السبت ١٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
الحلقة المفرغة
بقلم مكرم رشيد الطالباني

قصة كوردية مترجمة

قصة : حسن الجاف ترجمة: مكرم رشيد الطالباني

الحلقة المفرغة

قصة: حسن الجاف ترجمة: مكرم رشيد الطالباني

حين استيقظ صباحاً تستولي علي هموم ذلك اليوم الجديد، فاضطر الى تناول لقمة بسرعة، واشعل سيجارة، ومن ثم اقف عند الشارع لأنتظر مجىء السيارات.
اترجل من السيارة عند سوق الحصران واسلك الطريق بين بائعي الحلويات، وبعد عشرين دقيقة اصل الى المدرسة فيستقبلني سيماء المدير المتجهم، واقفاً امام المدرسة وفي يده خرطوم المياه. فان وصلت قبل الثامنة يرد على تحيتي، وإن تأخرت ـ وان كان نادراً جداً ـ فعوضاً عن رد التحية يهديني بعضاً من دردشته.
ـ ماهذا؟ كيف يجوز هذا، ان تتأخر كل يوم؟
ـ لاتهتم الستَ ذا إلمام بنفسية هذا الرجل؟
ـ لا ضير، لكنه لايسأل ما الخطب، فيعمد فوراً ليقيم الدنيا ويقعدها.
ـ في الحقيقة ليس من طبعك؟ فكيف تأخرت اليوم هكذا؟
ـ كنت حتى الساعة الثالثة صباحاً في المستشفى بانتظار إبني.
ـ خيراً.. ماذا به.
ـ بدأ يتقيأ منذ انتصاف الليل.
ـ ليخرج سالماً، اما هذا فلا يهم.
حقيقة لو لم يكن الاساتذة طيبون فإن الله وحده يعلم كيف كانت ستنقضي السنة، فالجرس يسرع بخطواتي نحو الصف ويحرك لساني كآلة تسجيل ما ان تضغط على زرها حتى ابدأ بالحديت. استهزىء من نفسي وتلامذتي، منذ خمس عشرة سنة وانا اردد واردد، بدأت اتقزز من كلماتي. كل عام تغادر مجموعة وتأتي مجموعة جديدة وانا في مكاني باقٍ كأنني فزاعة، وفي فمي آلة تسجيل، وحين ينتهي شريط يومي ذاك، اتوقف، اسير رائحاً غادياً في الصف بعض الوقت، والطلاب يرمقونني بنظراتهم، فيرفع البعض منهم أصبعه، اما الاسئلة فتتشابه دوماً. ومن جديد يسرع الجرس بخطواتي، لكن هذه المرة نحو غرفة الاساتذة، ويعقد لساني أيضاً.
ـ قانون الخدمة والتقاعد. الراتب والعلاوة، فلم الأمس في التلفزيون، كرة القدم، الزيت، الطماطة، التايد، الغلاء ... لن يكفيهم الصف. . ما ان تنج من ضوضاء الأطفال
اليوم بحثت في أرجاء السوق فلم احصل على كيلو واحد من الباميا.
ـ ولم لاتتحدث عن معجون الطماطم؟
ـ مادمت لاتتقن اللعب فلماذا تورط غيرك؟
ـ ولماذا لا اتقنه؟
ـ لو كنت تتقنه ما كنت تضرب الـ(شش)، ألم تراني فتحت الـ(شش).
ـ ان لم يكن لدي فماذا افعل؟
ـ الفرج مفرح؟
ادفع ثمن الشاي واتوجه مع بعض الأصدقاء نحو (عرفة) لقد تجولت في جميع شوارعها اعرفها كم خطوة تعد، امست دكاكينها، دورها، سكانها لدي كدروسي.
هناك رجل بدين يمسك بخرطوم المياه كل مساء وهو يرش الشارع، يعبس في وجوهنا كضيف ثقيل نمرّ ومن ثم يعرفوننا جميعاً، نعرف اسماء البعض منهن. نسير بمحاذاتهن، ونحدق في وجوههن .. لقد تقاسمناهن فيما بيننا.
ـ (س) سأل عنك .. يقول إنك ما برحت تظهر .
ـ أغناك الله .. تمتع بوقتك .
أضحك، صوت ضحكاتي يشبه صوت محرك سيارات السنين الخوالي العتيقة التي كانت تحاول صعود مرتفع وعر.
نودع الجميع واعود بدوري إلى المنزل، فلن يسمح لي الاطفال في التمتع بلحظة من الراحة، أنتظر كي يناموا فيصبح النوم كابوساً يثقل جفوني كصخرة ثقيلة، أستيقظ وأغسل وجهي برشة من الماء.
ـ ما هذا كأنك أصبحت عنكبوت الماء تروح جيئة وذهاباً، أطفيء المصباح كي ننام، إنني أعمل منذ الصباح حتى المساء، لا تسمح لي حتى في الليل بالخلود إلى الراحة.
أرمقها بنظرة، فهذه المرأة تعيد الكلمات نفسها منذ عشر سنوات، وقد حفظتها عن ظهر قلب كدروسي أنا، إنها على حق. أدخل الغرفة الأخرى فتحتضن عيني الكلمات، ويجبرني البرد أن آتي بمعطفي لأضعه على كتفي.
ـ تلك الغرفة باردة، قم وتعال إلى هذه الغرفة، ماذا تفعل هناك ؟
أترك الكتاب جانباً لأنزلق تحت الفراش، وفي الصباح حين استيقظ من نومي تسيطر عليّ هموم ذلك اليوم الجديد .

عن مجلة شمس كوردستان العدد 67 عام 1984

قصة : حسن الجاف ترجمة: مكرم رشيد الطالباني

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى