الخميس ٨ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم ميساء البشيتي

جاهلية 4 «يوم المرأة العالمي»

جاهلية 4
يوم المرأة العالمي
هل تلد الأمَةُ أحرارًا؟
ساقتني أقدامي المتهالكة ذات مساء لحضور أمسية للاحتفال بيوم المرأة العالمي... وهناك رأت نفسي المصدومة، المصعوقة، ما أجج بداخلي ثورة عارمة من التساؤلات، وبركانًا هائجًا من الانفعالات.
عبارات مثقلة بالمديح المطلي، المعسول، المنمق، المزخرف، والملون بجميع ألوان الطيف المرئي. عبارات رنانة تتداعى لرقتها جميع الحواس، وتـُشنـَّف لمسمعها الأذان! شعارات تطير في الأفق وترفرف بأجنحة الكذب كالأَعَلام.
حرية المرأة، حقوق المرأة، أمان المرأة... عبارات استفزت صمتي المطبق منذ قرون فنفضتُ عن وجهي غبار الأزمنة الغابرة، ورفـَعْت عني سقف القبر الذي وئدت فيه بأيدي جاهليٍّ غابر، وخرجتُ إليهم صارخة، ضاربة عرض الحائط بكل هذه الشعارات الرنانة، والدعايات الكاذبة: عن أية امراة تتحدث أيها الجاهلي؟ عن أية حرية؟ أية حقوق؟
حريتها أيها الجاهلي ليست قصيدة شعر تتلى في الأمسيات الشعرية، ليست باقةً من النثر تعطر بها صفحات الدواوين.
أمانها ليس صورةً لغلاف مجلة، أو هديةً تُهدى إليها في عيد العشاق؛ لإيهامها بأنها حظيت... ولحسن حظها بقلب عاشقٍ، يؤمن بحريتها، وحقوقها،وأهميتها!
هذه المرأة التي تتغنى بها الآن كانت قبل لحظات أمَتُك التي تجلدها بسياطك حين تشاء، ودون أن تنبس ببنت شفة... لك أن تصادر حريتها، تهضم حقوقها، تستغل ضعف قلبها، ورهافة مشاعرها، تهدد استقرارها، تزعزع أمنها، تسلبها كل شيء... ثم تنطلق فيما بعد واثق الخطوة، ترفع عقيرتك بالهتاف عن حرية المرأة وحقوقها المسلوبة!
هذه المرأة هي أمَتُك التي تنتظر في كل ساعة أن توارى الثرى، أن توأد حية؛ إن أشارت إليك بطرف بنانها،أو همست بأذنك: أنني حرة!
أيتها المرأة الأمَة من تكونين بعرف هذا السيد الجاهليّ؟ من تكونين في عقله، قلبه، أمسه، غده، حاضره، مستقبله؟
من تكونين لهذا الجاهليّ الذي يطبق بفكيه على أيام عمرك، لحظات السعادة والأمل، خيبات الرجاء والألم، إشراقة صباحاتك، بسمتك، دمعتك، كل نفَسٍ صاعد هابط في رئتيك يبحث معك عن الخلاص؟
أيها السيد الجاهليُّ تمهل في غيّك قليلًا، ولا تنسَ في غمرة احتفالاتك من تربعن على عرش الدنيا: شهرزاد بحكاياتها ألف ليلة وليلة، شجر الدر، زنوبيا ملكة تدمر، كليوباترا، عشتار... وكيف سحرتك، وأذابتك في بحور شعرها وحبها،...لا تنسَ أن هذه هي المرأة التي أنت بجاهليتك العمياء أضعتها.
واعلم أيها الجاهليُّ أن هذه المرأة الأمَة التي تتغنى بها الآن لم تلد أحرارًا، لم تلد إلا عبيدًا، ولم تربِ إلا جاهلينَ؛ فابحث عن المرأة الحرة حتى تصبح حرًا، ابحث عن المرأة الحرة إن أردت أن تكون أنتَ حرًا.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى