السبت ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١٨
بقلم عاطف أحمد الدرابسة

سلاماً .. لأوطانٍ لن تعود

قلتُ لها:
سلاماً ..
لبحورٍ تغرقُ في راحةِ يديكِ
وتموتُ كما تموتُ الفراشاتُ
على جمرِ شفتيكِ ..

سلاماً ..
لصخورٍ تتفتّتُ
كما تتفتّتُ عظامُ العاشقينَ
من نظرةِ عينيكِ ..

سلاماً ..
لليلٍ يضعُ الحواجزَ في وجهِ القمر
ويفرضُ حظرَ التّجوِّلِ على النجومِ
وعلى جراحي النائمةِ منذُ زمنٍ قديم ..

سلاماً ..
للحروبِ التي تستيقظُ قبلَ الفجرِ
وقبلَ الوردِ
وقبلَ الحمام
تحملُ فأساً
وتحفرُ في الصّباحِ قبراً لتلكَ الأحلام
حينَ كُنّا نُعيدُ رسمَ الحُقولِ
ورسمَ الجبالِ
وننثرُ العطرَ في وجهِ النّهارِ
ونحملُ بينَ صدورنا صورَ المكانِ
وصورَ الوجوهِ
وصدى الكلام ..

سلاماً ..
للقبورِ التي تحتضنُ العُشّاق والاطفال والفقراء
هل تعلمينَ أيَّ شعورٍ يتسلّلُ إلى الأعماق
حين تزهو القُبور بالزّهورِ
بالعطور ؟

سلاماً ..
للمواسمِ الرّاحلة
كرحيلِ الشّمسِ آخرَ النّهار
كرحيلِ البُكاءِ من العيون
هل تذكرينَ آخرَ دمعةٍ تنزّلت من عينيكِ
قبلَ أن تتكحّل بالدّماء ؟

سلاماً ..
للبلادِ التي لا تُشبهُ قلبكِ
للأرضِ التي يكسوها الضّباب
وتنبعثُ منها رائحةُ الموتِ
والمطرُ المريض ..

سلاماً ..
للفرحِ المخنوق
وابتسامةِ العيد
وليالي السّمرِ والنّارِ والدُّخان ..

سلاماً ..
للألمِ
للنّدمِ
للأغاني
للقُبلِ
للنّوم
لمواقدِ الشّتاءِ
ومواقدِ الحطبِ في الليل
وزغاريد النّساءِ
ومواسمِ الحصاد
ودندنات العذارى ..

سلاماً ..
لأوطانٍ لن تعود
لتاريخٍ يُكتبُ بالبارود
ويُرسمُ على خريطةٍ
مصقولةٍ بالخيانةِ
ومُزركشةٍ بدمِ المُقيمينَ والرّاحلينَ والمُهاجرين ..

سلاماً ..
لأوطانٍ مُشبعةٍ بالملحِ والغُبار
فصارت نُعوشاً يحملُها السّكارى في الظّلام
يكادُ نورُها يشقُّ عتمةَ البلاد
من نارِ الأحزانِ ولهيبِ الوداع ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى