الخميس ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم ريمون جرجي

حول عرض مسرحية " النبي " لجبران خليل جبران في حلب

كانت القنصلية الملكية الهولندية بحلب قد دعت لحضور مسرحية " النبي " التي هي إحدى مؤلفات الأديب والشاعر والفيلسوف جبران خليل جبران ، وذلك مساء يومي الجمعة والسبت 1 و 2 ايلول 2006 عند الساعة الثامنة والنصف تماماً ، على مسرح مديرية الثقافة بحلب ، السبع بحرات ، والنص المسرحي من إعداد السيدان القنصل حسين عصمت المدرس والفرنسي أوليفيه سالمون ومن إخراجه أيضاً ، بينما قدم العمل مجموعة من طلاب جامعة حلب باللغتين العربية والفرنسية في آن معاً .

• نظراً لشهرة الأديب جبران خليل جبران وقيمة أعماله ، خصوصاً مؤلفه " النبي " وأيضا مع السمعة العطرة التي تميزت بها أعمال الباحث السيد حسين المدرس وإبداع المخرج اوليفيه سالمون الذي يحضر لنيل شهادة الدكتوراه الجامعية عن حلب في أدب الرحالة الأوروبين خلال الفترة العثمانية مابين عام 1516 إلى بدايات القرن العشرين، هذه الأسباب كلها دفعت الكثيرين من المدعويين للحضور قبل الوقت المحدد لبدء العرض المسرحي وخاصة أن المسرحية ستُعرض مرتين فقط !!! فكان حشد لابأس به واقفاً أمام باب القاعة مبدياً الإستغراب من إنشغال الصالة بإحدى المؤتمرات التي أقامتها إحدى الجهات ( أحد الأحزاب ) حتى الدقائق الأخيرة من موعد المسرحية ، فكان من نتائج هذا التباين أن الصالة بقيت مشغولة حتى الثامنة و20 دقيقة ، حيث كانت القصائد تتلى على ثلة بسيطة من الحاضرين ( بشكل عادي وبطيئ وكأن الوقت لا قيمة له ) وهكذا لم يتسنى التهيئة الرسمية لبدء العرض ولدخول الجمهور إلى الصالة إلا قبل 10 دقائق فقط من الموعد الرسمي ( بعكس ما يحدث في المسرحيات التجارية عادةً ) وهذا ما أخرمن بدء العرض لتلافي الآثار السيئة التي تركها تأخير تسليم الصالة والعبث بمستلزمات المسرحية كالقضاء على كمية كبيرة من الفواكة الطازجة التي كان سيتم الاستعانة بها في العرض المسرحي التي تم أكلها ورمي قشورها على الأرض وأن أدوات أخرى تم العبث بها وانتزاعها من قبل المشاركين في المؤتمر ولم تنفع الاعتذارات بعدها من حل الإشكالات الكثيرة التي سببتها هذه التعديات .

• الحضور المميز الذي شغر مقاعد الصالة كلها ، بدا عليه أنه يعشق اللغة الفرنسية ، الثقافة الراقية، والمسرح الجاد لا المسرحيات التجارية ، سيدات وفتيات حلبيات كن يتهامسن ويتبادلن التحية قبل المسرحية باللغة الفرنسية وهذا ما افتقدناه في حلب منذ زمن طويل حتى اعتقدنا أن اللغات قد انحصرت في الجامعات والمعاهد وذكرتنا بأن أهل حلب اتقنوا لغات أخرى فضلاً عن العربية .

• رسومات الأديب الفنان الرسام جبران التي تم عرضها قبل بدء عرض المسرحية مع فقرات من أهم كتاباته وانطباعته مع مرافقة الموسيقى الشرقية الرائعة وأغنية فيروز الشهيرة التي غنتها من كلمات الأديب جبران / المحبة / هيأت الحضور ونقلتهم إلى أجواء مكانية وزمانية وولدت لديهم المشاعر والأحاسيس ذاتها التي عاشها جبران ودفعته لإبداع كتاباته .

• كلمات النص الرائعة ، ( رغم ضعف أصوات الممثلين لعدم استخدام وسائل صوت مكبرة بهدف تقديم مسرح جاد حي دون مؤثرات ) ساهمت في حمل الحضور على متابعة همسات وكلمات الممثلين الرومانسية باللغتين العربية والفرنسية معاً كتجربة فريدة في مسرحنا المحلي تكراراً لتجربة مسرحية المجنون التي قدمها السيدان حسين المدرس واوليفيه سالمون قبل عامين .

• حل المخرج مكان أحد الممثلين الذين انشغلوا بحضور المهرجان المسرحي الذي اقيم في إدلب ، فكان دوره إنقاذاً سريعاً لإكمال العرض ، ونظراً لاتقانه اللغة الفرنسية فقد تجلى تمثيله الرائع ونطقه السهل أريحية في التمثيل والحركة بشكل أفضل من باقي الممثلين ، الذين بذلوا جهداً مضاعفاً في حفظ النص ونطقه وتمثيله بشكل يليق بكل مؤثرات المسرحية رغم فقدان وسائل التمثيل التي سبق ذكرها.

• الفيلسوف الألماني شوبنهاور يقول: قل لي ما هي قدرتك على الصمت اقل لك من أنت! هذا ماعشناه جميعاً نحن الحاضرون نتيجة الجو الذي أضفاه العرض ، فقد خيم الصمت على الحاضرين متابعين مهتمين غير منشغلين ، فشكراً ياجبران لأن كلماتك أشعرتنا برهبة وخشوع فكم وددنا حينها لو أشعلنا الشموع ! أعتقد أن كثيرين تلهفوا لإقتناء كتب جبران ، وقراءة مؤلفاته ، والنهل من أقواله ، وهذه من إحدى وأهم أهداف العرض برأي الشخصي على مااستنتجت . وهنا تتأكد المقولة التي تقول " لا يذكر التاريخ بالحسنى أسماء الطغاة، لكن البشر يذكرون و يحترمون المفكرين " لعل هذا ما حاول السيدان حسين وأوليفيه على قوله من خلال عرضهما لهذا النص بهذا الشكل الأنيق دون تكلف أو مبالغة .

• في تحليل شخصي عن الدوافع التي ساهمت في خروج هذا العمل الناجح وعرضه للجمهور ، وعن دوافع السيد الباحث حسين المدرس على تبنيه لهكذا نشاطات ومعارض كتب ولوحات وصور نادرة باستمرار، لم أجد إلا الاستعانة بقول لأديبنا الكبير أطال الله في عمره حنا مينة " القلق : هو المحرض على الحب والإبداع، والطمأنينة: قاتلة الحب والإبداع " ولعل حالة القلق هذه هي التي تسيطر على باحثنا وتدفعه للإبداع دائماً وتحثه على المثابرة وبذل الكثير دائماً ولهذا فهو عادة " لا يذهب إلى حيث يسير به الدرب بل يذهب حيث لايوجد درب ، لذلك يترك أثراً خلفه دائماً " (رالف والدومرسون ) .

• مجموعة الممثلين المشاركين وهم من طلاب جامعة حلب قدموا مسرحية جادة انسانية بلغتين في آن معاً وكانت الفرنسية الصعبة التي أتت بشكل صحيح لغة ونطقاً كما شهد لها أصحاب الخبرة ، فمن شفاههم خرجت الحكم والدروس والمواعظ والعِبر، وفيها من النبل والانسانية ما ينبئ عن أخلاقهم السامية وهم من أهل حلب الغالية .

• أتمنى على أدبائنا وباحثينا ومثقفينا أن يقدموا لنا دائماً نشاطات وأعمال تَرفع من قيمة الإنسان وتُهذب من أخلاقه وتدفعه لحب وطنه وأبناءه من خلال الإخلاص والصدق والعلم والمحبة .

حلب 13/09/2006

Ray11968@hotmail.com


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى