الأربعاء ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٣
بقلم محمد هديب

الكلام

قصو قصيرة

كيف يمكن لرجل أن يوصل تهديده إلى زوجته إذا أصيب بسرطان الحنجرة؟

كيف له أن يغضب دون يهز في الهواء ذراعين اثنتين؟
هو في العقد السادس ابيض الشعر مع زرقة, وجهه بلون النبيذ معقوف عند الذقن كمنجل .

لم يعد الذهول مسيطرا عليه بسبب هذه القطعة البلاستيكية المغروسة وسط الرقبة.. يبدو أحيانا موطنا النفس , بعد ثلاثة اشهر من العملية يراقبها والجة للداخل. يتحسسها بدربة؛ خصوصـا في الصباح. ‌‍‍‍‍ لكنه حين يغضب يتحول إلى عاصفة قمعية تجعل البيت يراقبها دون أن تتجاوز الجاعد الذي يقتعده.

فجأة ودون مقدمات يصبح الرجل بلا صوت. يواجه لغة يكره أن يألفها: ماذا تقول؟ انحناءة كتفين, إصاخة السمع, المطالبة بأن يحكم السبابة على خزق الأنبوب؛ حتى يتضح الكلام. رغم أن الزوجة تكرر بأنها تفهم ما يريد؛ حتى قبل أن يقول. لم يعد الأمر كذلك على اي حال.

كان ذلك الصباح والمرأة البضة التي تصغره بعشر سنين تلوب بين أرجاء البيت.. قرقعة الأواني مع طش الماء يأتيان من المطبخ, ويلمحها وهي تلج الحمام بسلة؛ تضع فيها الملابس الداخلية القذرة والمناشف الرطبة؛ وهي تبرطم "يكون الواحد منهم اكبر من البغل ويترك للآخرين وساخته".

تخلخل الهواء في الغرفة والمرأة تدفع بقدمها أحذية تحت الخزانة وتعلق البيجامات والأحزمـة. كانت قرقعة الأواني تزداد جدية في المطبخ، اما الجاعد قد انحسر خلف الرجل الذي يلصق ظهره بالجدار, ويجس أصابعه التي استطالت بعد ان فقد عشرين كيلو غراما.. يقلب كفه يمط الأصابع، يضمها.

"لقد قلت لها.. الحمارة... لا تغلي المرمية.. ضعيها بعد أن يغلي الشاي...ايجب دائما أن تكـون هناك ابنة وسطى بين البنات؟"
أدارت الزوجة وجهها وهي توضب الفرشات والألحفة على الدوشك قائلة "كأنـك قلت شيئا؟ لو تضع إصبعك هنا.. هنا. أستطيع أن أسمعك.."

 هذه البنت هكذا.. (غرس سبابتيه على جانبي الرأس ولبث وقتا حتى استشعر أن زوجته فهمت).

 هممممم..ادري! هي كذلك. من تعمل في هذه المزبلة منذ الفجر تستحـق أن تشبهها بالحمارة.

 عشرون كيلو غراما خسرتها.. عشرون كسبتها أنتِ. يقيني أن كل امرأة على وجه الأرض حينما يقع زوجها فإنها تفكر بأن ثمة حسابا صفته معه.

 يا رجل أنت فقط تناكفني.. طيطسطسطي..هذا ما اسمعه. ضع اصبعك الذهبية على الميكروفون.

 لكن بعد ان أموت يمكنك أن تحني قدميك.. أنت والحثالة التي أنجبتها. استضيفي أمك العوراء .. هي بارعة في عجن الحنة .
 إذا أردت أن تكلم نفسك هذا شأنك. إذا أردت شيئا منـي.. أنت تعرف كيف ينبغي أن تتصرف.

فتحت علبة الخياطة تبحث عن خيط بني وإبرة لتعالج تنورة نسلت جيبتها:

 صوت الكندرجي ابشع من صوت ماكينته لا ادري ما الذي يضحكه في هذا الصباح؟ هذه الجيبة!! اللعنة هل كانت تحشوها بالمسامير.

كانت تصر عينيها وهي تدخل الخيط في سم الإبرة.
 لم اسمع عن أبيك انه بلبل... صوته كصوت الجدي الذي يجره ابن اللحام من أذنه.

 زوجة الكندرجي سلمت علي أمس. التقينا في محل الخضار. أنا لا اعرفها. ربما رايتها. هي تقول إنها شافتني في عرس ابن أم جمال. قالت: أتعرفين؟ قلت: نعم. قالت: المحبة من الله.. منذ أسبوع وأنا أقول علي أن أزورك. سالتني عنك وعن الجميع .يييييي سأمضي ساعة مع الزفت الإبرة.

نادت بصوت مديد على البنت الوسطى . قال الرجل:

 ماذا سألتك.. عني؟

نادت مرة أخرى بعصبية وسكتت بعد ان تنحنحت البنت من داخل الحمام.

 سألتني ما هي أخبار حسين فهمي؟! ماذا تقول النساء عادة ؟ كيف حال زوجك؟ إن شاء الله احسن... ادعوا لله ان يحسن ختامه... والصبر نصف الإيمان.. قلت اللهم احسن ختامنا جميعا.. هكذا.
بحلقت في وجهه وأضافت "هاأنت وضعت اصبعك على الخزق. منذ ساعة وأنا لا أسمع منك شيئا.. يا للرجل.. حدثتني المرأة عن طلاق ابنة ام ابراهيم.. ربما تود معرفة السبب؟

استطال ذقنه عند حد الغضب وكان الهواء يتزاحم في الأنبوب قبل ان تسده السبابة باحكام:

 قولي.. ما السبب ؟

قصو قصيرة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى