الاثنين ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم رانيا مرجية

ماء .. خلّ .. زيت زيتون .. كلُّه واحد

كان يزور جدي بإستمرار .. كانت ملامحه عابسة حزينة وكئيبة تبعث الرهبة والشفقة
في الآن ذاته ... كان حديثَ الناس لأعوام كثيرة ...
ذات يوم كنت في بيت جدي .. شعر سمير بالعطش فتوجه إلى البراد مباشرة
وروى ظمأه ....
نظرت جدَّتي إاليه باستغراب شديد وقالت له:
 ألم تشعر بطعم غريب؟
قال لها:
 أبدا ... الماء كان بارداً ولذيذاً يا امُّ سليم ..
ضحكت جدتي وقالت له:
 لقد شربت قنينة كاملة من زيت الزيتون ..
 أنتِ جادَّة يا امُّ سليم ؟؟ ياه .. أنا !! أنا .. لا فرق عندي بين ماء .. أو خلٍّ .. أو زيت زيتون .. كلُّه واحد

قبل أربعين عاماً، كان سمير من أفضل وأبرع صيادي وملاحي فلسطين. عمل تحت إمرَتِه عشرة صبيان .. كان زوجاً مخلصاً وحنوناً واباً رائعاً .. أحب زوجته بجنون ... إلا أنها خانته مع صبيٍّ من صبيانه ...
مسكهما متلبسَين في فراشه .. شبه عراة كما خلقهما الله .. صرخ: لماذا ؟؟ لماذا ؟؟
وعلى صراخه اجتمع الجيران ليبعدوا زوجته ... أما الاطفال فقد احتضنتهم والدته....
بدأت اجراءات الطلاق ،إلا أن سمير تراجع فجأة وقال للكاهن:
 أنا أحب زوجتي ... وسأغفر لها .. لديَّ كوم لحم .. هم بحاجة لأمهم يا أبونا ...
بدون اكتراث ولا وجل أسرَّ لأصدقائه المقربين الذين عارضوه بشدة:
 إن كان أحدكم بغير خطيئة فليرجمها ....

ذهب بوجاهة كبيرة ترأسَّها كاهنٌ وشيخ .. ردَّ زوجته إليه .. وأمضى معها أياما عديدة .. ظن خلالها الكل أن سمير غفر لزوجته وبدأ معها عهداً جديداً.

في الأسبوع التالي ذهب سمير وزوجته للسوق ... اشتريا بلطة وكعكة .. وفي المساء .. وعلى خلفية انتقامية، ذبحها وأخرج كبدها وأكله، ليسلِّم نفسه للشرطة .. لبس زنزانتَه لمدة عشرين حولا ..

كان استقباله حاراً من طرف الأصدقاء الذين هيأوا له ليلة بكل ألوان الطيف ..
وهو الصياد الماهر ... ولذكرى الأيام الخوالي رافقوه في رحلة صيد .. صال سمير وجال وأبان قدراته الخارقة في فن القنص .. وهو يحوم ببصره في كلِّ اتجاه . تراءتْ له ريم بيداءَ تخطف الكحل من العين .. انقلبت نشوة القنص إلى حقد عارم ليصيب الريم في مقتل ... شرب دمها وهو يردد:
 جسمي محصن قوي .. لا يهزني أو يزعزعني شيء ...
مضت السنون ... مات معظم رفاقه .. مات جدي .. وسمير لا يزال يمارس هوايتة في الصيد ويأكل لحم القطط والكلاب رغم تعديه الثمانين حولاً .. إلا أنه أقوي من شباب العشرين .. قبل أسبوع التقيت به صدفة وكنت حزينة بعض الشيء فاقترب مني وقال:

 راضية .. ( مالِكْ ؟ مين زعَّلِكْ ؟؟ احْكيلي مين .. بِدْبَحو .. وبِشْرَبْلِك دمُّو .. )
ولكني لم أجرؤ على إخباره أنني أعرف أن شرْبَ الدَّم عنده كشرْب الماء !
كما أن الوقت لم يحن بعد .. إلى متى ؟؟؟؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى