الخميس ١٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٨

ميلاء سعاد المحتسب ومعاناة النّساء

رفيقة عثمان

صنّفت الكاتبة الجنس الأدبي في كتابها الجديد (بالنصوص)، كما كُتب على الغلاف؛ تجنُّبا من التصنيف الأدبي غير الصحيح، نظرا للنصوص المكتوبة فهي تعتبر نصوصا نثريّة، وليست شعريّة؛ حيث لا تنطبق عليها مواصفات الشعر، ولا القصّة أو الرواية، ولا حتّى الأقصوصة.

كافّة النصوص المكتوبة للكاتبة المقدسيّة سعاد المحتسب، كما أعتقد ظهرت كخواطر، أو مذكَّرات، أو عبارة عن تعبيرات ذاتيَة، دوّنتها الكاتبة، كرد فعل للمعاناة التي واجهتها في حياتها؛ تبدو غالبيَّة النصوص انعكاسًا لمعاناة الكاتبة، وما مرَت به، من آلام وإيذاء اللذين حولها، وما واجهته من صدمات وخيبات أمل، وانتكاسات، وفقدان طفلٍ لها؛ وجدت الكاتبة القلم والأوراق مُنفذها الوحيد للتنفيس عن ذاتها، وقوَّة لإرادتها وتحدّيها؛ لمواجهة الصّعاب بطريقة جريئة وصريحة.

اختارت الكاتبة عنوانا للكتاب باسم "ميلاء"، معنى كلمة ميلاء في قاموس لسان العرب:
"هو اسم معناه الشجرة الكبيرة ذات الفروع المائلة، وتعني أيضا (القريب)، أو تعني جميلة الجميلات، وهذا المعنى في الأصل العربي، وهناك تحليل آخر لاسم ميلاء، وهو اختصار لكلمة مأخوذة من الاسبانيّة، من كلمة - Milagrous - ومعناها (المعجزة)".

انّ اختيار الكاتبة للعنوان لم يكن عبثا، أو بالصدفة؛ يبدو أنّ الكاتبة أرادت إسقاط المعنى الحقيقي لشخصيّتها، لتي وصفتها بجميلة الجميلات، كما ورد في قصيدة (يحدث)، "وتنظري مرة أخرى للمرآة وتخاطبيها، مساء الخير يا جميلة، كم أنت جميلة، جميلة رغم بشاعة الحياة" صفحة 39. وصفت الكاتبة ميلاء بالعطاء غير المحدود؛ كالشجرة المعطاءة مثل اسمها، وفروعها متدليَّة من ثِقل الثمار عليها؛ وتزداد عطاءً وقوّة مهما عاندتها الرياح العاتية، هكذا هي ميلاء. "ميلاء قلبها مجرّة من حب"، " ميلاء يخزها الشوك، وتزرع وردًا، وترسم على وجوه الأطفال ميناء وتموت غرقا". صفحة 24.

تحت عنوان ميلاء، تناولت الكاتبة أربع عشرة فقرة، وأسقطت عليها مشاعرها، مخاطبة إياها، في مضامين مختلفة، تبثّ فيها الكاتبة أوجاعها، ومعاناتها، وعن صلابتها، وجمحها، وتصدّيها للمعادين وانتصارها، كما ورد صفحة 18؛ " كلّما كان الليل يفرش حلكته كانت ترسم نجمة". لم تأبه لوصم الآخرين بنعتهم لها بمطلّقة صفحة 18. تبدو النقمة ظاهرة على الحياة، والمجتمع، وظلم النساء؛ غالبة على نصوص الكاتبة " إنّنا في زمن العهر". صفحة 98. "ميلاء شرقيَّة مدجّجة بالغضب" صفحة 34. " العقائد التي تحلّل أربعا وتحرّم الحب، والشرف الذي باسمه تُذبح النساء، والنساء اللواتي يبعن الحب باسم الزواج، والزواج الذي يخلق أجيالا من البؤساء.". صفحة 38.

وصفت الكاتبة "ميلاء"، بأنّها معطاءة دون أن تُجازى بمقابل، وتعتبر هذا السلوك خيبة، لكنّها في نهاية كل فقرة، تنتصر لنفسها، وتلقي الخيبة على الذكر المُخاطَب " أنت انحنيت، أنت الخيبة، يا عزيزي". صفحة 22. الأطفال ميناء وتموت غرقًا". صفحة 24. أنهت الكاتبة فقرات "ميلاء"، بأنها نجت من المحنة كما ورد صفحة 31: " وحدها عرفت الحقيقة ولوحدها آثرت الخلاص، ونجت من هذه الاكذوبة اللعينة". كذلك صفحة 90: " لكنّني عرفت كيف أنحت بأظافري الأبواب، وكيف أكون أوّل من يقصُّ شريط الوصول". لا شكّ أن نظرة الكاتبة تسودها التشاؤميَّة، والسوداويَّة بالحياة، فهي ناقمة على الجنس الذكوري بشكل واضح. يبدو هذا واضحا في معظم النصوص النثريّة، كما ورد صفحة 93؛ " وأكّدت لي أنّ وراء كلّ امرأة مقهورة رجل نذل".

استخدمت الكاتبة لغةً فصحى بليغة منمّقة وجميلة؛ للتعبير عن الذَات؛ إلّا أنّها لم تستخدم علامات الترقيم بالنصوص بتاتا، كما ورد بعض "التناص" في كتاباتها، وخاصّة من القرآن الكريم، مع التحريف للغتها الخاصّة كما ورد صفحة 16؛ " ان الرجال كاذبون وأنّ الحبّ في أعينهم رجس عظيم". كذلك صفحة 28: " ونادى فوق سور عكّا حي على الحياة". صفحة 55؛ " حيّ على الحياة". صفحة 94؛ "وأشهد أنّ لا شريك في قلبي غيرك". وما إلى ذلك.

أنهت الكاتبة فقرات "ميلاء"، بأنها نجت من المحنة كما ورد صفحة 31: " وحدها عرفت الحقيقة ولوحدها آثرت الخلاص، ونجت من هذه الاكذوبة اللعينة". كذلك صفحة 90: " لكنّني عرفت كيف أنحت بأظافري الأبواب، وكيف أكون أوّل من يقصُّ شريط الوصول".

لفت انتباهي نص (هلا بالخميس)، صفحة 117؛ كتبت الكاتبة " لن أغرّد هلا بالخميس، فكل ايامكم خميس، وانا أحب السبت المقدّس"، كما يبدو بأنّ الكاتبة سعاد؛ قصدت بأن تغرّد خارج السّرب، فاختارت هلا بالسّبت؛ والمعروف بأنّ يوم السّبت هو يوم مقدّس عند الشعب اليهودي؛ والتفسير حول هذا القول؛ ربّما أرادت الكاتبة أن تستثني نفسها من شعبها؛ وذلك من شدّة الظلم، وعدم إنصافها، ومن شدّة القهر، عبّرت بهذا المفهوم.

ما يثير الاهتمام بنصوص الكاتبة، هو تكرار رثاء فقيدها الطفل، والتعبير عن حزنها الشّديد، وتأثّرها طوال الوقت؛ هذه النصوص كانت لها تأثيرات قويَّة على الأحاسيس، والتعاطف مع الأمّ الكاتبة. (ريشة) صفحة 83، "أن أعيش فضيلة الوفاء فأتمزّق وأن أحيا بدونك فيسحقني الذنب وتعوي الذكريات عاليا في فناء روحي".

الصبغة المقدسيّة ظهرت في النصوص، عبّرت الكاتبة عن كونها مقدسيَة، ومدى المعاناة التي تواجهها كمواطنة مقدسيَّة، في حياتها اليوميَّة؛ وخاصَّةً في ظل احتلال، كما ورد 69، في القدس.
تبدو العاطفة في النصوص جيّاشة، مختلطة المشاعر، ويسودها الحزن، والغضب، والنقمة، مشاعر ثائرة؛ كما تظهر مشاعر الأمومة، والانتماء للوطن، لم التقط مشاعر الفرح في هذه النصوص؛ إلّا أنَّني استشفّ ما وراء هذه النصوص، بوجود عاطفة قويَّة نحو التّحدّي والصمود أمام الصعاب.

خلاصة القول: أبدعت الكاتبة في التعبير عن نفسها، وعن المعاناة النسائيّة الاجتماعيّة، والسياسيّة، ِوالنحويّ، بحاجة إلى مراجعة. وُفّقت الكاتبة في اختيار العنوان؛ للتعبير المجازي، وتشبيه المعنى بصاحبة القلم، أو الشخصيَّة البطلة في النصوص.

رفيقة عثمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى