الجمعة ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
بقلم مريم علي جبة

حوار مع الشاعر العراقي عبد المنعم حمندي

ما بين السياسة والمرأة والحب حديث ممتع مع الشاعر العراقي عبد المنعم حمندي حبث استضافه مكتب ديوان العرب بدمشق وكان هذا الحوار:

ولد في مدينة بغداد عام 1954 م ودرس في مدارسها ، وإلى جانب إبداعاته الأدبية عمل في الصحافة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي .. نال عدة جوائز أدبية في العراق وفي الوطن العربي .. ولطالما كانت دواوينه الشعرية محط اهتمام الأدباء والنقاد العرب على مدى أكثر من أربع عقود ..

من دواوينه : أتيتك غداً ودخان الشجر وسآتيك أمس وأول النار وطواف في ناي ولذائذ الجمر واليقين ومعراج آخر وتهجّدات
كما صدر له من الكتب : لغة السياط . وكتاب أمير الصعاليك .
إنه الشاعر والصحفي العراقي عبد المنعم حمندي الذي كان لـ ديوان العرب هذا الحوار من دمشق .
الشاعر والزميل عبد المنعم حمندي .. وهل هناك أجمل من الحديث عن البدايات ، كيف زرعت نبتة شِعرك وبماذا رويتها حتى كانت بهذا الحضور على مدى خمسة عقود ونيف ؟
البدايات الأولى كانت في السبعينيات من القرن الماضي كتبت الشعر العمودي المقفى ثم تحولت إلى قصيدة التفعيلة أو ما يسمى بالشعر الحر، ولو عدتِ إلى قصائدي الأولى سترين أن موضوعات تلك القصائد كانت في الحب والمرأة ..
ديواني الأول كان بعنوان (آتيتُكِ غداً)
ديواني الأخير حمل عنوان (الصلب) وقصدت فيه صلب العراق، المسيح الجديد هو العراق ..
كل دواوين الشعر التي كتبتها كانت بطلتها المرأة وما من ديوان لي إلا وقصائد الحب متوهجة في ثناياه والمرأة تعيش معي وأعيش معها، والحب يسكنني طفلاً، وفي مرحلة شيابي وكهولتي وشيخوختي .. وأنا الآن على مشارف السبعين وأعيش الحب، ودون الحب لا يأتي الشعر، ولهذا المرأة ملهمتي والحب إكسير الحياة .
ما دمنا نتحدث عن الحب والمرأة .. وما دمتَ تعيش الحب .. فهل تصيغ لنا هذا الثنائي المرأة والحب بقصيدة ؟
أحبكِ ..
حب الرضيع إذا ما اشتهى نديم أم رؤوم
أحبكِ كلي اشتهاء وحضنك بحر فكيف أعوم
أحبكِ أدري بأن دمائي شعاع من الذكريات وإني تنفست من راحتيكِ الحياة
أحب العصافير حين تزقزق فوق الغدير وحين تطير وأنتِ على همسها تنشرين العبير
هل ترى أن ثمة تراجع للقصيدة العربية أمام الرواية في عصرنا الحاضر؟
الإبداع بشكل عام تراجع في الوطن العربي ، تراجع كثيراً بسبب المتغيرات والمنعطفات التاريخية والسياسية وتحول القارئ في الوطن العربي في اختياراته وقراءاته إلى ما هو قريب إلى همومه ومشاغله فبدأ يهتم بالخطاب السياسي الجديد ويتابعه ويهتم بالتاريخ السياسي الحديث واهتم بالرواية بعيداً عن الشعر، لأن الرواية تاريخ سري ، تاريخ شعب ، كما أن الرواية تاريخ من لون آخر وكما نعلم أن التاريخ تاريخان، تاريخ رسمي له علاقة بالسلطان وحركة السلطان، موثق خطواته وعلاقاته وإذا ما نزل التاريخ إلى الشعب فينزل من خلال حركة السلطان، في حين تطلعات الشعب وهمومه وأحلامه ومعاناته لا يوثقها التاريخ الرسمي..
من يوثقها إذاَ ؟
يوثقها السرد، يوثقها الرواية أولاً وهذه ليست جديدة ، انظري إلى مقامات الحريري وإلى حكايات ألف ليلة وليلة نجدها وجهاً آخر للتاريخ السري للشعب ، أما الشعر فهو قمة الجمال، والشعر الحقيقي هو نتاج معاناة يهتم بما هو حسي ويهتم بالتفاصيل التي يهتم بها الشعراء فيرسمونها صوراً وأفكاراً في قصائدهم وهذا المنحى لا تهتم به العامة من الناس بل يهتم به النخبة ولذا انحسر الشعر أمام السرد وأمام الرواية، الآن لم يعد للشعر دوره السابق هو دور التحميس والتعبئة الجماهيرية واستنفار الضمير الوطني بقدر ما يتغيب دوره على أثر المحنة التي يعيشها الإنسان وإفرازاتها في الحياة والإنسان يهتم بما تفرزه المحنة بالرؤى التي تجسد تطلعات الشعراء وأقلامهم وهمومهم ومعاناتهم وكلما اقترب الشاعر من هذه المعاناة وصورها وجسدها بصدق كانت صورة أخرى لتوثيق المشهد الذي يكوّن صورة الواقع ، ولكن ابتدع الشعراء بمهاراتهم الفنية وهي طريقة للتمويه كيف يستفيد من التاريخ ومن الأسطورة بدلالاتها ويوظفها في النص الشعري كقناع لنصه، بمعنى يغلب ما هو جمالي وحتى على ما هو ثقافي ولهذا تقمصت بعض قصائد الشعراء بالغموض وهذا منحى ليس جديداً في الشعر العربي الحديث قد نجده عند محمود درويش وعند حميد سعيد وعند أدونيس وعند محمد علي شمس الدين وسعدي يوسف ونزار بريك هنيدي وشوقي بغدادي وعبد القادر الحصني ، ويبقى الشعر قضية خاصة ينقر دبيبها الشاعر نفسه ، ولكل شاعر معاناته وقد تختلف وسائل توصيل الفكرة في النص وقد نجد فكرة مختبئة برداء يختاره الشاعر نفسه، يختار لونه ويصممه فيختار أحياناً رمزاً تاريخياً يخرجه من رفوف التاريخ ، من رفوف المكتبة ويعيشه وينزله إلى الأرض ويجعله يعيش الواقع الجديد ويستعيد أفكار ذلك الآخر كمثل شخصية الحلاج، شخصية الحسين بن علي ، شخصية أبي ذر الغفاري .. ويتبنى أفكارهم وطروحاتهم ويعكس أفعال الشارع الآن ولذا قد نجد التاريخ يعيد نفسه فهم يقتلون الحسين بن علي لو طالب بالحق والعدالة
ويحرقون الحلاج ويذبحونه من جديد ويرجمون أبا ذر الغفاري عندما يطالب بالعدالة والعيش الكريم للإنسان.
كيف ترى المشهد الثقافي العراقي بعد الاحتلال الأمريكي؟
في بدايات الاحتلال الأمريكي للعراق وما بين عامي 2003 وعام 2008 هذه السنوات الخمس الأولى وضعت المثقف العراقي على مفترق طرق, وبعد أن داهم الاحتلال الأمريكي وطني العراق وتغيرت الألوان في المشهد الثقافي واختلط الأسود بالأبيض وأصبح اللون الرمادي طاغياً على المشهد ، هناك من تورط وصفق للمحتل طامعاً بمكاسب دنيوية أو بـ هبة أو منحة أو منصب أو موقع في المتغير الجديد الذي جاء به الاحتلال ورأيت بعض المصفقين أدباء ومحسوبين على الأدب ومنهم مفكرين وأكاديميين هوّل خلف الاحتلال وكان يراهن على الديمقراطية المزيفة بأن العراق الجديد سينهض نهوض العنقاء من الرماد وسينعم الشعب بحرية كاملة ونعيم الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، ولكن فوجئ أن الاحتلال سحق بـ (جزمته) كل أحلامهم والقيم المدعاة فقدّم العراق إلى لصوص وقتلة ومجرمين وسفلة جاء بهم من عواصم الغرب وأوروبا وولاّهم الحكم والسلطة تحت غطاء دستور ملفق كتبته أجهزة الموساد وصنعته المؤسسات الأمريكية وفق رؤية يُبقي العراق يعيش في فوضى دائمة مهدد بالانقسام ولا منجى له ما دامت صيغة الدستور على ما هي عليه الآن .
ولذا اصطدم المثقف والأديب العراقي فناناً وشاعراً وسارداً بواقع معتم جعله يدور في دوامة جديدة وبدأ يترحم على معطيات النظام السابق.
الآن بعد 2008 ، ولماذا 2008 ؟ لأن العراق عاش محنة ما بين 2006 حتى عام 2008 هي الفتنة الطائفية، والفتنة الطائفية في العراق هي فتنة مصنوعة وليست من طبيعة تركيبة المجتمع العراقي، لأن العراق شعب واحد غير طائفي ولا يؤمن بالطائفية. ولا شك أن الطائفيون نجحوا في إثارة الفتنة لأنهم أولياء الأمور لأن السلطة بأيديهم وهم أصحاب العصابات بدأوا يقتلون من أبناء هذه الطائفة وينسبوها لطائفة أخرى حتى يُتهم أبناء الطائفة الأخرى أنهمهم الجانون.
بعد 2008 بعد ما انجلت المحنة تنبه المثقف العراقي واستفاق من سباته وتحددت ملامح الصور المعتمة وانجلى الرماد وأصبح المثقف العراقي أمام طريقين إما أن يكون مع شعبه ووطنه وإما أن يركب موجة الرقص على الحبال واللهاث وراء عظام الموائد وفتات الطعام وإما أن يبقى زاهداً متماسكاً قابضاً بجمرة الايمان شاداً أو رابطاً حجر المجاعة على بطنه أو يطبل ويزمر إلى أصحاب القرار الذين تولوا الحكم باسم الديمقراطية وانتخابات مزيفة جاء بهم الاحتلال وولاهم أمور السلطة والحكم فيطبل لهذا ويلمع ذاك متنعماً بما يهيه له السفلة.
والمرابطون في وطني القابضون على الجمر اتحدوا مع مصير شعبهم ووطنهم وثوابتهم الوطنية يعانون بمثل ما يعاني الأغلبية من العراقيين وهما يطلق عليهم بالأغلبية الصامتة التي قاطعت الانتخابات ورفضت المشهد السياسي برمته ولم تعد تثق بأي حزب أو سلطة وكفرت بكل شيء، والمرابطون من المثقفين هم شعراء وروائيون وتشكيليون ومفكرون يكتبون بصمت ويوثقون معاناتهم التي هي ضمير الشعب ولسانه وينشرون مؤلفاتهم هنا وهناك داخل العراق أو خارجه دون دعم ورعاية يلملون جراحاتهم ويجمعون تكاليف النشر يقتطعونها من لقمة عيشهم حتى يطبعون هذه المؤلفات ويوثقون ثقافة المقاومة وأدب الصمود والتحدي في بلد ابتلي بالاحتلال وإفرازاته ، إنه شعب مُمتَحِن.. تقام معارض للفن التشكيلي وتقام مهرجانات للشعر وندوات للسرد ويطرحون إبداعهم يتحدون فيه السلطة والأحزاب والميليشيات .
لقد ابتلي العراق بالاسلام السياسي وهذه هي الطامة الكبرى ولا منجى لشعب العراق إلا بقيام الدولة المدنية الوطنية الحديثة تقوم بإعادة كتابة الدستور وتقيم دولة العدالة والمساواة وتطلق حرية الرأي والتعبير كاملو ليعود المثقف العراقي يتنفس عبير الإبداع الحقيقي .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى