السبت ١٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم عمار بولحبال

كرنفال المدينة المنسية

المكان: فج الأخيار - الزمن : زمن آخر من أزمنة التاريخ ...

أجراس المدينة تدق، أصوات المارة تخترق عنان السماء حركة المداحين وبائعو الكلمات ...
ومن بعيد يظهر قصر مولانا القاضي يتلألأ في أبهى صورة , والزحام يضرب أطنابه أمام بابه .. فاليوم يحاكم شاعر المدينة أمام الملأ .. تفتح الأبواب تتدافع الأجساد والمناكب, يداس الضعيف و يتسابق الجميع لالتقاط مكان ما في القاعة الفسيحة الأرجاء ...
تتعالى الأصوات و تتطاول الأعناق , فالشاعر المسكين يجري في قفص الاتهام مطأطأ الرأس رث الثياب , وفي وسط القاعة يقف حاجب ضخم ويعلن بصوت جوهري " محكمة " .. يفتح باب خلف المنصة ليظهر مولانا القاضي مرتديا الحريرموشحا بالذهب ...
جلس علي كرسي وفير ونادى : المتهم الأول. وقبل أن يتقدم, تلتقط الأذان هدير البحر يدك جدار الصمت ويعلن في عزة تحدي الزمن ... " كانت المدينة هادئة تعيش على بركة مولانا هارون الرشيد إلى أن عصفت الرياح الهوجاء المحملة بأزيز الخوف واليأس والألم .
فأغرقت المدينة في بحر الظلام , فقد مات مولانا هارون الرشيد وتحولت أفراح المدينة إلى رقصات الانشطار. سقط الدرع الواقي وبرزت رواسب المرض المتعفن وغدت مواكب لليأس الملفوف في عمق الخيانة والغدر ..( واليوم يحاكم الشاعر الذي قيل عنه أنه اغتال هارون الرشيد بأشعاره ...
القاضي للمتهم :
 اسمك الكامل .
 عبد الله بن عبد الله .
 سنك ؟
 سني من سن الألم والخوف
 مهنتك ؟
 شاعر .
وهنا توقف القاضي ليقلب أوراقا كانت أمامه, وفي تلك اللحظات كانت العواصف تعزف لحنها البنفسجي امتعاضا وانتكاسا لهذا الزمن .. وبعد هنيهات الحلم الأسود يرفع القاضي رأسه, يتمعن في وجه المتهم ثم يقول له :
 أنت متهم بهجاء مولانا .
 لا..لا..لا.. سيدي ...
تتوقف عقارب الزمن لتجلس في لحظة انفعال تراكمات الماضي الولهان باختراق فواصل التاريخ وتركب تراتيل الضياع السابحة مع أجرام الكون الساطعة في سماء المدينة ... خفافيش الجبن تتحرك في لحظة مسروقة , تأوهات قلوب الضعفاء الجاثمين أمام بوابة القصر الملكي في انتظار بزوغ شمس الحق .. دقات طبول الفرح تنبعث من جنبات قصر مولانا أجساد العذارى تتمايل عل نغمات العود والبندير ... مرض الطاعون نخر الرعية ، ورجل يقرض الشعر يقف في تلك اللحظات أمام قاضي مولانا , وتعود نوارس الأمل إلى القصر حيث تتم المحاكمة ...
الشاهد الأول:
  سيدي القاضي لقد كتب على جدران المدينة أنها للبيع ...
الشاهد الثاني :
 وقال أن هارون الرشيد سبب مآسينا ...
الشاهد الثالث :
  و إن العدل غائب عن مدينتنا ...
تتسارع دقات القلوب لتحتضن ارتطامات جبل المدينة المنسية...وما أتعس ورود الربيع حين ترتوي من ماء الألم ... وعلى حين غرة جاء صوت القاضي يعلن هذا القرار :

باسم مولانا ... نعلن حكمنا بإعدام المتهم في ساحة المدينة أمام كل الشعراء حتى يكون عبرة لهم .... ودائما باسم مولانا نقرر :

  1. يعلق رأس المتهم على مدخل المدينة ....
  2. الاحتفال بكرنفال عظيم تتحدث عنه شهرزاد في حكايات ألف ليلة وليلة ... ويتوارى القاضي عن الجميع ويركض بائعو الكلمات في كل الاتجاهات، أعلام الزينة والأبهة تعلق في زوايا الشوارع ، أغاني الفرح تملأ بيوت الفلاحين والمعدومين فقط، سيقام كرنفال المدينة المنسية احتفلا بإعدام شاعر التعساء بحضور مولانا ... الأحياء تعج بالمارة ، حسابات اليوم الآخر في أذهان كل الناس ، زمن الفرح الغائب بين مخالب الجوع والعري يتهيأ لاجتياح مساحة القلوب .. غدا سيكون زمن آخر، يضيع كرنفال السعادة بإعدام شاعر التعساء أمام أعين مولانا فهل سيأتي هذا الغد ؟
المكان: فج الأخيار - الزمن : زمن آخر من أزمنة التاريخ ...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى