الاثنين ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٣
بقلم فريد الفالوجي

من ملفات الجاسوسية - الجاسوس ماريو "محمد ابراهيم كامل " ـ الحلقة الثانية والأخيرة

كانت قد نسيته بعدما مرت عدة أشهر منذ التقت به في خان الخليلي حيث تعمل بائعة في محل للأنتيكات والتحف. وبعدما تردد عليها عدة مرات عرضت عليه السفر معه الى إيطاليا لتشتري سيارة لتشغيلها سيارة أجرة في القاهرة .. فوعدها بأن يساعدها ثم اختفى فجأة ولم يعد يذهب اليها . . حتى جاءتها رسالته تحمل طابع البريد الايطالي وعنوانه وتليفونه هناك.

أسرعت زينب بالخطاب الى خالها الذي يتولى أمرها بعد وفاة والديها، ولكنه عارض الفكرة وعندما رأى منها إصراراً رضخ للأمر ووافقها..

سنوات وزينب تحلم بالسفر الى الخارج للعمل. لقد بلغت الرابعة والعشرين من عمرها، ولم ترتبط بعد بعلاقات عاطفية تعوق أحلامها. لذلك تفوقت في دراستها بكلية الآداب – جامعة عين شمس وعشقت اللغة الإنجليزية عشقاً كبيراً. . والتحقت بعد الجامعة بالعمل في خان الخليلي بالقرب من بيتها في شارع المعز لدين الله بحي الجمالية. . حيث مسجد الحسين ورائحة التاريخ تعبق المكان وتنتشر على مساحة واسعة من الحي القديم العريق.

حجزت زينب تذكرة الطائرة ذهاباً وإياباً على طائرة مصر للطيران .. وبحقيبتها كل ما لديها من مال وفرته لمثل هذه الفرصة. وفي مطار روما كان ماريو بانتظارها يملؤه الشوق لأول الضحايا الذين سيجندهم للعمل لصالح المخابرات الاسرائيلية.

وعندما رأته كانت كمن عثر على شيء ثمين. إذ صدمتها اللغة الإيطالية التي لا تعرف منها حرفاً واحداً. . وسرت كثيراً عندما وجدت ماريو يتحدث بها "كالطليان" أصحاب البلد. اصطحبها الى فندق رخيص في روما ثم تركها لتستريح وذهب هو الى مسكنه ليرتب خطة تجنيدها التي رسم خطوطها عدة مرات. .

وفي الصباح ذهب الى الفندق حيث كانت الفتاة تنتظره فأخذها في جولة رائعة بسيارته لمنتزهات روما وأماكنها السياحية. ثم ذهب بها في اليوم التالي الى أماكن بيع السيارات المستعملة. معتمداً أن يرفع لها أسعار السيارات مستغلاً جهلها باللغة الايطالية. . واعتمادها عليه أولاً وأخيراً.

وتعمد أيضاً أن تطول مدة إقامتها في روما للبحث عن فرصة شراء سيارة أفضل وأرخص وأقنعها بشراء فيات 125 دفعت فيها معظم ما تملكه من مال. . وما تبقى معها كان يكفي بالكاد مصاريف الشحن الى الاسكندرية.

وصدمت الفتاة بعدما تبين لها أن فاتورة الفندق امتصت النصيب الأكبر من نقودها .. ولم تعد تملك مصاريف الشحن كاملة. لقد خدعها ماريو عندما ذكر لها أرقاماً تقل بكثير الحقيقة عند شحن السيارة.

صيد الغزلان

تركها ماريو لعدة أيام دون أن يتصل بها بحجة أنه كان في ميلانو. وبكت زينب في حرقة وهي تحكي له عن حالها. . وكيف انها لم تعد تملك أية أموال لتعود الى مصر بالسيارة الواقفة أمام الفندق ومتوسلة رجته أن يساعدها فوعدها بذلك.

ومرت ثلاثة أيام أخرى كانت زينب قد باعت حليها ولم تتبق معها سوى ساعة يدها الجوفيال التي لا تساوي شيئاً يذكر.

حاصرها ماريو جيداً وأفقدها التفكير واستعمل معها أسلوب "صيد الغزلان" بأن أغلق أمامها كل الطرق.. وترك لها فتحة ضيقة لتنفذ منها الى شبكته لتقع فيها ولا تخرج. وظهر لها فجأة بعد غياب عدة أيام معتذراً بشدة .. واصطحبها للعشاء بأحد المطاعم الراقية. . وبعد أن جلسا عزفت الموسيقى مقطوعة إيطالية شهيرة عنوانها "مولتي جراتسي ميو أميتشو" أي "شكراً جزيلاً يا صديقي" فقالت زينب لماريو:
  طلبت منك قرضاً أرده لك في مصر فلم تجبني.

اعتدل ماريو في مقعده وقال بسرعة:
  نعم . . نعم . . لا مشكلة إذن . . بعد غد سأتلوى شحن سيارتك الى الاسكندرية.

  ولِم بعد غد؟

  مشغول أنا غداً. . ولا أملك وقتاً مطلقاً "قالها ماريو وتعمد ألا ينظر لوجهها".

  لقد وعدتني أن تدبر لي عملاً هنا في روما. فإن ذلك سيعفيك من إقراضي أية أموال.

  ماذا تقولين؟ ألم أخبرك أنني أبحث بالفعل عن عمل مناسب لك؟

  أنت تقول "قالتها زينب مليئة بالحسرة والإحساس بالندم"

فما كان من ماريو إلا أن أجاب:
  عموماً . . بعد غد ستكون سيارتك على ظهر السفينة. أفهمت؟

وفي تلك اللحظة .. اقترب منها رجل وسيم تعدى الخمسين بقليل وقال بالإنجليزية بأدب جم:
  أتسمحان لي بأن أطلب من إدارة المعطم إغلاق جهاز التكييف الحار حتى لا نصاب جميعاً بالبرد عند الخروج؟

ردت زينب في حماس بالغ ممزوج بالعرفان:
  تفضل . . وشكراً يا سيدي

أردف الرجل قائلاً:
  معذرة . . هل أنت تونسية؟

أجابته بأن لكنتها تدل على ذلك وضحكت وقالت في افتخار:
  أنا من الجمهورية العربية المتحدة. من القاهرة.

هتف الرجل سعيداً:
  أوه . .ناسر . . يا له من زعيم عبقري.

وفي حركة مسرحية سريعة مد الرجل يده الى محفظته.. وأخرج منها صورة لعبد الناصر يشرب من "القلة" ويجلس على الأرض بجوار صلاح سالم وأردف قائلاً:
  تمنيت أن أراه وأصافحه ذات يوم. فهل يتحقق لي ذلك؟

  تعال الى القاهرة يا سيدي وأعتقد أن ذلك ليس بالشيء الصعب.

هكذا قالت زينب بفخر، وهي تتكلم الانجليزية بطلاقة. .، وتكلم ماريو يخاطب الرجل بالإيطالية:
  أنتم تكرهون ناصر في الغرب . . وفي الشرق تتوقف الحياة تماماً حينما يتكلم .. تناقض غريب.

أجاب الرجل في بشاشة:
  نعم يا سيد .. ؟

  ماريو . . ماريو إيجتسيانو "ماريو المصري".

  نعم . . نعم سنيور ماريو هذه حقيقة لا ننكرها.. فمنذ أزمة القناة والغرب لا ينسى ذلك لناصر أبداً.

واعترضت زينب على حوارهما بالإيطالية فقال لها ماريو إن لغته الإنجليزية ضعيفة جداً .. وجاءت فاتورة الحساب ففوجئت زينب بالرجل الغريب يصر على دفعها.. وعندما تمسك ماريو بأريه قال الرجل:
  إذن .. هلا قبلتما دعوتي على العشاء غداً؟

أجاب ماريو موافقاً بينما تحرجت زينب ثم فاجأهما ماريو بإعلان اعتذاره لارتباطه طوال الغد .. فأبدى الرجل الأنيق تفهمه ونظر الى زينب فتراجعت الكلمات على لسانها .. عندها لم يمهلها وقتاً طويلاً لتفكر وقال موجهاً حديثاً اليها أنه سيلتقي بها في الثامنة مساء الغد في مطعم "فريسكو" .. فقالت زينب في اضطراب "بعدما نظر اليها ماريو موافقاً" إنها لا تعرف الأماكن جيداً. وبدأ الرجل سيلاً من الأسئلة عن جوانب حياتها فأجابته زينب بحسن نية وأخيراً قال لها في دبلوماسية شديدة تدل على خبرة عالية في إدارة حوار:
  لقاء الغد ستترتب عليه أشياء كثيرة مهمة لكلينا .. !!

وبعد انتهاء السهرة صحبهما بسيارته الفارهة وأنزل زينب أمام فندقها وانصرف. . وقضت هي وقتاً طويلاً تفكر فيما يقصده بعبارته الأخيرة. وماذا سيترتب عليها من أشياء مهمة؟؟

وفي مساء اليوم التالي كان في انتظارها بردهة الفندق كما اتفقنا بالأمس . . وأخذها في جولة ليلية بنوادي روما وشوارعها ثم دلفا معاً الى مطعم فريسكو الشهير .. حيث الأنواع الغريبة من الأسماك والمحار وكائنات بحرية مدهشة.

كان الرجل قد التمس مكاناً هادئاً في ركن بعيد وتوقعت زينب بأنه من زبائن المطعم المعروفين، للاحترام الجم الذي قوبل به. ولكنه انتشلها من حيرتها وقال لها بحرارة:
  آنسة زينب .. منذ الأمس وأنا في حيرة شديدة. . وكما تعلمين فأنا رجل أعمال بريطاني معروف . . والذي لا تعرفينه أنني انفصلت عن شريك لي منذ مدة قصيرة .. وكنت أنوي توسيع أعمالي في لندن لكن أشار علي البعض باستثمار مشاريع إنمائية في جنوب أفريقيا . . وقمت بالفعل بالسفر الى جوهانسبرج وزيارة كيب تاون وحصلت على بعض تقارير اقتصادية لتساعدني في اتخاذ قراري. حتى كان لقاء الأمس الذي سبب لي حيرة شديدة فبرغم حبي لناصر إلا أنني لم أفكر من قبل في السفر الى القاهرة لدراسة السوق المصرية وإقامة بعض مشروعاتي بها.

وتنهد الرجل فيما يشبه إحساساً بالندم وأردف:
  إنني الآن – وبإصرار وثقة – أريد اقتحام السوق العربية من خلال مصر. ومن خلالك أنت.

قالت له زينب في دهشة:
  من خلالي أنا؟

  نعم . . فأنت مصرية وجامعية طموحة .. تملكين اللغة العربية والإنجليزية والثقافة. . ويمكنني الاعتماد عليك في إعداد تقرير اقتصادي عن أحوال مصر الاقتصادية ومشاكل التنمية بها ومعوقات السوق. ومن خلال هذا التقرير سأقرر ما إذا كنت أستطيع إقامة مشاريع إنمائية في مصر من عدمه. ولذلك فهذا الأمر مهم بالنسبة لي ولك .. لأنك ستكونين مديرة لفرع القاهرة وتملكين حق اتخاذ قرارات لصالح مؤسستنا.

حلم اليتيم

انفرجت أسارير زينب وهللت بشراً وسعادة لهذا الخبر المنهمر الذي أغدق عليها فجأة. كانت تجلس أمامه ولا تملك بحقيبة يدها سوى ستة وعشرين دولاراً وبضع ليرات إيطالية لا تكفي ليوم آخر في روما. . واغرورقت عيناها بدموع الفرح عندما فاجأها قائلاً:
  ومنذ اليوم سيكون راتبك ثلاثمائة دولار شهرياً.

صرخت بأعماقها لا تصدق أن غيمة النحس قد انقشعت . . وأن الحياة عادت لتضحك من جديد.. لقد مرت بها سنوات من الجوع والحرمان والحاجة .. وكلما ارتقت درجة من درجات الأمل انزلقت الى الوهم وأحلام الخيال. الآن جاءت أحلام الواقع لتزيح أمامها الأوهام فتتراجع القهقري.

كانت تبدو من قبل وكأنها تغرق في لجج من ماء ذي قوام .. الآن تطير في سماوات من الصفو اللذيذ. أخيراً تحقق الحلم الذي طال انتظار اليتيم له. حلم ليس بالمستحيل ولكنه كان المستحيل نفسه.

يا الله.

قالتها زينب وهي تتنهد فتغسل صدرها الصغير من تراكمات اليأس وخيوط الرجاء.

أوصلها الرجل الى الفندق بعدما منحها 600 دولار مرتب شهرين ودفع عنها حساب الفندق. وفوجئت زينب بماريو يسرع بحشن سيارتها ودفع مصاريفها ويودعها بالمطار.

وفي مقعدها بالطائرة أغمضت عينيها وجلست تفكر في أمر ماريو. لقد أخبرته بأمر الجل فأظهر موافقته. وبرغم كونه تاجراً لم يأخذ منها مصاريف الشحن . . بل ألح عليها كثيراً لكي تأخذ منه مائة دولار في المطار. وسلمها حقيبة هدايا بها علبة ماكياج كاملة وزجاجتا بارفان وحزام جلدي أنيق.

تشككت زينب في هذه الأمور وأخذت من جديد تستعرض شريط ما مر بها في روما. وتذكرت الدورة الارشادية التي حضرتها في أحد مدرجات جامعة القاهرة قبل سفرها بأيام. كان المحاضر يشرح أساليب الموساد في اصطياد المصريين في الخارج. ولأن ماريو مصري مثلها ومجريات الأمور كلها كانت شبه طبيعية.. فقد طردت وساوسها التي تضخمت الى حين .. وقررت أمراً في نفسها.

وفي مطار القاهرة انتحت بأحد الضباط جانباً وسألته سؤالاً واحداً. وفي اليوم التالي . . كانت تستقل سيارة صحبتها الى مقر جهاز المخابرات المصرية.. قالت كل شيء بدقة وسردت تفاصيل رحلتها الى ايطاليا وكيف خدعها ماريو لتنفق كل ما لديها من نقود. وحكت ظروفها النفسية السيئة التي مرت بها وكيفية تقرب رجل الأعمال البريطاني منها في تلك الظروف. وكيف شحن ماريو سيارتها الى الاسكندرية على نفقاته.. وهو التاجر الذي يسعى للكسب. . ؟ بل إنه عرض عليها مائة دولار أخرى. ولماذا لم يعطها رجل الأعمال عنوانه في بريطانيا لتراسله وتبعث اليه بالتقارير التي طلبها؟ لقد أخبرها أن ماريو سيسافر الى القاهرة عما قريب وعليها أن تسلمه التقرير الاقتصادي الوافر الذي ستعده عن مصر.

وتذكرت زينب أيضاً كيف أن ماريو طلب منها في المطار أن تهتم جيداً بالعمل الذي أوكل اليها ولا تهمله. وعندما سألته هل لديك عنوان مكتب رجل الأعمال ؟!! أجاب بنعم في حين أنه من المنطقي أن يكون معها عنوانه. لقد سلمها 600 دولار وهي بلا شك لقاء قبولها التجسس على وطنها.

صراع العقول

وفوجئت زينب بما لم تتوقعه على الإطلاق . .صور عديدة لها مع ماريو . .قال ضابط المخابرات المصري أن المخابرات العربية على علم بأمره . . وتراقب تحركاته وتنتظر دليل إدانته وقال لها أيضاً:

  إن إسرائيل منذ قيامها في عام 1948 وهي تسعى بشتى السبل لمعرفة كل ما يجري في البلاد العربية من نمو اقتصادي وتسلح وما لديها من قوات وعتاد .. ولذلك لجأت لشراء ضعاف النفوس والضمائر وجعلتهم يعملون لحسابها.. وينظمون شبكات التجسس المتعددة في العواصم العربية. . حتى إذا كشفت واحدة تقوم الأخرى مكانها وتتابع نشاط جواسيسها. وتنفق إسرائيل الملايين على هذه الشبكات للصرف عليها.

وأن السبب الرئيسي لسقوط بعض الأفراد في مصيدة المخابرات الإسرائيلية هو ضعف الحالة المادية. وبالإضافة الى الأموال الطائلة التي تنفقها الموساد على عملائها. . فإنها تغرقهم أيضاً في بحور الرغبة وتشبع فيهم نزواتهم . . وبذلك تتم له السيطرة عليهم.

لذا .. فقد أعلنت المخابرات المصرية في يناير عام 1968 بأنها ستساعد كل من تورط مع العدو .. ووقع في فخ الجاسوسية بالإغراء أو التهديد. وأنها على استعداد للتغاضي عن كل ما أقدم عليه أي مواطن عربي .. إذا ما تقدم بالإبلاغ عن تورطه مع الموساد مهما كان منغمساً في التجسس . . وذلك لتفويت الفرصة على المخابرات الإسرائيلية.
ووعد الزعيم جمال عبد الناصر صراحة بحماية كل من تورط بالتجسس لأي سبب. وقد أسفرت هذه الخطة عن تقدم سبعة مصريين الى جهاز المخابرات المصرية يعترفون بتورطهم ويشرحون ظروف سقوطهم.

وأضاف الضابط:
  لقد تكلمنا مع ماريو عدة مرات من قبل . . وأفهمناه بطريقة غير مباشرة بأننا على استعداد لمساعدة المتورطين دون أن يعاقبوا. لكن يبدو أنه استلذ أموال الموساد. وسيسقط على يديك يا زينب لأننا سنحصل على دليل إدانته من خلالك.

ووضعت المخابرات المصرية خطة محكمة لاصطياد ماريو..

وفي أول اتصال هاتفي من روما بعد أيام من وصولها.. أخبرته زينب بأنها مشغولة "بترجمة الكتاب" – وهو مصطلح سبق لهما أن اتفقا عليه – وعندما سألها عن المدة التي تكفي لإنجاز "الترجمة" لأنه ينوي المجيء لمصر بعد يومين طلبت منه – حسب الخطة – أن يتأخر عدة أيام حتى تنجز العمل.

اطمأن ماريو وصديقه لردود زينب .. وقنعا بأنها منهمكة في إعداد التقرير . . فلو أن هناك شيء ما يرتبت في الخفاء لما ترددت في إيهامه بأنها أنجزت ما طلب منها ..

وفي مكالمة أخرى بعدها بثمانية أيام . . زفت غليه النبأ الذي ينتظره . . وينتظره أيضاً رجال الموساد في روما. . وعلى ذلك أكد لها بأنه سيصل الى القاهرة عما قريب.

سقوط الخائن

وبعد اللقاء المسجل بالصوت والصورة. اتجه الخائن الى شارع نوال بالدقي حيث شقة زوجته تغريد. فمكث معها يوماً واحداً وحمل كاميرته الخاصة التي تسلمها من الموساد وركب الى الاسكندرية بالطريق الزراعي . . يصور المنشآت الجديدة التي تقوم على جانبي الطريق . . ويراقب أية تحركات لمركبات عسكرية أو شاحنات تحمل المدرعات . . وأمضى مع زوجته وجيدة عدة ساعات ثم عاد الى القاهرة مرة ثانية بالطريق الصحراوي .. وكرر ماريو هذا السيناريو لمدة أسبوع بشكل متصل..

كان إخلاصه للموساد قوياً كعقيدة الإنسان أو إيمانه بمبدأ ما.. فآلاف الدولارات التي حصل عليها من الموساد بدلت دماءه وخلايا مصريته وأعمته عن عروبته.. وجعلت منه كائناً فاقد الهوية والشعور .. بل كان لأموال إسرائيل الحرام فعل السحر في قلبه وزعزعة ثوابت إسلامه. فلقد نسي أن اسمه محمد ابراهيم فهمي كامل . . مسلم .. من مصر . . وأن ماريو ليس اسمه الحقيقي الذي ينادى به. وفي إيطاليا كثيراً ما مر على مساجد روما – دون قصد – فكان يتعجب ويتساءل: ماذا يعني الدين والأنبياء والرسل؟ إن الدين هو "البنكنوت". .

وعندما اتصلت به معشوقته جراتسيللا – عميلة الموساد – تستقصي أخباره وأخبار ضحيته زينب أجابها بأن كل شيء على ما يرام. وحدد لها ميعاد سفره الى إيطاليا. وبعدما أنهت زينب إجراءات الإفراج الجمركي عن سيارتها . . استعدت "هكذا ادعت له" للسفر معه. . فأخبرها بموعد الطائرة وأنه سيمر عليها ليصحبها الى المطار.

وقبل السفر بعدة ساعات كان ماريو قد أعد أدواته. . وخبأ الأفلام التي صورها بجيوب سرية داخل حقائبه ونزع البطانة الداخلية لها وأخفى التقارير السرية التي أعدها بنفسه ثم أعاد إلصاقها مرة ثانية بإحكام فبدت كما كانت من قبل. ومن بين تلك التقارير كان تقرير زينب الذي كان لدى المخابرات المصرية صورة عنه.

وبينما كان ماريو يغادر منزله بالدقي في طريقه الى زينب ثم الى المطار. . فوجئ بلفيف من الأشخاص يستوقفونه .. وأقتيد الى مبنى المخابرات وأمام المحقق أنكر خيانته لكن الأفلام والتقارير التي ضبطت كانت خير دليل على سقوطه في وكر الجاسوسية . . فاعترف مذهولاً بعمالته للموساد .. وأمام المحكمة العسكرية وجهت اليه الجرائم الآتية:

  الحصول على أسرار عسكرية بصورة غير مشروعة وإفشاؤها الى المخابرات الإسرائيلية.
  الحصول على مبلغ "7 آلاف دولار" مقابل إفشاء الأسرار لدولة معادية "إسرائيل".
  التخابر مع العدو لمعاونته في الإضرار بمصر في العمليات الحربية.
  تحريض مواطنة مصرية على ارتكابها التخابر .. والحصول على أسرار هامة بقصد إفشائها للعدو.

وبرئاسة العميد أسعد محمود إسماعيل وعضوية المقدم فاروق خليفة والمقدم أحمد جمال غلاب بحضور ممثل النيابة العسكرية والمقدم عز الدين رياض صدر الحكم في مايو 1970 بإعدام ماريو شنقاً بعد أن كرر الخائن اعترافه بالتجسس على وطنه. . وبيه لأسراره العسكرية مقابل سبعة آلاف دولار. وصدق رئيس الجمهورية على الحكم لعدم وجود ما يستدعي الرحمة بالجاسوس.
لم تنس المخابرات المصرية الدور الكبير الذي لعبته زينب للإيقاع بالخائن ماريو واصطياده الى حيث غرفة الاعدام ومشنقة عشماوي في أحد سجون القاهرة.

وكانت زينب بالفعل – أول مصرية – تصطاد جاسوساً محترفاً في روما . . لإعدامه في القاهرة.!!


مشاركة منتدى

  • توجد بعض الجوانب فى السرد و الكتابه غير حقيقه و منها على سبيل المثال لا الحصر ان زينب تعمل بالصحافه و ليست بائعه فى خان الخليللى ..
    و تم الشك فى ماريو من الصحافيه زينب بسبب اللقاء فى المطعم و المعطم كان يوجد به سلم ( دراج ) حلزونى ( دائرى ) و كانت الطاوله قريبه من السلم مما اثار الشكوك عند رؤيها لعمي او فراز الموساد و هو يتحدث مع ماريو .

    تحياتى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى