الأربعاء ١٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم موسى حوامده

للخَديعةِ طعمُ الأُبوة

للغيومِ نهارٌ آخرُ
للخديعةِ طعمُ الأبوة
للمشانق حكمةٌ تُخْفيها الرهبة.
 
آنَ يحملُنا النهرُ إلى أخطائنا الأولى
آنَ يجمعنا النهارُ في وجبةٍ سيئة
آنَ يحرِقُنا العجزُ في أتون المنفى،
 
كلماتُه ترنُّ في أذن الجبالْ
سعالُه يَصدحُ عاليا
بياضُ حَطَّته
تَهدُّل عِقاله
حزامه الجلديُّ العريض
ظهره المنحني
جبهتُه الموشومة بتعاريج الصخور
بياضُ صَدْرِه
سُمْرَةُ وجهه
نَقيضان للطبيعة
شَبيهان بالوريث.
 
آنَ تَقهرنا الفكرةْ
تصنعنا الحسرةْ
آن تَسْحَرنا الخطيئة.
 
الآخرونُ لا يقيمون في مآتمنا
الآخرون لا يشاركوننا الفضاء
الآخرون يتركون لنا جفافَ حقولِنا وحلوقِنا
يأخذون سِيَرَ الآباء
ويبقونَ لنا صحراء الذكرى
والندم،
آنَ يستوي المَيِّتُ والزهرةُ الذابلة
آنَ أتَجرَّعُ وحدي كأس الخذلان
آن لي وطنُ الخسارة.
 
كنا نقيمُ للسنواتِ قصرَها المرمري
بقينا ثلاثتنا نحكم الدنيا
بوظائفنا العمومية
برواتبنا الهزيلة
بحكمنا الصارم على قطعان الكلام
أحرارٌ يُقيِّمون الكائنات
شياطين على ضفة الجنوح،
وحين يبقى أحدُنا مستفردا بالعرش
يختفي الأبُ دون أرثٍ عائلي.
 
بعيونه المشعةِ في الظلام
بعيونه المختفية خلف نهر الصور القديمة
تلاشى سليلُ النار
غطَّت سُخونة العَبَرات
ما تبقى من ضياء،
 
حَقُّه أن يموت
حقه أن يُودعَ الهضابَ التي مشى عليها
النجومَ التي حاورها
الوجوهَ التي رآها،
حقُّه أنْ يفعل ما يشاء
ينهي حَبكة المسرحية
في لحظته التي تليق بجبل لا يتبدد،
 
هنا دمعه المتدفق
هنا ماؤه العذب
هنا جنته الضيقة
هناك خلفَ اللاشئ
بنى للكلماتِ قبرها وللغيابِ وَصيته،
 
أبي الذي كان
أبي الذي يكون
أبي الذي لم يكن،
 
لستُ شاهداً على الفتنة
كنتُ حطبَها المحترق.
 
الذي لَمْ يودعْ النهار
حَمَلَ عَتمَته وطار
الذي لم يقبضْ الأبيض
كَسَرَ الليل شظايا
هيأَ مأدبة الضياء
ثم أظلمت عيناه !
 
جيشه منتصر
قبيلته عائدة من الغزوات
حربه رابحة
وحدي فُلول المهزومين،
 
جيشُه مندحر
قادته جلاوزة
معسكراته فارغة
حطامي بين يدي
حطامي أمامي،
 
بيديه المرتعشتين
ضمَّ جَسَدَ المولود
مسَّدَ جَبينَ الغبطة
سَرَد للخاسر رأسمالِه.
 
أعودُ لمنزله
لطيبته السرية
لفاكهته البعيدة
لغصونِ يَديه وأشجار جلساتِه
أقَبِّلُ الحبورَ يرافقُ قطعانَ غزلانه الهاربة
أقبِّل الفضاءَ يلف المكانَ بألفته النبيلة.
 
أعود لكلماته,
لرنَّة الأسى في صوته
لمنازل اختفت مع عشائه الأخير،
 
أعودُ إلى باحة الحوش القديم
إلى بهجته الدفينة
إلى ذكرى صفعاته الأليمة،
لنداء الاستغائة الذي لا يوقفُ هديرَ بَحرِه الفائض،
 
أعود لنَداهُ
لحُنوِ روحِه التي لا تَبين
لهشاشة أنفاسِه المُعْتَذرة
لتفادي العاصفة
لاحتدام الوجاهة بالخشية،
 
أعودُ خاسراً مثلَ غيْمَةٍ تلاشتْ في الفراغ
خاوياً منكَ ومني
مليئا بغيري،
 
يا صوتَ الجبال
يا صَدى الريف
يا حرير الرضا
أينَ يَدفعُ البحرُ ماءه؟
أينَ يَكنزُ الغريبُ جثة أبيه؟
كيف يرتقُ المكلومُ شقوقَ كلماته؟
 
يا غيومَ العمر العابرة
ترفقي بالماء
اقطعي زَبَدَ السيول
رغوةَ المنابذة
أصيخي سمعاً لندائه البعيد
نداء الغرقى الأخير
أَصيخي سمعاً لثغاء الماعز المذبوح
لوصايا الجَسد المُسَجَّى.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى