّ لولبيَحاءٌ حائرة تحتاج لحكمة الحرفباءٌ بائسة تفرد ظهرها جسداً لعبور اليائسينوكافٌ لا تدلُّ عى سراج التردد في كلام الليلخوفٌ في مغارة الكلماتطلاء فوق لسان المنفيِّ والمنفى.أحبكلا ...لن يحدث شيء للكونِإذ يخلي الغرابُ سواد الحليبلن يذوي الشكخشيةَ الخسارةمن دموع الكلمات.لم أعد أحبكلم أعد أسابق الغزالة في مطاردة الشرودولا النمرَ في اصطياد حتفهودعتُ بداياتيوغبت عني.أحبك؟؟؟.....لم أعدأحبك.سأكتبُ.. وأرمي في البحرسأكتبُ وأرمي في البحر؛سأكتب عن الموتى الذين يحيون، من جديد؛عن الأموات الذين يولدون، معي، كلَّ ليلة؛عن أمي التي لم ترضعني جفوةَ البشر؛وعن أبي الذي لم يعرف كيف يغري الحليب بالنشوة،والمندلينا بالضحك.سأكتبُ عن مُشعلي الثورات؛عن كحل الصبايا، في عيون الشفق.سأكتب وأرمي في البحر؛سأكتب عن آدم وحواء..آدم والندمعلاقة أزلية يفصلهما الحرف الأول،وحواء بَرَكة الخليقةتحضن الرمل بساعديها وتُرضع شفاه المغيب.آه يا أمنا العظيمة،لماذا أنجبتِ كلَّ هؤلاء الطغاة؟من أين جئتِ بهم،وفي أي كهفٍ معتم حبلت بهم؟سأكتب عن الخيانة ـتلك التي تباع في السوق،وتفسَّرُ في فنجان قهوة.سأكتبُ وأرمي في البحر.من علَّمك الصمتَ، أيها القرد الهمجي؟من أعطاك زلةَ اللسان؟ومن منحك قفا الطاعةولذَّة العصيان؟من علَّم المدينة المقاومة؟ومن منحها الزعفران؟من حطَّ في باب التاريخ كفن المعلم الأول،ومن نهى الريح عن مصادقة السفوح؟سأكتب عن القبور ـتلك التي صار لها أبواب ونوافذ؛صارت لها عتبات وأنوار،وأتناسى حقي في انبلاج الفجر.سأهذيوأهذي بما لا تعلم الفصول؛سأرمي كانون في الربيعوأخيط كُمَّ تشرين بإبرة الصيف؛سأحكم على حزيران بالبرد،وأغري الخريف بشهر أيار؛سأحمل الشتاء، في حقيبة تموز،وأغيِّر مسار الكلمات.ما الذي عكَّر صفو المطر؟ما الذي عكَّر صفو الثناء على الموت؟ما الذي أهدر دم الغصون،وباح للغريب بسرِّ النار؟سأكتب عن البحر بمداد البحر،وأحمل الريح بقميص الريح؛أدلق الغيوم في كفِّ السماء،وأجلسُ تحت ظلِّ الغيمة أنتظر زلة لسان السواد.سأكتب وأكتب،ولن أقيل نفسي من وظيفة الغضب.يتها الدمي المتحركة،أفيقي من سُباتكِ الأبدي؛أفيقي من خدر الشعر والتطريب؛أفيقي من غفلة الزمان،وألغاز الغريب؛أفيقي، يتها السماء، من غيبوبة الحرمان؛من نقص المناعة، ومن زيادة الخمول.خيمةٌ واحدة.. وتطير؛حمامٌ كثير ويموت؛أبوابٌ سبعة للرزقيغلقها الشيطان،ويفتحها الشيطان.ومالي لبداية البداية، من سبيل، سوى الخوف..الخوف، على الذئاب،من الذئاب.وما تلكَ بيمينكَ يا ربيتلك قبة الغباء أضعها فوق نقوش الحسرةأخبئُ تحتها عفاريت الصباحوأملأها بتراتيل السحرة.سحرٌ وأدعية ٌ وجنازاتْفقرٌ وبلاءٌ يجرُّ بلاء،أنبياء ترعرعوا بينناوما حملنا منهم سوى العصي والبنادقوربُّ البيت مصلوبٌلا يقاتل أحداً ولا يعانق.إيه يا ربَّ الأربابحكمتُك العتيقة لم تعد تصلح للطيورولا للغربان.سأكتب عن الخوفِ في صدور الحشرات؛عن الجبن في قلوب الحجارة؛أمدُّ يدي إلى يَدِ الخراب،وأمسكُ نجوماً لا تطيع العتمة.من أينَ تبدأُ الحرية، يا رب،ومن أينَ تعرفُ الشعوب راية الريح؟المَسي جسدي، يا نسائمَ الحرية،لم يعدْ يغريني الورد،فاصنعي لصحرائي صبراً وارفَ القسوة.يا لخيبة المُدنِ المستلة،حين تعفيها العواصفُ من رداءة الغبار!امسحي وجهَكَ، بالسواد، يا مِحنَ القبيلة،كم يحنُّ لكِ الهجاء.سأكتب وأرمي في البحر.ويا قراء الحظ والفناجينأشيحوا وجوهكم عما أهذي،فليس من حقكم أن تسمعوا ما يثيره الله من هذيان الخليقة،ولا أن تفكروا في ما يمكن، ولا يجوز، في زمان العنكبوت.كلُّ شيء مفضوح،كل شيء مرئي،ولا شيء مفهومإلا ما يريده البلبل الأصفر،وما يحتاجه الطفل للتأتأة،وما يريده الخفاش في كشف صفحة الكسوف..يا لخسوف الشمس، تحت جنح الظلام،تنسلُّ خجلاً من وظيفة الحرية،وتعطي خيوطَها لتاجرٍ قادم من كلية الحرب!يا لنساء الجزيرة،ابعثن زرقاءَ اليمامة، مجدداً؛فما حيلةُ الغرابسوى النواح على حائط الأمل،وما للأمل إلا العزاء.
سَأمْضي إلى العَدم
سَأمْضي إلى العَدمبخُطى مَلكوأمضي إلى الخَلاصعلى دربِ المَسيحوإن كنتُ لا أثقُ بالنجومِ والأدْعِياءسأمضي إلى العدم...فلستُ نادماً على شيءولست طامعاً في شيءسرابٌ كلُّ الذي مرَّ بيمن تلالٍ وسهولٍ وبحارٍوأناسٍ سيئين أكثرَ من عَدوٍ مُتَربِصٍ بالهزيمة.كلُّ الأصدقاءِ الذين صادقْتُهم أصْداءكلُّ الذين أحبَبْتُهم أسْماءأمَّا أنا ......فعلى خُطايَّ أسيرلا وطنَ ليولا شارعَ يَعرفُنيلا شاعرَ ليكلُّ الشعراءِ الذين أحببتُهم لصوصُ أوراقٍ وكتبكلُّ النبلاءِ الذين تبعتُهم أوْغادكلُّ الصعاليك الذين أحببتُ أسماءَهم جُبناءكلُّ الناسِ أشباهُ أشْياءحتى النساء اللواتي أحببتُهنعلى خطاي أسيرحتى النساء اللواتي أحببتهن .....لا لن أقولفأنا خلاصُ نفسيونبيُّ ذاتيلستُ اليَسوعلكن أبي عِقالٌ طائِشٌوأميّ بستانُ رجاء.وعلى ذكرِ النُبوات أُفتي:بأني أنا الشريرُ الذي أرسلَالطُغاةَ إلى ديار الأنبياءفالأنبياءُ الذين ساروا على هَدْيي ليْسوا أنْبياءوالأنبياءُ الذي جاؤوا بعديتَعثَّروا في الحِقدِغَرِقوا في أوَّلِ البَحروظلَّلت وحدي أسيرُ على الماءهمْ فكرةٌ هنديةٌ واللهُ حافظُهاوأنا رمُّان الزمانِوعَتمة الأشياء.كلُّ ما على الأرضِ افْتراءٌ"صخبٌ وعنفٌ"وعواءمسرحٌ مفضوحٌهدوءٌ يسبقُ الحقولَوثرثرةٌ تُصغي لتَفاهةِ المعنىتقضمُ تفَّاحَ القَصائدِوشجرَ الهَوامشِفي كتبِ الظَّلاموتفسيرِ الضلال.والآنَ يا صاحبي وحدَكَ تَرتَّقي شيئاً غامضاًالآنَ قُلّ لي: ما أنتَ؟....لا لن أقولفأنا سرُّ نفسي..وعلى خُطاي أسير........على خُطاي أسير.