الأربعاء ٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

جولة مع البازي والشعر عنه

بُغاثُ الطيرِ أطولُها رِقابًا
ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ
خَشاشُ الطَّيرِ أكثرُها فِراخًا
وأمُّ البازِ مِقلاتٌ نَزور

الشاعر هو كُثَيِّر عَزّة خاطب في قصيدته عبد الملك بن مروان، وذلك بعد أن استزراه الخليفة لضآلته، وبعد أن قال معرِّضًا به: "تسمعَ بالمُعَيدي خير من أن تراه"،

فقال الشاعر:

تَرَى الرَّجلَ النَّحيفَ فتزدريهِ
وفي أثوابِهِ أسدٌ هَصورُ
ويُعجِبُكَ الطَّريرُ إذا تراهُ
فيُخْلِفُ ظَنَّكَ الرَّجلُ الطَّريرُ
بُغاثُ الطيرِ أطولُها رِقابًا
ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ
خَشاشُ الطَّيرِ أكثرُها فِراخًا
وأمُّ البازِ مِقلاتٌ نَزور

وثمة أبيات أخرى ينهيها الشاعر بقوله:

فما عِظَمُ الرِّجالِ لهم بِزَيْنٍ
ولكنْ زَيْنُهُمْ حَسَبٌ وخِيرُ

(القالي: الأمالي ، ج1، ص 46)

وفي ( الحماسة لأبي تمام ج2، ص 16 ) يرِد الشعر على أنه للعباس بن مرداس- الشاعر المخضرم).

أما (مِقْلات ) فهي بالتاء المبسوطة، على زنة (مِفْعال)- صيغة مبالغة من اسم الفاعل، من (القلَت)، وهو الهَلاك، قال الشاعر:

يَظلّ مقاليت النساء يطأنه
يقلْنَ: ألا يلقَى على المَرء مئزرُ

وليس صحيحًا من كتبها (مِقلاة) على وزن (مِفْعَلة)، وهو خطأ شائع.

يريدُ الشاعر: أنَّ عِظَم خَلْق الشيء، أو كثرة عدده، أو نحو ذلك من الزِّينة الظاهرة، لا يعني أن يكونَ أفضلَ من غيره.

ونظير هذا قول الآخر:

يروعُك من سعدِ بن عَمْرٍو جسومُها
وتزهَد فيها حين تقتلُها خُبْرا

وقول حسان:

لا بأس بالقوم من طولٍ ومن عِظَمٍ
جِسْمُ البغال، وأحلامُ العصافيرِ

عودة إلى الباز أو البازي:

لاحظنا أن الشاعر استخدم (البازي) مرتين في البيتين أعلاه– مفردًا وجمعًا، وليس ذلك عفوًاـ، فهو يُضرب به المثل في نهاية الشرف.

وكم طِيبٍ يفوح ولا كمسكٍ
وكم طيرٍ يطير ولا كبازِ

في أثناء تصفحي لمادة (الباز) في كتاب (حياة الحيوان الكبرى) للدَّمِيري قرأت شعرًا وقفت عليه يدل على الإباء أيِّ إباء:

"قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي في طبقاته: كان ابن شُرَيح يقال له "البازي الأشهب"،
وقال الوُعَـيْظي أول قصيدته:

ليس المُقام بدار الذلِّ من شِيَمي
ولا معاشرةُ الأنذال من هممي
ولا معاشرةُ الأوباشِ تَجْمُل بي
كذلك الباز لا يأوي مع الرَّخَمِ

أرأيتم كيف يحافظ على كرامته واعتزازه بنفسه، فالباز يطير مع البزاة لا مع الرخم- طائر ضعيف يأكل الجيف، وقد ذكره المتنبي ومرة أخرى في مقارنة:

وشرّ ما قنصته راحتي قنصٌ
شهبُ البزاة سواء فيه والرَّخمُ

(يعني شر صيد صدته ما شاركتني فيه اللئام. يريد أن سيف الدولة يجريه في رسم العطاء مجرى غيره من خساس الشعراء: أي إذا ساواني في أخذ عطائك من لا قدر له، فأي فضل لي عليه؟ )

ذكر الدَّميري بيتًا آخر يدل على رفعة الباز:

أنا بلبلُ الأفراح أملأ دوحَها
طربًا وفي العلياءِ بازٌ أشهب

يتكرر اللون (أشهب) وصفًا للباز، وهو الذي يخالط جناحيه البياض- أجود أنواعه.

في هذه الكبرياء أتذكر قول جرير في فخره:

أنا البازي المطلّ على نُمَيرٍ
أُتيح من السماء له انقضاضا

ورد ذكر الباز في شعر الحكمة:

"وهل ينهض البازي بغير جناحه"
بمعنى أنه بحاجة إلى ريشه وهو فيه ومنه: "وإن قُصَّ يومًا ريشه فهو واقع"

وأخيرًا فإن العرب تسمّي كل طائرٍ يصيد صقرًا، ما خلا النّسر والعقاب، وتسمّيه الأكدر والأجدل.
وكثيرًا ما وصفه الشعراء الباز والصقر في طَرَدياتهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى