الأحد ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠١٩
بقلم علي القاسمي

علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية

صدرت هذا الشهر عن مكتبة لبنان ناشرون في بيروت، طبعة ثانية منقَّحة مزيدة من كتاب "علم المصطلح: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية" للدكتور علي القاسمي. وتقع هذه الطبعة في 888 صفحة من القطع الكبير بطباعة فاخرة. ويضمُّ الكتاب سبعة أبواب وكل باب يشتمل على عدّة فصول. وفي آخر الكتاب معجم بمصطلحات علم المصطلح باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومقابلاتها وتعريفاتها باللغة العربية؛ والمصطلحات فيه مرتبة ترتيباً مفهومياً، وليس ألفبائياً ولا موضوعياً. وكانت منظمة التقييس الدولية (إيزو) في جنيف هي التي صنّفت هذا المعجم وأشرف القاسمي على ترجمته إلى العربية.

ويعرَّف «علم المصطلح» الحديث الذي نشأ في القرن الماضي، بأنه العلم الذي يدرس العلاقة بين المفاهيم والألفاظ التي تعبّر عنها. ولهذا فإن هذاالعلم يتألَّف من عدة علوم هي: علم اللغة، وعلم الترجمة، وعلم العلامات (السيميائيات)، وعلمي النطق والوجود (المنظومات المفهومية)، وعلم الفهرسة والتصنيف، وصناعة المعجم، وعلم الحاسوب. ومن هنا جاء لقب علم المصطلح بـ "علم العلوم". وقد انفرد كلُّ علم من هذه العلوم ببابٍ من أبواب الكتاب.

وأضاف المؤلِّف إلى هذه الطبعة بعض القضايا التي لم تكن قد تبلَّورت قبل صدور الطبعة الأولى. فعلم المصطلح علم حديث ما يزال تحت الصنع، كما يقول عنه المؤلّف. ومن القضايا الجديدة التي تناولتها هذه الطبعة، تقنية البرامج الحاسوبية القادرة على استخلاص المصطلحات من المدونات النصية أو من النصوص المحوسبة.

ويلاحظ في هذه الطبعة أن المؤلِّف يناقض أحياناً ما أورده من آراء في الطبعة الأولى. ففي الباب الأول من الكتاب بطبعته الأولى، ذكر المؤلّف في فصل "طبيعة اللغة" أن اللغات المختلفة متساوية من حيث قدرتها على توليد المصطلحات التي يحتاجها الناطقون بها؛ وأن اللغات متساوية من حيث قوتها، ومنطقيتها، وجمالها، وصعوبة تعلمها. بيد أنه في هذه الطبعة أضاف ملحقاً إلى هذا الفصل، أعلن فيه أن اللغات ليست متساوية مطلقاً، وذلك اعتمادا على خبرته خلال الخمسين سنة الماضية التي تعامل فيها مع اللغة: بحثاً ودراسة وتدريساً، تأليفاً وترجمة، وتوليداً للمصطلحات وتوحيدها. وقد أردف آراءه الجديدة بالأدلة والمراجع المعتمدة.

وفي الفصل الخاص بأصل اللغة في الطبعة الجديدة، أضاف المؤلّف ملحقاً لخّص فيه بحثاً علمياً أجرته بالاشتراك جامعة ليدز في بريطانيا وجامعة بورتو في البرتغال، واستغرق عدّة سنوات، واستُخدِمت فيه تقنيات تحليل الخلايا، وتحليل الجينات، وتحليل الحمض النووي؛ وذلك من أجل معرفة ما إذا كانت البشرية من سلالة واحدة أم من سلالات متعدِّدة. وكان الاعتقاد السائد خلال القرن التاسع عشر ومعظم القرن العشرين يشير إلى وجود ثلاث سلالات: بيضاء في أوربا وسوداء في إفريقيا وصفراء في آسيا.

وتوصل هذا البحث العلمي مطلع سنة 2012 إلى أن البشرية جمعاء انحدرت من سلالة واحدة نشأت وترعرت في جنوبي شبه جزيرة العرب؛ وقبل حوالي سبعين ألف سنة، أخذت جماعات متتالية منها تهاجر بحراً إلى آسيا، وبراً إلى أوربا، وتكوّن العالم المعروف. وقد نشرت نتائج هذا البحث مجلة الجمعية الأمريكية للجينات البشرية American Journal of Human Genetics في عددها لشهر شباط/ فبراير 2012، وكذلك نشرت المجلة الفرنسية لو بوان Le Point في الشهر نفسه مقالاً علمياً عن نتائج هذا البحث بعنوان مثير هو "نحن جميعاً عرب".
ويستدل المؤلِّف من نتائج هذا البحث على أن أصل جميع اللغات في العالم هي اللغة العربية الأولى التي تفرعت منها اللغات الجزيرية (السامية ـ الحامية أو العروبية): العربية، والأكدية، والكنعانية، والعبرية، والأمازيغية، إلخ. ونتائج هذا البحث ذات علاقة مباشرة بقضايا تأثيل المصطلحات، وتطوُّرها، واقتراضها من لغة إلى أخرى.

وفي باب علم العلامات، يضمُّ هذا الكتاب فصلاً يشتمل على الرموز العلمية الأساسية (في الرياضيات والفيزياء والكيمياء) باللغة الإنجليزية ومقابلاتها بالعربية مع تعريفاتها، كما وضعتها لجان متخصصة في اتحاد المجامع اللغوية والعلمية العربية.

يقول الناشر عن هذا الكتاب "إنه كتاب رائد في علم المصطلح وصناعته، يجمع بين النظرية المصطلحية وتطبيقاتها العملية. ويمتاز بأسلوب سهل واضح مدعم بالأشكال البيانية، لتمكين الطالب الجامعي والمثقف العام من استيعاب المادة العلمية؛ إضافة إلى اشتماله على الشكل الضروري لتيسير القراءة. وينقل إلينا هذا الكتاب خلاصة دراسات المؤلّف في أرقى الجامعات الفرنسية والبريطانية والأمريكية، وكذلك خبرته العميلة في مكتب تنسيق التعريب بالرباط المسؤول عن توحيد المصطلحات في الوطن العربي، وكذلك مشاركاته في المؤتمرات الدولية، ومطالعاته الواسعة في البحوث العربية حول الموضوع."

ومنذ صدور الطبعة الأولى للكتاب قبل حوالي عشر سنوات، ومعظم الجامعات العربية تعتمد هذا الكتاب مرجعاً لبرامجها اللغوية في الدراسات العليا. كما أُلِّفت عن هذا الكتاب رسائل جامعية مثل رسالة الدكتور كمال العناني في جامعة تيزي وزو في الجزائر بعنوان "علم المصطلح في فكر الدكتور علي القاسمي"، ورسالة الأستاذة ماريا الشوياخ في جامعة محمد الخامس في المغرب بعنوان "المصطلحية في فكر علي القاسمي" التي نشرها ـ على شكل كتاب ـ المركزُ الأكاديمي للكتاب في الأردن هذا العام.

والمؤلّف كاتب متعدِّد الاهتمامات، فبالإضافة إلى تخصّصه في المعجمية والمصطلحية، فإنه قاص وروائي وناقد ومترجم، له أكثر من خمسين كتاباً، معظمها حظي بعدّة طبعات.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى