الثلاثاء ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٤

لسنا عربا

الكاتب الاردني موفق حدادين

في مساء تلفزيوني واحد, وعبر ثلاث محطات فضائية عربية, هي المستقلة والجزيرة ومحطة دريم, سمعنا تصريحات مثيرة للغثيان والسذاجة من ثلاثة »عربان« استهجنوا فيها عروبتهم واعلنوا التنصل منها.

ففي برنامج حواري حول محاكمة الرئيس العراقي بثته المستقلة, اعلن عراقي من مجلس بريمر انه ينتمي الى الامة العراقية ولا يعترف بأية امة اخرى في العراق, ولا وجود للعرب في العراق, وفي برنامج بثته الجزيرة حول فتح ليبيا قواعدها ومنشآتها واراضيها امام الاميركيين, قال مسؤول ليبي, انه لم يعد ضرورة لهذه المنشآت لأن جماهيرته العظمى جدا لم تعد عربية.. وختم الامسية عجوز مصري في محطة دريم بالتأكيد على ان مصر لم تكن ولن تكون عربية.

والطريف في امر الرجال الثلاثة ان سحنتهم ولكنتهم كانت بدوية خالصة ولم يمر على اسلافهم الاقربين اية اعراق اخرى كما هو شائع عموما لدى اصحاب هذا التيار.

الرجال الثلاثة من ليبيا والعراق ومصر ليسوا الحالة الاولى ولن يكونوا الاخيرة في الحملة الاميركية -الاسرائيلية المشبوهة ضد الامة.. بل انهم يثيرون الشفقة والرثاء المعرفي والثقافي اكثر مما يثيرون الحنق.. وقد عرفنا حالات اخطر بكثير من هؤلاء في لبنان وفلسطين والجزائر والمغرب, بل ان بعض السعوديين واليمنيين من اهل عدنان وقحطان قالوا كلاما مشابها.

ولم يكن صعبا ملاحظة بعض التجاوب الشعبي مع امثال هؤلاء في حالات الهزيمة واليأس, التي يجري تحميل (الامة التي لا يعترفون بوجودها) مسؤولية هذه الهزيمة.

وقد لا توجد حالة عربية واحدة, لم يقم فيها الشعب العربي في هذا البلد او ذاك بالاصطدام مع هذه الثقافة كلما داهمته الخطوب.. وليس مفاجئا ان نعرف ان الصحراويين اعلنوا انهم ليسوا عربا لأن الجامعة العربية رفضت الاعتراف بهم, وفي الوقت نفسه سمعنا في حينه كلاما من كتّاب مغاربة انهم ليسوا عربا لان العرب يتواطئون مع الصحراويين.. وهكذا.

وكانت مراكز الدراسات الاميركية والاسرائيلية تزود عشرات المثقفين واشباه المثقفين الاقليميين او الطائفيين المأجورين بتأويلات شتى لتكريس هذه المسألة.

والمفارقة هنا ان هذه التأويلات التي يجري تسويقها في قنوات ليبرالية!! تنتمي معرفيا الى القاموس النازي-العرقي الذي يضخم المظاهر الثقافية والاجتماعية الخاصة ويحولها من اعراض غنية تعددية لجوهر واحد الى جوهر بحد ذاتها.

الامة, ليست عرقا ولا ثقافة كلية شديدة التجانس وليست معطى خارج التاريخ.. الامة محصلة تفاعل كل الجماعات والاعراق والاديان في سياق تاريخي-جغرافي يتجه نحو استقرار قومي خاص مع سيادة بطيئة تستغرق قرونا عديدة لقوة ولغة محددة مشفوعة دائما بشروط موضوعية خاصة انضجتها الرأسمالية خصوصا.

وبهذا المعنى فالعرب اكثر امة متعددة وواسعة الطيف والخصوصيات.

وبهذا المعنى, هي مستهدفة ايضا حيث تحاول اسرائيل وظلالها العربية الواعية وغير الواعية, المأجورة او الساذجة او الموتورة او المريضة, تفكيكها وتمزيقها واخذ دورها.

الكاتب الاردني موفق حدادين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى