الاثنين ٢٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم محمود إبراهيم

الجريمة

كانت اليد اليمنى تحتضن زجاجة خمر، ترفعها بين الحين والآخر لتسكب بعضاً منها في تجويف الفم، حينها كانت إبهام اليد اليسرى تشير باتجاه العينين وهي تقول:

 أنتِ .... أنتِ .... أنتِ قتلته...!!

زاغت العينان ثم استقرت عند زجاجة الخمر وقالت باحتقار

 أنا قتلته.....؟!

 نعم ...أنت قتلته، في الوقت الذي وجب عليك فيه أن تريه ما كان يجب عليه أن يراه....كنتِ تغمضين....أنتِ قتلتِه...!

 أنا قتلته...؟!

 نعم أنت قتلته

 وأنت أيتها اليدان، انظري إلى كفيك علك ترين بها بعضاً من دمه، ألقِ زجاجة الخمر وانظري علّك ترين بعضاً من دمه....؟!

ارتبكت اليدان وسقطت زجاجة الخمر، وقالت وهي تطأطئ أصابعها:

 لا...أنت لم تقتليه.... لا أنا ولا أنت. قتلته قدماه.

كانت القدمان تضع إحداها على الأخرى حين ألقت "العينان واليدان" التهمة عليهما.

 أنتِ ...أنتِ ...أنتِ قتلته....!!

هزت إحدى القدمان أصابعها في استخفاف وأردفت العينان:

 أنتِ قتلتِه... أنت من تتحكمين في الاتجاه الذي يتجه إليه.

 أنا قتلته...؟!

 نعم أنتِ قتلته، في الوقت الذي كان يتحتم عليك أن تذهبي به إلى حيث يجب أن يذهب، كنتِ تسيرين به عكس الاتجاه .....أنتِ قتلته....!

وقفت القدمان وقالت بسخرية بالغة:

 وأنتِ أيتها العينان، هل كنتِ تريه ما يجب أن يراه و...........

ارتبكت العينان وأحست اليدان بأن اتهامات القدمين ستطولها حتماً فبادرت:

 لا.... لم تقتله القدمان..... لا هي ولا أنتِ ولا أنا قاتلوه. قتلته أذناه؟!!!!!

اتجه ثلاثتهم إلى الأذن، وقالت اليدان:

 أنتي ...أنتي ....أنتي قتلتيه..!

احمرت الأذن وأضافت العينان:

 أنتِ قتلته...كنتِ تسمعينه ما لا يجب أن يسمعه و.....

قاطعتها الأذن بانفعال:

 أنتِ ...أنتِ أيتها اليدان، أنتِ من كنت تضعين أصابعك داخلي كي لا أسمع ما يجب أن أسمعه ....أنت قتلته...!

ارتبكت اليدان وسارعت العينان والقدمان وقالتا:

 لا... لم تقتله الأذن.... لا هي ولا نحن ..... قتله لسانه، نعم قتله لسانه...!

كان اللسان يدور نصف دورة حول الشفاه حين اتهمه الأربعة بقتله:

 أنت ....أنت ....أنت قتلته!

 أنا قتلته؟!

 نعم أنت قتلته، صمت يوم كان يتحتم عليك الكلام؟! أنت قتلته...!

صرخ اللسان:

 وأنت أيتها اليدان، لمَ لمْ تكتبي ما يجب أنا أن أقوله، ولمَ لمْ تريه ما يجب أن يراه يا عيناه، لأعبر أنا عنه، و.......

طالت اتهامات اللسان الجميع، نكست العينان بالأرض وارتبكت القدمان وتوارت اليدان خلف الظهر وسارعت الأذنان.. لا... لم يقتله لسانه... جميعنا أبرياء، نحن مجرد أعضاء نتلقى إشارات وأوامر من العقل ونحن مجرد منفذين لها.... نحن أبرياء؛ العقل قاتله.

ردد الجميع في صوت واحد:

 نعم العقل قاتله.... قتله عقله؟!

كان العقل يستمع للحكاية منذ بدايتها فقال بهدوء:

 قتلته أحلامه

تساءل الجميع في دهشة:

 قتلته أحلامه؟!

 نعم قتلته أحلامه...... كانت أحلامه لا تناسب على وجه الإطلاق لا المكان ولا الزمان.... قتلته أحلامه.....!

ورغم أنهم لم يفهموا على وجه التحديد ما كان يرمي إليه العقل، إلا حالة من الحزن كانت قد سيطرت عليهم قبل أن يقول العقل:

 ولكنه........لم يمت...!

تساءل اللسان

 لم يمت..؟!

 نعم لم يمت ....هو فقط في سبات عميق، ربما يكون أوشك على الموت، لكنه لم يمت.....هو فقط في سبات عميق.....!!

قفزت القدمان، بكت العينان، صفقت اليدان، صرخ اللسان، واستمعت الأذن لسيمفونية الفرحة، واتجه جميعهم إلى حيث يرقد. هزته اليدان بعنف، وترقبت العينان، وكذا القدمان، وكادت الأذن تصم واللسان يصرخ:

 استيقظ.... استيقظ..... استيقظ أيها الضمير؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى