الأحد ٢٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٩
بقلم شاكر فريد حسن

أسامة ملحم شاعر ممسك بتلابيب اللغة

عرفت الحركة الأدبية المحلية والمشهد الشعري في هذه الديار على امتداد السنوات المنقضية عشرات الشعراء برزت أسماؤهم على الصفحات الأدبية والمجلات والدوريات الثقافية . ومن هذه الأسماء الشاعر والفنان التشكيلي والناشط الثقافي أسامة ملحم، ابن بلدة كفر ياسيف.

تعود معرفتي بالصديق أسامة ملحم إلى أيام الطفولة، عندما التقاه الأديب المرحوم ميشيل حداد (أبو الأديب) وكتب عنه في مجلة "لأولادنا " كرسام شقيق الفنان كمال ملحم، وكان حينها في الصف الخامس الابتدائي.

ثم تقريته في صحافة الحزب الشيوعي "الاتحاد، الغد، والجديد"، بعدها تعرفت اليه شخصيًا عندما قام بزيارتي في العام 2007 وأهداني كتابه الموسوم "نقرزات" وهو لوحات نثرية وقطرات من حبر الروح، وتقديم الصحفي حسين سويطي.

ويشغل أسامة ملحم مدير مجلة "ميس" الثقافية الدورية ، وعضوًا في اتحاد الكتاب والادباء الفلسطينيين، وله رصيد وكم كبير من النصوص الشعرية والنثرية والمقالات في المجال الادبي والسياسي.

وصدر له: سادر، باب الريح، جرة ماء ورد، حبل الرحيق، رسائلها التي ظلت في الدولاب، الرساؤلات، كطاوي ثمان"، بالإضافة إلى مسرحية سياسية اجتماعية بعنوان "الشيء الأسود الكبير".

قصائد أسامة ملحم تتمحور حول مواضيع مختلفة في الحياة والفلسفة والقلق الوجودي والهموم الانسانية، وهي في غاية الجمال، وقمة الابداع والنضوج والتكامل الفني والتجديد والابتكار والآتيان بالصور والمعاني الجديدة، وتتميز بالغموض والرموز في الكثير منها، فضلًا عن الأبعاد الفكرية والفلسفية والوجودية العميقة. إنها ومضات فيها الكثير من سحر اللغة وأناقة الكلمة والبيان والاعجاز اللغوي، وتنطوي على صور مركبة مشعة جميلة، والفاظ متناغمة، وفيها الكثير من الإيحاءات، والتناص واضح في طياتها وبين ثناياها.

ويطغى على قصائده الشعور بالبؤس والقلق والاغتراب الذي يقود إلى ضياع ذاته الفردية والجمعية. ورغم روح السوداوية التي تشيع بين سطوره، إلا انه يغلف سواده بالرومانسية الجميلة والحلم الوردي ، فيقول في قصيدة له بعنوان "بابُ الرَّيح":

شُو ضَلّ مِنْ حُبّنا غَيْرِ ألوَهِمْ
وَأوْراقْنا صارَتْ مَهَبِّ ألرِّيحْ
شُو ضَلّ مَعْنا مِنْ بَقايا الحلِمْ
وَتَنشوفْ بًعِضْنا بِدْنا ألِفْ تَصْريحْ
شَو ضَلّ مِنْ سَكْرِةْ هَوانا
غَيْرِ العَتَبْ والهَمّ والتّجْريحْ
غَيْرِ السَّهَرْ والغَمِّ وْكَلامِ النّاسْ
تَرَى ؟! ما كَنْشْ حًبّنا عَنْ جَدّ وْصَحيحْ

أسامة ملحم يحاول عبر شعريته أن يعيد ترتيب الحياة من خلال تفاصيلها التي لا نكاد نلاحظها بغرض الوصول لمعيار معادل للحياة المتداعية التي تخللنا بقسوة مرعبة، ونجده يرسم لوحات صورية فائقة الدقة، وهي ميزة بارزة لديه، ويرتكز على هذه الصورية لتحقيق المشهد الجمالي لدى نفسه ثم لدى المتلقي، وكل ذلك يرسمه ويعبّر عنه بلغة مفتوحة مبنية على تفاصيل الشكل، ورشاقة التعبير، وبقوة ونبض وروح شعرية عالية، وقدرة فائقة في ترسيخ بنيان الصور الشعرية داخل النص الواحد.

ومن حيث الابداع الشعري ينتسب أسامة ملحم لتيار الحساسية الشعرية الجديدة التي تنشد كتابة مغايرة للسائد، ورؤيا مركبة للوجود الانساني، والتقاط الصور التي تقترب من الهم الانساني، وهي وجعه الشخصي، وينهل من لغة شعرية تعشق التجريب.

إنه باختصار شاعر مفعم بالإحساس المرهف والفكر التقدمي النيّر، ممسك بتلابيب اللغة، متمكن من ادواته ببراعة مشهودة، وموسوم بالصفاء والبهاء. فله أطيب التحيات والتمنيات بالمزيد من العطاء والتألق والتوهج الابداعي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى