الخميس ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٤

المسكوت عنه/الحدث

ميساء قرعان ـ الاردن

باستطاعتنا أن نطلق تسمية المسكوت عنه علىكل ما يندرج في قائمة (العيب ) أوما يحرم الحديث حوله ،وليس من قبيل المبالغة اعترافنا بأن مشكلاتنا المسكوت عنها تفوق بكثير تلك التي قد نتناولها بالبحث ،وأن أبواب بيوتنا المقفلة تخبئ خلفها آلاف المعذبين بالصمت ومن كلا الجنسين أزواج وزوجات وثمرات الزواج من الأبناء ، وذلك بسبب سيادة أنماط معينة من التفاعل مع المشكلات الاجتماعية ليس على مستوى المهتمين فقط وإنما على مستوى المجتمع ككل ،فالمهتمون سواء كانوا مثقفين أو باحثين فإن إسهاماتهم في أغلبها تكاد تنحصر بملامسة قشور القضايا دون الغوص فيها وقد يكون في سيادة نمط آخر من التفاعل على المستوى الاجتماعي ما يبرر تخوف المهتمين من التعمق فيها ،إذ كيف يجرؤ الباحث أو الصحفي على التعمق بموضوعات ومشكلات أصبحت لدى أصحابها أو المعذبين بها جزءا من حياتهم اليومية التي يحاولون إما الهروب من مواجهتها أو تجميلها بإضفاء أي مبرر يخلصون من خلاله إلى تجاهلها ،إلا أن هذا الهروب الذي غالبا ما يدفع بثقافة العيب وما تسدله من ستائر لإخفاء الحقائق لم يضف سوى مزيدا من المآسي والأمراض النفسية والاجتماعية ،فلم تزل معظم مشكلات الحياة الزوجية على سبيل المثال لا تشكل سوى استفسارات مفتوحة وحتى حينما ندعي بأننا قد توصلنا إلى مفاتيحها فإننا سرعان ما نكتشف بأننا لم نزل نراوح مكاننا .

إن هذه الضبابية التي نغلف بها مشكلاتنا والتي تفضي إلى استنتاجات في حدها الأعلى مشوشة قد تختصر أسبابها بهيمنة مفردتي (العيب والحرام) اللتين تلعبان في واقعنا دورا معوقا لأي إسهام جاد في هذا الاتجاه ، فما ليس محرما الحديث فيه قد يكون عيبا ، ولذا نجد أن الشخص يكون ابعد ما يكون عن محكات مشكلته الحقيقية إذا ما قرر الحديث عنها ، وبدون تعمد مسبق ، فهو ببساطة يستنفذ معظم طاقته في استخدامه آليات الدفاع التي يرى أنها تبقي على صورته من منظور الآخرين ، مما يدفع به إلى التركيز على أسباب هامشية تقيه من أي انتقاد مرتبط بالقيم الاجتماعية السائدة ، أن حالة المقاومة هذه من شأنها أن تحفظ للشخص ما يهتم بالحفاظ عليه ومن شانها أيضا أن تساعده في التحايل على نفسه أو إيهامها بتفاهة ما يعاني ، وتساعده في اتخاذ حلولا سريعة ، غير أنها دون أدنى شك تكون السبب الكامن وراء تفجر أزمات غير متوقعة وبدون سابق إنذار ،ذلك أن المسكوت عنه يتضخم مع تقادم الزمن ويبحث عن متنفساته وإن كانت كارثية في بعض الأحيان

ميساء قرعان ـ الاردن

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى