السبت ٢١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم محمد رشيد ناصر ذوق

حدائق الشيطان

( مندور ابو الدينار )

مسلسل حدائق الشيطان ، هل هو قصة الطاغية مندور ابو الذهب تاجر المخدرات الذي يزرع الحشيش ويفرض سطوته على المحيطين به الذين يهابونه ويستخدم عضوا في مجلس الشعب لتسيير مصالحه،أم هو نسخة معدلة للكثيرين من زعماء و قادة الدول في عصرنا الحاضر في كل البلاد التي لا يحكمها القانون بل يحكمها تسلط المال ، و لا يسيطر عليها القضاء و القضاة و بل رجال الموت المسمى عندنا القضاء و القدر .

و بالرغم من أن المسلسل مستوحى من حكاية حقيقية هي قصة عزت حنفي الذي كان من اكبر تجار المخدرات في الصعيد بأسيوط واعدم مع شقيقه قبل اسابيع في القاهرة. الا انه يسلط الضوء على الطريقة التي تتم بها المعاملات في اغلب الدول العربية، و كيف تتداخل المصالح و الشخصيات بين التجار و السياسيين ، لتصبح تجارة السياسة . بل كيف يصل الحاكم الى السلطة ، و كيف يمارس هذه السلطة ، فلا رقيب و لا حسيب ، و من يعترض على اي من تصرفاته ، فمصيره ( الغولة ) الاغلال ، فإذا كان سعيد الحظ و لم يودع السجن بتهمة ملفقة ، منع نشر كل ما يقول في وسائل الاعلام ثم محاربته في لقمة عيشه ، فيحرم من وظيفته و عمله ، الى تهديد أولاده و أهله ، وصولا الى الغولة التي تأخذ حياته الى غير رجعة .

وهذا النهج التسلطي ينطبق ايضا على الكثيرين من الموظفين في الادارات العامة بنسب مختلفة ، فنرى كيف يتعاملون مع الناس و كيف يظمون انهم مخولين بالتحكم برقاب و مصائر العباد و البلاد ، وإن كان مندور ابو الدهب يمارس تجارة ( المخدرات الممنوعة ) التي تؤمن له المال الكافي لبسط سلطته و المحافظة عليها ، فإن اكثر السياسيين في عصرنا الحاضر مارسوا و يمارسون دورا مماثلا في تجارة مسموحة،كالنفط ، و الخليوي ، والمقاولات .. الخ ، متجاوزين الممنوع فيها متلاعبين في القوانين ، في سبيل تحقيق ثرواتهم التي بدورهم يوظفونها في بسط تسلطهم على الناس
بل و أكثر من ذلك تراهم يؤسسون الجمعيات الإنسانية ليتخفوا وراءها في تحقيق مرادهم ،وترى الناقدة علا الشافعي ان الناس "تريد متابعة قصة امبرطور الصعيد الذي اثارت طريقة اعتقاله واعدامه .

ومعظم الناس تريد متابعة القصة و الخبرية من باب التسلية، و لا تهتم لخلفيتها الإجتماعية أو السياسية ، وهذا ما كان يحصل مع وليم شكسبير ، فأكثر الناس لا تعرف السبب الذي دفعه الى كتابة ( تاجر البندقية ) !!!!! مع الفارق أن الناس في عصره كانت تذهب الى المسرح ، بينما المسرح في عصرنا يأتي الى الناس في بيوتهم.

والقاسم المشترك في الموضوع إضافة الى الابداع الأدبي بين الكاتبين هو أن شكسبير كان يعيش في القرون الوسطى عندما كتب مسرحياته ، بينما في عصرنا تمارس اكثر الشخصيات السياسية سلطتها و كأنها تعيش في القرون الوسطى .

و الحق يقال ان كاتب " حدائق الشيطان " قد تجاوز شكسبير في إبداعه بتصوير الشخصيات فترى كل شخصية من شخصيات هذه الرواية وقد رسمت بإتقان ، ورغم ذلك ، فإن علا الشافعي ترى ان "السيناريو يتضمن عددا من الثغرات ابرزها استخدام فكرة الغولة لتخويف الناس التي اثقلته واضافت عليه عبئا لا مبرر له". و قد تكون فكرة علا الشافعي صحيحة إلا إذا اعتبرنا أن كاتب القصة يقصد بهذه الغولة الاغتيال أيضا ، و ربما يذهب اكثر من ذلك لتكون الغولة اسرائيل من وجهة نظر عربية رسمية ،او الارهاب من وجهة نظر اميركية . فنرى نموذجا من القرية العالمية الصغيرة التي يحكمها ( مندور أبو الدولار ) المتجبر والذي ينتهج القهر والعنف ويحكم أهالي القرية العالمية بالحديد و النار .

بالخلاصة فإن المتابع لمسلسل حدائق الشيطان، يستطيع أن يرى في كل حلقة وجها جديدا من وجوه هؤلاء السياسيين الذين يطلون علينا في نشرات الاخبار وفي محياهم ألف مندور ابو الدهب .

( مندور ابو الدينار )

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى