الأربعاء ٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
الناقد الأدبي الدكتور نبيل أبو علي:

نتغزّل بالمحبوبة "فلسطين" والرثاء في الانتفاضة تحرّر من سمات الرثاء التقليدي

الأدب الفلسطيني يعاني من تدني الذوق ومؤثّرات العصر

فلسطين/إبراهيم السعيد

كما هو الحال مع جميع مناحي الإبداع الإنساني في الساحة الفلسطينية، تأثّرت الحركة الأدبية الفلسطينية بشكل واضح بانتفاضة الأقصى. وترك هذا التأثير بصمات دامغة في سمات هذا الأدب وأجناسه وفنونه، الذي أصبح يطلق عليه "أدب الانتفاضة". "فلسطين المسلمة" حاورت الدكتور نبيل أبو علي أستاذ الأدب والنقد في الجامعة الإسلامية، حول تأثير الانتفاضة على الأدب الفلسطيني، فضلاً عن أوجه الشبه والاختلاف بين هذا الأدب والأدب المقاوم قبل اندلاع الانتفاضة.

 كيف أثّرت انتفاضة الأقصى على أجناس وفنون الأدب الفلسطيني؟
 لقد تشكّلت أجناس وفنون الأدب الفلسطيني من جديد لكي تستوعب هذا الحدث العظيم (الانتفاضة)، والذي وجد تأثيره على كل مناحي حياة الفلسطيني. فقد وجدت مقاومة الشعب الفلسطيني وانحياز الأدب لها، تأثيراً طاغياً على كل فنون وأغراض الأدب الفلسطيني، وأصبح في مجمله أدباً مقاوماً، فعلى سبيل المثال تأثّرت أغراض الشعر الفلسطيني بشكل كبير بالانتفاضة. فالغزَل –مثلاً- في الانتفاضة لم يمت، لكن "المحبوبة" في هذا الشعر أصبحت هي المحبوبة المضحية، هي المحبوبة "فلسطين"، فأصبح الشاعر يتغزّل بسمات هذه المحبوبة التي لا يرى لها مثيلاً على وجه البسيطة. كما أصبح الرثاء من أهم الأغراض في الشعر الفلسطيني، حيث وجد الشعراء أنفسهم ملزمين بأداء واجب مؤازرة أُسر الشهداء والثكالى. لكن الرثاء في الانتفاضة تحرّر من سمات الرثاء التقليدي. أيضاً شعر الفخر والحماسة أصبح من الأغراض الرئيسية للشعر المقاوم.

الفنون النثرية تأثّرت كثيراً بالانتفاضة، فنجد أن القصة والرواية أصبحت رسائلها رسائل المقاومة. وحتى عندما لا تكون الدلالة السياسية واضحة للقصة القصيرة مثلاً، فإن هذه الدلالة تكون مختبئة خلف الغرض الإنساني والاجتماعي المباشر للقصّة. فعلى سبيل المثال الأعمال الأدبية التي عالجت قضيّة الفقر إنما عالجت همّا وطنياً فلسطينياً، إن فقر أهل فلسطين سببه وجود الاحتلال وممارساته. بكلمات أخرى جميع أغراض الأدب الفلسطيني أصبحت وعاء للأدب المقاوم الفلسطيني، يعالج طموحات الشعب وآماله. بإمكاننا إذاً القول إن أدب الانتفاضة هو الأدب الذي اتّخذ من الانتفاضة المباركة -بيئتها وأحداثها وبطولات جماهيرها وأدواتهم النضالية المادية منها والمعنوية– موضوعاً له .....

 ومع ذلك هل من سمات خاصّة لأدب الانتفاضة؟
 بلا شكّ، أن حرارة الحدث وعظم التعويل عليه، فضلاً عن عمق التجربة وصدق التعبير عنها أدّى إلى التخلي عن الكثير من الصفات التقليدية للأدب الفلسطيني، كاليأس والتشاؤم والنزعة السوداوية وظاهرة الحزن السلبي والغموض والسطحية أحياناً. والتفاؤل مستمد أساساً من الثقة بالمستقبل. وبرز التحدي، وأصبح للتحدي قرائن ودلائل أكثر وضوحاً في أدب الانتفاضة، فهناك تحدي "المكابرة" -مثلاً– جعل الأطفال يحتلون مواقع البطولة في الكثير من الأعمال القصصية، واستحال الحزن السلبي الذي كان أحد سمات الأدب الفلسطيني إلى حزن ايجابي يهدف إلى التثوير ويحرض على سلوك جماهيري فاعل.

 هل من أوجه شبه أو اختلاف بين الأدب المقاوم في الانتفاضة والأدب المقاوم قبلها؟
 اشتمل أدب الانتفاضة على معظم صفات الأدب المقاوم التقليدي، سواء على صعيد الشكل أو المضمون. لكن تجربة النضال الجماهيري الخاصّة بالانتفاضة عكست توحّد موقف الأديب الفكري والاجتماعي والنضالي مع تجربة الشعب النضالية وطموحاته.
في الانتفاضة، نجد أن أدوات المقاوم برزت في الأدب، وأصبحت أبرز ما في معجم الأدباء والشعراء من ألفاظ وأكثرها تردداً وتكراراً، وأظنني لا أجاوز الحقيقة إن قلت لا يخلو لون من ألوان أدب الانتفاضة من ذكر للحجر والمتراس أو الإطار أو المقلاع أو اللثام. وخذ على سبيل المثال ما قاله سميح القاسم:

أنا ألقيت على سيارة الجيش الحجارة
أنا وزعت المناشير
وأعطيت الإشارة
أنا طرّزت الشعارَ

 عدد المنشغلين بالأدب وفي فنونه المختلفة، هل تأثّر باندلاع الانتفاضة؟
 من البديهي أن يستوعب أدب الانتفاضة الكثير من الذين أرادوا البوح بما لم يكن متاحاً بأشكال التعبير العادية. إلى جانب أن حدث الانتفاضة في حدّ ذاته قد صقل مواهب وفجّر طاقات. فالانتفاضة أنتجت لنا جيلاً من الأدباء المبدعين الذين تحمّسوا للتعبير عن شجونهم وشجون وطنهم.

 هل من مشكلات تواجه أدب الانتفاضة؟
 بكلّ تأكيد. فمثلاً يعاني الأدب الفلسطيني بشكل عام من قلّة الاهتمام وضآلة الدور الذي تقوم به بعض التجمّعات الأدبية، فضلاً إلى هيمنة بعض المتطفّلين وأدعياء النقد على بعض التجمعات الأدبية ومنابر النشر في الساحة الفلسطينية، وهؤلاء يفتقدون إلى الرؤية النقدية الجادة والموضوعية، هذا فضلاً عن الافتتان بالحداثة الفارغة وتشجيع ما يسمّى بقصيدة النثر. هنا يتوجب الإشارة إلى أن هناك عدداً من المشاكل التي يعانيها الأدب الفلسطيني ويشترك فيها مع الأدب العربي بشكل عام، مثل: تدني الذوق العام، وتراجع القراء والمهتمين بالأدب بصفة عامة وقلة القراء المتميزين بذوقهم الأدبي، فضلاً عن أثر القمع الفكري، وأثر الظروف الاقتصادية وارتفاع تكاليف الطباعة وجشع دور النشر، ودور مؤثّرات العصر ومبتكراته التي نافست الأدب في جذب الكثير من عشاقه.

من هنا اقترحت على المهتمين بالحركة الأدبية الفلسطينية وعلى أقسام اللغة العربية في الجامعات الفلسطينية تكثيف الاهتمام بأدب الانتفاضة، وذلك بعقد الندوات الدراسية والمؤتمرات النقدية والمسابقات الأدبية والعمل على نشرها، والمساهمة في نشر الاعمال الأدبية الجيدة. إلى جانب وجوب مساهمة الصحف والمجلات ذات الاهتمام الأدبي ومنابر النشر المختلفة، وعبر الاستعانة بالنقاد المختصين للحفاظ على مستوى ما ينشر والارتقاء بمستوى الذوق الأدبي للجمهور.

 هل ينتهي مثل هذا الأدب بانتهاء فترة تاريخية معينة؟
 يتأثّر الأدب وسماته بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية. وبكل تأكيد فإن الأديب عندما تنقضي حقبة تاريخية معيّنة، بإمكانه أن يستغل ذلك بشكل إيجابي، فبعد مرور فترة على اندلاع الانتفاضة يمكن للأديب من أن يتخلّص من سطوة الانبهار بالحدث والوقوع تحت تأثير نيرانه المتأججة، بحيث إنه يجد متّسعاً من الوقت للتأمّل بهدوء وتحليل الحدث. فالخروج من دائرة الحدث ومحاولة فهمه بطريقة أعمق وتكوين فلسفة خاصّة به تجاه هذا الحدث يساعد على وضوح رؤية الأديب، تلك الرؤية التي تتحكّم في تكون وبناء النص الأدبي شكلاً ومضموناً. وحسب عمق تلك الرؤية الفنية ووضوحها يتحدّد مستوى العمل الأدبي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكثير من الأعمال الأدبية الركيكة التي كتبت زمن الانتفاضة كان أصحابها يلهثون وراء الحدث، محاولين تسجيل جميع جوانبه واستقطاب معظم تفاصيله بطريقة فجّة، يعوزها الكثير من عناصر الإبداع الفني.

 هل قام النقاد بدورهم في تقويم مسيرة أدب الانتفاضة؟
 المعاناة من قصور الحركة النقدية ظاهرة معروفة على صعيد الوطن العربي بأسْره، أما بخصوص أدب الانتفاضة فإن الاهتمام به ما زال دون المستوى المطلوب. بالطبع هنا لا أشير إلى النقد الدعائي المجامل الطافي فوق القاع، والذي ساعد أدعياء الأدب على التجرؤ على الأدب وعلى النقد الموضوعي. فأنا أقصد الدراسات الموضوعية والندوات الفكرية والأدبية والنقدية الهادفة، التي مازلنا ننتظر منها الكثير.

الدكتور نبيل أبو علي

 أستاذ الأدب والنقد في الجامعة الإسلامية بغزة.
 نائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني.
 عميد البحث العلمي في الجامعة الإسلامية.
 رئيس تحرير مجلّة بحوث الجامعة الإسلامية ورئيس تحرير مجلّة "توابل" للفنون والآداب - مستشار وناقد أدبي لمركز الإعلام والنشر بغزّة.
 مستشار وناقد أدبي في مركز الساحق للتوثيق والإعلام بغزّة.
 عضو هيئة تحرير مجلّة "آفاق" الصادرة عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين بغزّة.
 يعتبر أبرز النقاد الأدبيين في الضفّة الغربية وقطاع غزّة.
 ألّف العديد من الكتب وعدداً كبيراً من الأبحاث، التي تركت صدى واسعاً في فلسطين وأنحاء العالم العربي.

 أشرف على العديد من الرسائل لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه.
 شارك في العديد من المؤتمرات التي عنيت بالقضايا الأدبية على مستوى العالم العربي.

الأدب الفلسطيني يعاني من تدني الذوق ومؤثّرات العصر

عن فلسطين المسلمة تموز 2003


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى