الأربعاء ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم هشام آدم

شــاهـينـــاز

"استقراء الروائح التي تعجن المساحة الفراغية، أمر مرهق" – قالتها بامتعاض لم تستطع أن تخفيه من رائحة عرق الكمساري الذي عندما فطن إلى ذلك علّق نفسه على بوابة الحافلة واصطنع البلاهة. كنّا عندها أمام نصب عبد اللطيف ألماظ، وأنا متكئ على إحدى المقاعد الجلدية الساخنة بفعل حرارة رابعة النهار، أكتم ضحكة تكاد أن تخون شفتي. "هو شخصٌ طيّب .. والذي على قلبه على لسانه" فتدلى لسانه ذات منعطف بينما لم يظهر أنه يفعلها من أجلنا.

* كيف لكَ أن تحكم على الآخرين من خلال الرائحة؟!

كان السؤال ككرة الثلج المنحدرة من سفح ، تستدعي إجابتها إجابات على أسئلة أخرى لم تطرح بعد، فاكتفيت بهزّة كتف غير ملحوظة. "الأركسونا بدعة برجوازية" – فقط لأخرج من الحرج-، لم تكن شاهيناز ترى في جو الخرطوم النهاري خاصةً إلاّ مصيدة للمشاعر السالبة، لذا فقد كانت مستفَزة طوال الوقت. وفي منتصف الطريق، توقفت بطريقة حازمة، لتخبرني بأنها ألغت مشروع زيارتها لمنزلي الكائن في إحدى الضواحي البائسة.

في الخفاء، عندما كان طارق تمبول يحاول إقناع الآخرين بصوته مستغلاً أغاني مصطفى سيد أحمد وسيف الجامعة، كانت تعرض لي مهاراتها في التدخين، وكنتُ أتعجب كيف لفتاةٍ بفمٍ صغير كحبة الكرز البري أن تستقبل هذا الدخان لتعود فتخرجه من أنفها كتنين أسطوري مخيف. وتغمض عينيها في نشوة بادية. ما صدمني في نهاية العرض معرفتي بأن السيجارة كانت محشوة بالبنقو!! "الراحة للجميع" – فقط لتقمع فيني شبهة البدوي المتطرف الذي أخرج رأسه عندما فغرتُ فمي مثلما يفعل رحّالة مبتدأ يحاول عبور الصحراء الغربية على قدميه.

أعجبني سلوكها الاستقلالي، رغم أني كنت لا أكف عن التلّفت خشية أن يرانا أحد. ولا أدري لماذا كانت تتناوشني فكرة أن صدرها الممتلئ بالنيكوتين سيؤثر مستقبلاً على مذاق حليب الرضاعة، فكنت أشفق على أطفالها الذين كانت لا تنوي السماح لهم بزيارة الوطن بعد عمرٍ طويل. وبطريقة آثمة أخبرتني أنها سوف تعوّضني بليلة حمراء في منزلٍ بالقرب من الجامعة، دون أن نضطر إلى العبور فوق روائح العرق النتنة! الطُهر مسألة نسبية، بينما الإخلاص أمر إرادي مطلق. ربما كان هذا الاستنتاج متأخراً، عرفت ذلك من الآخرين فيما بعد.

كانت تلك هي المرة الأولى والأخيرة التي أتذوق فيها الجنس بنكهة البيتزا ، وربما كانت الأولى على الإطلاق التي أعرف فيها علاقة الجنس بالإضاءات الخافتة. ربما لرمتالي مثلي أن يعتاد على ممارسة الجنس في الظلام ، واختبار الوقت قبل اختبار الدورة الدموية. هكذا عودتنا بنات الديم والسكن العشوائي! البيتزا والشمبانيا والجنس الأرستقراطي هي الأشياء التي لم تتكرر في حياتي بعد تلك الليلة، عندما ربّتت على صدري في امتنان بعد انتهاء الحوار الجسدي "عفارم عليك!" ولم أفهم سر ابتسامتها وهي ترتدي الروب فوق جلدها العاري. "لا تقلق سوف نعود حيث لن نجد فسحةً لمكالمة هاتفية حتى!" وبعد أسبوع سمعت أنها تزوجت وسافرت مع زوجها إلى إحدى دول الخليج.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى