الأربعاء ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم ريمون جرجي

نشاطات احتفالية حلب ... أزمة ثقافة أم أزمة مثقفين

عروض أفلام سينمائية في ظل تظاهرة "مسارات النور ..أفلام من الدول الإسلامية " فخلالها تم تكريم الفنان الشهيد مصطفى العقاد ابن حلب من خلال ندوة عنوانها " مصطفى العقاد مبدعاً وشهيداً " ، التي حضرها أساتذة وفنانون كبار كالأستاذ محمد الأحمد مدير عام مؤسسة السينما والفنانة منى واصف والفنان المصري فاروق صبري والأديب وليد اخلاصي والفنان أسعد فضة وغيرهم من الأدباء والفنانين والأساتذة الذين تحدثوا عن حياة ومسار عمل الفنان الشهيد مصطفى العقاد وذكرياتهم معه ، فالصورة المنشورة في الجريدة المحلية بينتْ بعد التدقيق بها أن عدد الحضور لما يتجاوز صفوف المقاعد الثلاثة الأولى من مقاعد صالة سينما بلاد الشام بينما بقيت أغلبية المقاعد خالية!!! ، فمن العروض من حضرها ثلاثة أشخاص ، وأكبر عدد للحضور بعد يوم الإفتتاح هو عشرون شخصاً فقط مع أن الدخول مجاني 100% ، والقاعة تعد من القاعات الراقية والمعروفة جداً في حلب وهي سينما فندق شهباء الشام.

كان عدد الحضور مفاجئاًً لي الذي لما يتجاوز العشرين شخصاً عند حضوري للفيلم الهندي بما فيهم موظفي الصالة ، وحيث أن غياب منظمي المهرجان أصحاب الإحتفالية كان ملفتاً جداً ومقلقاً للغاية ، فهل ياترى أن الإعداد توقف عند الإعلان عن موعد النشاط فقط ، وأن حضوره من قبل المنظمين لاداعٍ ولا أثرله !!!!! .

حتماً لدينا مشكلة إعادة تعويد الناس على الذهاب إلى قاعات السينما كنوع من النشاط الاجتماعي والثقافي الراقي ، ولكن أيضاً لدينا ضعف في تنظيم وإعداد أو إعلان هذه النشاطات ( كفانا نقداً للجو السائد والتباكي على انحسار الثقافة ومشجعيها ، فلنسمع الطرف الآخر عما يقوله عن أسباب عزفه عن حضور النشاطات الثقافية ، ولنسأل أنفسنا لماذا يحضر المئات بعض المحاضرات والندوات بينما لايحضر إلا القلة المحاضرات أخرى !! ، فهل من المعقول أن حلب ذات الأربعة مليون نسمة لايوجد فيها سوى عشرين شخصاً فقط ليحضروا فيلما سينمائياً مجانياً ضمن نشاطات احتفالية وصلت أخبارها كل دول العالم ، ألا ُيقلقكم هذا الأمر أيها السادة !!!.

كان هناك محاضرات ضمن الاحتفالية لم يحضرها سوى خمسة أوعشر أوعشرون شخصاً لا أكثر ، فهل تعاني حلب من أزمة ثقافة أم أزمة مثقفين أو هو تقصير في التنظيم وضعف في التواصل أوسوء في الإعداد؟ أم هو نتيجة تجارب سابقة أدت إلى العزوف عن الحضور !!!! .

لايمكن التوسع والتنظير في البحث عن الأسباب نتيجة لضعف البيانات وطغيان المجاملات ، ولكن سأستعرض لكم ما رأته عيناي وما لمسته من انطباعات: فعندما حضرتُ ( ولو متأخراً بسبب العمل ) قراءة كتاب " تهذيب الأخلاق للجاحظ " في مديرية الثقافة في حلب ، ولا أخفيكم أنني تفاجئت بعدد الحاضرين الذي بلغ سبعة عشر شخصاً فقط دون أية مبالغة .

فالمحاضرة التي كان الإلقاء فيها سطحياً ، مبعثراً ، ركيكاً ، بحسب رأيي أنا ورأي رجل أكاديمي مشهود له على الصعيد الثقافي الحلبي ، فكتاب الجاحظ موضوع المحاضرة يخص زمناً قديماً عاش فيه الجاحظ لا عالمنا اليوم فهل تتقبلون اليوم بعض ما قاله الجاحظ وتلاه علينا المحاضرعلى سبيل المثال لا الحصر : " تجنبوا السماع أي سماع الأغاني لأن فيها يكمن فساد الأخلاق ، وإن كان لابد من السماع فتجنبوا سماع الأصوات النسائية لأن فيها إثارة ".

أما تساؤلاتي التي توجهتُ بها للمحاضر، والذي لم يُجب على أي منها بل لملم أوراقه ورحل بعد عدة مداخلات أخرى ، فكانت : ماهو المغزى من هذه القراءة ؟ وماهي الإسقاطات التي كان يؤمل منها عند إسقاطها على واقعنا اليومي ؟ وماذا استفاد الذي حضرها ؟ وبماذا سيخرج من إضافات لثقافته عند مغادرته باب القاعة ؟ وكيف سيبرر لنفسه ولغيره عن سبب حضوره وتفضيله لهذا النشاط عن باقي النشاطات والفعاليات الأخرى ؟ .

أسئلتي للقائمين على هذه الإحتفالية التي أفخر بها كوني ابن حلب (وقد كتبتُ ذلك في مقالات سابقة) فهي:

هل من الضروري أن يكون المثقفون المحاضرون من الأكاديميين دائماً ؟
ماهو دور الشباب ومساهمته في طرح الأفكار أو المشاركة في الندوات أو الحوارات ؟
هذا الكم الكبير من النشاطات التي لا يحضرها إلا القلة!!! أهي الهدف أم أنها الوسيلة لدفع الحراك الثقافي في حلب ؟
ماهو معيار انتقاء أسماء المحاضرين المشاركين ضمن نشاطات الفعالية ؟ وهل غطت الفعالية جميع أوجه النشاطات الثقافية المعاشة حالياً ( أهي العلاقات أم المكافآت )؟
إن كانت هذه الإحتفالية قد أظهرتْ أن هناك أزمة ثقافية تعيشها حلب وافتراضاً أن مدناً غيرها أيضاً ، فهل يمكن إطلاعنا على كيفية معالجة هذه الأزمة ولماذا لا تُطرح على الحوار والمناقشة ؟
ماهو رأي الأدباء والمثقفين والمحللين لظاهرة تراجع الاهتمام الثقافي لدى المجتمع ؟ هل هي " أزمة ثقافة أم أزمة مثقفين "؟

ختاماً ، أتقدم بتحياتي وشكري لكل القائمين على نشاطات الاحتفالية ، ومقالي هذا أبداً ليس لإنتقاص جهدهم وإنما هو تحذير لما تعانيه حلب العاصمة من أزمة في الثقافة والأدب ، واستشهد بكتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب الذي قال : " من حذركَ كمن بشركَ ".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى