الشَّيْخُ الطَّيِّبُ
(١) رَحِيْلُ الشَّيْخ
(١.١)
أَتَرْحَلُمد؟
وَفَجْرُنَا الْوَلِيْدُ لَمْ يَزَلْ
مُقْتَحِمًا طَيَّاتِ لَيْلٍ أُسْدِلَتْ سِتارُهُمد
يَمُدُّ وَهْنًا يَدَهُمد
مُعَانِقًا أَنْوَارِ شَمْسٍ قَدْ تَوَارَتْ فِيْ كُسُوْفٍ وَنَأَتْ عَنْ أُفُقِمد
مَا أَشْرَقَتْ وَمَا جَلَا مِنْهَا بَرِيْقٌمدور
فَكَأَنَّ عَيْنَهَا قَدْ وَغَلَتْ فِيْ نَفَقِمد
أَتَرْحَلُمد؟
وَفَجْرُنَا الْوَلِيْدُ فِيْ عَسَارَةٍ يُحْتَضَرُمد
دُعَاءُكَ الْخَالِصُ كُلَّ يَوْمِمد
أَكْمَلَ فَجْرَنَا جَلِيًّا فَغَدَا يَنْتَصِرُمد
وَاللَّيْلُ مَدْحُوْضٌ وَلَا مِنْ غَارِقٍ بِنَوْمِمد
(١.٢)
أَتَرْحَلُمد؟
وَقَدْ تَهَطَّلَ ثِقَالٌ صَيِّبُمد
وَأَوْمَضَ الْبَرْقُ وَهِيْجَهُمد
وَالرَّعْدُ صَاحَ بِدَوِيٍّ يُرْعِبُمد
أَتَرْحَلُمد؟
قِيَامُكَ اللَّيْلِمدور
وَتَرْتِيْلُكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإبْكَارِمد
أَنْقَذَنَا منْ وَابِلٍ مِدْرَارِمد
وَسَلِمَتْ زُقَاقُنَا مِنْ فَيْضَةِ الْأَنْهَارِمد
(١.٣)
أَتَرْحَلُمد؟
وَبَيْتُنَا الْعَالِيْ أَحَاطَهُمد ذِئَابُ الْغَابِمدور
مِنْ شَرْقٍ وَمِنْ غَرْبٍ وَكُلِّ جَانِبِمد
تَسَلَّلُوْا مِنْ كُلِّ وَادٍ غَامِرٍ وَأَحْدَبِمد
وَرَاءَهُمْ جَوَارِحٌ سِبَاعُمد
وَفَوْقَهُمْ كَوَاسِرٌ جِيَاعُمد
أَتَرْحَلُمد؟
وَجُوْدُكَ الْوَاسِعُ للسَّائِلِ وَالْمُوْتِمِ وَالْمِسْكِيْنِمد
أَنْزَلَ فِيْ قُلُوْبِ هٰذِهِ الْوُحُوْشِ وَجَلًا وَرُعْبَا
كَأَنَّمَا أَعْنَاقُهُمْ تُوْشِكُ أَنْ تُنْحَرَ بِالسِّكِّيْنِ
فَهرَبُوْا مِنْ هِيْلَةٍ
قَدْ مَلِئُوْا مَخَافَةً وَرُهْبَا
(١.٤)
أَتَرْحَلُمد؟
وَالشّمْسُ فِيْ الْغَدَاةِ قَدْ دَنَتْ مِنَ الشَّوَامِخِمد
فَلَوَّحَتْ أَبْدَانَنَا
وحَرَّقَتْ فَدَّانَنَا
وَالْكُلُّ فِيْ مُلْتَحَدٍ يَبْغُوْنَ ظِلًّا وَنَدَى
فَمِنْ سَقِيْمٍ مِنْ أَفُرَّةِ اللَّظَى
وَذَاهِلٍ مِنْ وَهَجٍ وَصَارِخِمد
أَتَرْحَلُمد؟
وَوَصْلُكَ الْأَرْحَامِ حُبًّا وَرِضَا
وَعَطْفُكَ الْبَلْغُ لِكُلِّ مُسْتَغِيْثٍ مُبْتَلَى
قَدْ أَزْلَفَ الْغَمَامَا
فَفَرَشَتْ رَوْحًا وَظِلَّا
وَأَرْسَلَ النِّسَامَا
فَنَشَرَتْ بَرْدًا وَطَلَّا
(١.٥)
أَتَرْحَلُمد؟
وَأَنَا فِيْ أَرْضٍ مَتِيْهَةٍمدور
فَمَا تَيَسَّرَتْ لِيْ السُّبُلُمد
مُرْتَحِلٌ بَيْنَ الْقُرَى النَّائِمَةِمد
وَالْمُدُنِ الْقَاصِيَةِ الصَّاخِبَةِمد
لَمْ أَدْرِ أَيْنَ مَقْصِدِيْ
وَأَيْنَ مَبْغَى وِجْهَتِيْ
أَتَرْحَلُمد؟
وَنُصْحُكَ الرَّشِيْدُ دَوْمًامدور
قَدْ هَدَانِيْ سُبُلًا جَلِيَّةَ الْمَعَالِمِمد
فَمَا تَوَغَّلْتُ بِتِيْهٍ مُظْلِمِمد
وَمَا تَعَنَّيْتُ رَحِيْلًامدور
لأَقَاصِ الْأَرْضِ مِنْ مَفَازَةٍ وَعَلَمِمد
وَكُنْتُ أَبْلُغُ مَقَاصِدِيْ بِلَا عَسَارَةٍ وَغُمَمِمد
(٢) حَيَاةُ الشَّيْخ
(٢.١)
يَا أَيُّهَا الشَّيْخُ الْأَبُ الْأَحْنَى عَلَى أَوْلَادِهِمد
شِيَمُكَ الشَّفَقُ وَالطِّيْبُ وَجِلُّ كَرَمِمد
فِيْ خُلُقٍ وَعَمَلِمد
مَرَّتْ بِكَ السِّنُوْنَ مَا فَتِئْتَ تَكْدَحُ لِأَهْلِكَمدور
فَأَضْنَاكَ ضُرُوْبُ عِلَلِمد
(٢.٢)
يَا أَيُّهَا الشَّيْخُمد
بَقِيْتَ فِيْ كَدٍّ تَقُوْدُ مَرْكَبًا مُقْتَحِمًا
مَوْجٍ عَوَالٍ وَعَوَاصِفٍ ذَوَاتِ جَلْجَلِمد
حَتَّى رَسَتْ فِيْ مَأْمَنِمد
وَسَلِمَتْ مِنْ كُلِّ شَرٍّمدور
وَتَسَنَّى أَهْلُهَا مِنْ غِبْطَةٍ وَأَمَلِمد
(٢.٣)
يَا أَيُّهَا الشَّيْخُمد
أَنْعَمَ وَهَّابُ الْهُدَى عَلَيْكَ بِالْإيْمَانِ دُوْنَ رِيْبَةٍ أَوْ مَيْلِمد
فَكُنْتَ طَوْدًا فِيْ يَقيْنِكَا
وَقِدْوَةً وَنَبْعَ نُوْرٍ لِصِحَابِكَ وَأَهْلِكَا
(٢.٤)
يَا أَيُّهَا الشَّيْخُمد
لَمَّا أَتَاكَ الشَّيْبُ نَاصِحًا وَسِنُّهُمد
فَصُرْتَ عَازِفًا عَنِ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا
كَدُّكَ فِيْ بِنَاءِ عُمْدٍ وَسُرَادِقٍ وَكُلِّ مَا يُضَاهِيْهَا
مَا كَانَ عَنْ حُبٍّ لِزُخْرُفِ الدُّنَى
بَلْ كُنْتَ تَسْعَى وَرَعًا فِيْمَا بِهِمد حَبَاكَ بَارِئُ الْأَنَامِمد
مِنْ نَفَرٍ وَرَوْضَةٍ ومَنْزِلٍ ذِيْ غُرَفٍ وَذِيْ سَنَا
فَكُنْتَ عَبْدًا شَاكِرَا
وَإذْ أَلَمَّ بِكَ كَرْبٌ مِنْ سَقَامِمد
فَكُنْتَ عَبْدًا صَابِرَا
(٢.٥)
يَا أَيُّهَا الشَّيْخُ الْكَدُوْدُمدور
حِيْنَمَا رَسَتْ سَفِيْنَتُكَ فَيْ مَرْسَخِ أَمْنٍ وَسَلَامِمد
وَفَازَ أَهْلُهَا بَمَقْصَدِ رَحِيْلِهِمْ وَمَوْطِنِ الْكِرَامِمد
مَا عُدْتَ تَرْغَبُ بِعَيْشٍ وَبَقَاءِمد
فِيْ دَارِ لَهْوٍ وَغُرُوْرٍ وَفَنَاءِمد
وَطِبْتَ نَفْسًا لِرَحِيْلِكَ لِعَالَمِ الْغُيُوْبِمد
فَكُنْتَ فِي شِدَّةِ أُنْسٍ وَحُبُوْرِمد
لَمَّا دَنَا الْوَقْتُمدور
وَحَانَتْ سَاعَةُ الرَّحْلِ وَلَحْظَةُ الْمَسِيْرِمد
(٣) بَعْدَ رَحِيْلِ الشَّيْخ
(٣.١)
بَعْدَ الرَّحِيْلِ قَدْ عَرَانِيْ حَزَنٌ وَلَوْعَةُ الْفِرَاقِمد
مَا كَانَ لِيْ أَنْ أَتَفَوَّهَ بِقَوْلٍ فِيْ وَدَاعِكَا
وَمَا اسْتَطَعْتُ أنْ أُقَبِّلَ يَدَيْكَ أَوْ جَبِيْنَكَا
وَلَا رُزِقْتُ بِزِيَارَةٍ لِقَبْرِكَا
(٣.٢)
مَضَتْ سِنُوْنَ وَأَنامد مُسْتَغْرِقٌ
بِذِكْرِيَاتِ مَا قَضَيْنَا مِنْ لَيَالٍ هَانِئةْ
حَقِيْقَتِيْ
أَنِّيَ فِي انْتِظَارِ سَاعَةِ رَحِيْلِيْ آمِلًا أَنْ نَلْتَقِي
فِيْ ظُلَّةٍ
عَلَى أَرَائِكٍ بِجَنَّةِ الْخُلُوْدِ الْعَالِيَةْ
فَلا يَنَالُنَا ذُرًى مِنْ غُصَّةٍ
أَوْ لَمْسَةٌ مِنْ رَهَقِمد
(٣.٣)
وَلَنْ يَكُوْنَ بَعْدَ ذَاكَ مِنْ رَحِيْلٍ أَوْ فِرَاقِمد
مَوْلَايَ أَدْعُوْكَ وَكُلِّيْ أَمَلٌ
أَنْ تَجْمَعَ الشَّيْخَ وَكُلَّ أَهْلِهِمد
فِيْ رَوْضَةِ السَّعْدِ وَمُنْتَهَى الْوِفَاقِمد
وَالْحَمْدُ لَلرَّحْمٰنِ فِيْ كُلِّ قَضَاءٍ وَمَسَاقِمد