الجمعة ٢٣ آذار (مارس) ٢٠٠٧

التلمود تاريخه وتعاليمه القسم الثاني من عشرة أقسام

الدكتور ظفر الاسلام خان

يتباهى محرر دائرة المعارف اليهودية العامة بأن التلمود له أسلوب أدبي ممتاز، وأنه "دائرة معارف تشمل كل نواحي الحياة الإنسانية"، وأن الذي لم يقض سنين طويلة في دراسة التلمود لا يمكنه اكتشاف أغواره، وأن التلمود المترجم لا يعطي فكرة صحيحة عن عظمته، وأن التلمود بدون شروحه العديدة (كشرح الحاخام راشي) "لا يعدو أن يكون كتاباً مغلقاً بقفل"!!

ويضيف قائلاً:

(1) "سلطة التلمود – كمستودع للقانون الشفهي – تعتبر سماوية (إلهية) عند اليهود الأرثوذكس (مستقيمي العقيدة) ومن هنا تعتبر (تعاليم) التلمود إلزامية وثابتة غير متغيرة. أما اليهود المحافظون والإصلاحيون فلا يقبلون السلطة الإلزامية الكلية للتلمود، رغم اعترافهم بالدور العظيم الذي لعبه التلمود في تحديد وحسم عقائد اليهودية أو نظرياتها" [1]

أما القانون الشفهي، ويسمى بالعبرية "توراه شبيبال بيه" فجزء من القانون اليهودي المعترف به، غير موجود في التوراة، اختلقه الحاخامات بحجة تنظيم الحياة والمعاملات الداخلية لليهود لزيادة تماسكهم وتسلطهم على المجتمع بالتالي.

وقد ابتدع حكماء اليهود، ابتداء من الفريسيين قوانين أخرى مروية عن موسى، غير تلك المدونة في التوراة، وسموها بالقانون الشفهي، زاعمين أنه حيث أن موسى لم يكتب هذه القوانين فلا يجوز لأحد كتابتها، وكان الحاخامات يتناقلونها سراً من جيل الى جيل. وبعد التمرد اليهودي الفاشل على اليونانيين سنة 135م بقيادة باركوخبا، بدأ اليهود يجمعون هذه القوانين السرية في كتاب "التلمود" خشية ضياعها.

وكان القانون (المكتوب الموسوي والشفهي الحاخامي) يعتبر أن مماثلين في الأحكام عند اليهود الذين لم يفرقوا بينهما أكثر من التسمية الحرفية، على ما كتبه محرر دائرة المعارف اليهودية العامة.

يقول الدكتور جوزيف باركلي:

"الأساس الكلي الذي يقوم عليه القانون الثاني أو الشفهي، هو عدم الالتفات لما صرح به موسى في التوراة:

"هذه الكلمات (الوصايا العشر) قد كلم الله بها كل جماعتكم في الجبل، من خارج النار والسحب والظلام الكثيف بصوت الملك: وهو لم يزد عليه شيئاً آخر".
(Deut. V.22)

وقال أيضاً: "إن تدمير الهيكل أعطى اليهود مرحكاً لحماس ديني شديد، أثير أحياناً بالخطأ، وبالصواب أحياناً أخرى. ولكن هذا الحماس الديني يزداد، وسيزداد لأن النهاية العظمى تقترب" (الأدب العبري، ص 40).

والفريسيون، الذين ظهروا لأول مرة قبل الميلاد بمائتي سنة، وتبوؤا المسرح اليهودي حتى مائتي سنة بعد الميلاد، هم الذين أوجدوا القانون الشفهي، وهم يتبعون الحاخام "عزرا" (المتوفي 444 ق.م.)، والكتبة اليهود الأقدمين الذين يشار اليهم باسم "رجال الكنيس العظيم" الذين يعتبرون "عزرا" أكبر معلم يهودي بعد موسى عليه السلام.

(1) وفريسي معناها "المنشق"، ولعل مرجع هذا المعنى الى أنهم انشقوا عن مسلك عامة اليهود التابعين لتعاليم التوراة، أو أنهم انشقوا عن الطائفة اليهودية التي تسمى "الصادوقية" التي كانت أول من ثار ضد الفريسيين الذين يتبعون أهواءهم. ثم ظهرت الحركة الكرائية (أو القرائية) من بين الفريسيين أنفسهم، التي نادت ببطلان العقائد الفريسية ورفضت التلمود الذي اختلقه الفريسيون لإرضاء نزواتهم وأهوائهم. كما أن اليهود الإصلاحيون أيضاً أنكروا أن القانون الشفهي (التلمود) منزل من السماء أو مروي عن موسى، وقد اعتبرتهم اليهودية الأرثوذكسية الحديثة ضالّين. وهذه الأرثوذكسية، حسب شهادة دائرة المعارف اليهودية العامة، تؤمن بالقانون الشفهي (التلمود) إيمان الفريسيين [2] به. ويضيف المحرر: أن اليهودية المتحررة الحديثة تؤمن بأن كلا القانونين: المكتوب والشفهي، نتائج العبقرية اليهودية الدينية، ولكنها تؤمن بأنه يجب تعديل هذه القوانين من وقت لآخر حسب الحاجة وانسجاماً مع الفكر الديني المعاصر. وكلتاهما (الأرثوذكسية والمتحررة) متفقتان على أن القانون الشفهي منع القانون المكتوب من التجمد والصرامة، بأن أضاف اليه عناصر جديدة وعادات شعبية، وقوانين جديدة. أي ان اليهود استطاعوا تطوير قانونهم ليلائم الظروف الجديدة.

إن الذي جعل اليهود يتشبثون بتعاليم التلمود هو الانهيار المفاجئ لشوكتهم وإغلاق كل مدارسهم مرة واحدة، الأمر الذي جعلهم يبحثون عن تعاليم جديدة للمرحلة القادمة، ووجدوها في التلمود (الذي يعلمهم على مواصلة الحياة بالانغلاق والسيطرة على المجتمع تمهيداً لإقامة إمبراطورية عالمية). يقول الدكتور جوزيف باركلي:

"رغم أن أي مجمع "يهودي" عام لم يتبن التلمود رسمياً إلا أن اليهود الأرثوذكس (مستقيمي العقيدة) تبنوه، لأنه زوّدهم بشيء شعروا بحاجتهم اليه".

وفي رأي الدكتور أ. فابيان أن التلمود "أسهم بقوة في حفظ "اليهودي الديني – القومي"، بأن مكّنه من أن يتأقلم مع كل زمان ومكان، في كل دولة ومجتمع، وفي كل درجة من الحضارة". وبنقل (فابيان) قول جينزبرج:

"أعطى التلمود اليهودي جنة روحية خالدة. يلجأ اليها كيفما شاء، هارباً من العالم الخارجي بكل ما فيه من حقد ومظالم. وعلى صفحات التلمود وجدت أجيال اليهود المتعاقبة إشباعاً لأعمق أمانيها الدينية، وكذلك وجد اليهود في التلمود نافذتهم لأسمى استلهاماتهم الفكرية. ورغم أن العالم قد انقطع عن قرونه الماضية، فإن التلمود لا يزال – بعد التوراة – القوة الروحية والأخلاقية المثمرة في الحياة اليهودية".

"وكما قال إسرائيل أبراهامز:
"The Jew survived through the Talmud, as the Talmud survived in him".
"بقي اليهودي بسبب التلمود، بينما بقي التلمود في اليهودي".

ثم يمضي د. فابيان يقول: "الحياة اليهودية، حتى هذا اليوم، مؤسسة الى حد كبير، على التعاليم والأسس التلمودية، فطقوسنا وكتاب صلاتنا واحتفالاتنا Liturgy، وقوانين زواجنا، بالإضافة الى قوانين وأسس أخرى كثيرة: مستخرجة مباشرة، من التلمود. والتلمود هو الذي تعزى اليه الصفات التي يتميز بها اليهودي. فالاتزان في الشخصية، والتصدق، ونزعته الى الحرية الاجتماعية، وعلاقته العائلية الوطيدة، وتعطشه للتعليم، وإمكانياته العقلية كلها ترجع الى التلمود. والحياة اليهودية قد أثرت بهذا الكتاب".

ينقل لنا الدكتور جوزيف قول الحاخام "يوشوا بن ليفي" عن التلمود:

"He who writes it down will have no place in the world to come; he who explains it will be scorched".

"الذي سينسخه كتابةً لن يكون له نصيب في العالم القادم (الجنة) والذي يشرحه سوف يُحرق" [3]

شمّاي وهلّيل

وكان الحاخام شمّاي (الذي عاش قبل المسيح عليه السلام بسنين) عدواً لدوداً للحاخام هلّيل (مؤسس التلمود) الذي عاش حتى السنة الثامنة، أو الثانية عشر بعد ميلاد المسيح. ورغم ذلك يزعم التلمود أن أقوال الحاخامَين ذات سلطة مماثلة!! وذلك لأن نداءاً مقدساً هتف على جابنيه (إسم مكان) قائلاً: "كلمات هذا وذاك كلمات الله الحي، ولكن الاعتبار في أشياء كثيرة لقول الحاخام هلّيل. وكل من يخالف كلمات مدرسة هليل قد استحق الموت".

وكان الاثنان من طائفة الفريسيي، إلا أن شمّاي كان من الطائفة المستقيمة الصارمة. (الأدب العبري، ص 15).

والطرائف عديدة عن حب النفس لدى الحاخامات الفريسيين، فقد قالوا: "إنه لو كتبت النجاة في الدنيا لإثنين، يجب أن يكون الفريسي أحدهما" (المصدر السابق، ص 15).

وكان أكبر أعداء الفريسيين التابعين لأهواء النفس: الصادوقيون الذين برزوا من بين الفريسيين قبل المسيح عليه السلام بثلاثة قرون، وكانوا من أتباع بيثوس وصادوق.

وكان حب النفس، والظهور، والسيطرة والجشع من أهم مميزات بني إسرائيل، الأمر الذي جعلهم ينقسمون شيعاً وأحزاباً. يختلقون الآيات التي تسبغ عليهم الشرعية ويفترون على الله، كما رأينا آنفاً ما زعمه أصحاب هلّيل لأنفسهم كذباً وعدواناً على الذات الإلهية، تعالت عما يفترون.

الطوائف اليهودية الأخرى

وأهم الأحزاب والطوائف التي قامت في اليهود بعد زوال مجدهم هي (غير الفريسيين والصادوقيين الذي مر ذكرهم من قبل):

1- المهستنيون الذين عادوا من السبي البابلي مشبعين بعقائد زرادشت القائمة على الإيمان بالفلكيات والأرواح الطيبة والشريرة.

2- المسريميون الذين تعلموا السحر (كبالا).

خصوصاً ذلك الذي يخص استعمال الكلمات. وهؤلاء يرون أن القيمة العددية للفظتي مسيح والحية واحدة، ويستنتجون من ذلك أن المسيح سيقتل الحية!

ولكن المفهوم الحقيقي واضح، وهو أنهم يعتبرون السميح يسوع عليه السلام- ظلماً وعدواناً وحقداً – مثل حية – لعنة الله على الظالمين).

والتابعون لمذهب كبالا يزعمون أن (السحر) منزل من الله عن طريق الأنبياء الذين نقلوه الى الحكماء!!

3- الجوهريون الذين ذهبوا يفسرون التوراة بالرموز والاستعارة.

4- الهيلينيون، الذين أضافوا الى الدين عناصر من الفلسفة اليونانية.

5- العلاجيون الذين علموا أن السعادة الفائقة يمكن الحصول عليها عن طريق العبادة التأملية.

6- الهيروديون السياسيون أتباع الملك اليهودي هيرود (الخاضع للإمبراطورية الرومية) الذي مات سنة 4 ق.م.، وكان من أتباع الصادوقيين؛ يذكرهم الانجيل في عدة أماكن كأعداء لسيدنا المسيح عليه السلام (متى: 16:22).

7- المتعصبون المتطرفون في أتباع أحكام الدين.

تلمودا بابل وفلسطين – مقارنة

يختلف تلمود فلسطين كثيراً عن مثيله البابلي، كماً وكيفاً، فمادة تلمود فلسطين ثلث ما يحتويه تلمود بابل، كما أن تلمود فلسطين ينقصه العمق المنطق والشمول الجامع اللذين يمتاز بهما تلمود بابل.

ويرجع هذا الى أن تلمود بابل أُلّف في فترة استغرقت قرناً من الزمان. في سلام وأمن. أما تلمود فلسطين فجمع على عجل، وفي ظروف غير مساعدة بسبب اضطهاد الرومان.

(1) وتلمود فلسطين يختلف كذلك في لغته. فلغته عبرية تتخللها عبارات بالآرامية الغربية. أما تلمود بابل فأكثره بالآرامية الشرقية نسجبت فيه عبارات بالعبرية، ويتضمن كلمات عربية وسريانية ويونانية ولاتينية وكلدانية [4]

ورغم هذا، فهناك أوجه تشابه كثيرة بين التلمودين، لأن مصدرهما واحد، كما أن بابل ليست بعيدة عن فلسطين، فكان علما البلدين يتبادلون الزيارات ويستفيدون من آراء الآخرين.

الدكتور ظفر الاسلام خان

[1يذكر كتاب Hebrew Literature (ص 8) أن الفصل الرابع من الرسالة الرابعة في التلمود، الذي يسمى سنهدرين، يوجب على اليهود إقامة "مجمع قومي عظيم" يسمى سنهدرين. والفصل العاشر من نفس الرسالة يسمى "العقاب" ويتضمن وسائل العقاب والردع ضد اليهود الخارجين على السنهدرين. ومما يجدر ذكره أن السنهدرين موجود الآن فعلاً تحت ستار شركة تمويل يهودية، ويسيطر (مباشرة أو بالتوجيه) على ما لا يقل عن ثلث رأسمال العالم، ولم يقتصر عمله على ردع اليهود فحسب وإنما تجاوز – حسب الخطة اليهودية الجديدة، ليكون رادعاً للنظم والحكومات التي لا تتماشى سياستها والسياسة الصهيونية. والسنهدرين حكومة عالمية خفية، تعمل بالاشتراك مع وكالات المخابرات الغربية ونظمها وصحافتها التي يهيمن عليها اليهود أصحاب السنهدرين. (عن مقال المعلق البريطاني الميجر اللورد جيمس أي كرائيك في جريدة "ديلي نيوز" الكويتية 27 حزيران 1968) (أنظر كذلك فصل سنهدرين في هذا الكتاب).

[2مادة Oral Law. مما يجدر ذكره أن هذه الأرثوذكسية اليهودية هي الحاكمة في إسرائيل اليوم. ولا تزال الأزمة ماثلة أمام أعيننا، تلك التي وقعت بين الحاخام الأكبر (الأرثوذكسي) لإسرائيل وبين الحكومة بشأن "من هو اليهودي؟" ففي رأي الحكومة والمحكمة العليا الإسرائيلية أن الإسرائيلي يهودي، أما الحاخام الأكبر فقد رفض اعتبار أي شخص يهودي لم يكن إبناً لأب وأم يهوديين معترف بهما من الكنيس الأرثوذكسي، وقد رفض اعتبار امرأة أمريكية تهودت على يد حاخام متحرر (تابع لليهودية المتحررة "الإصلاحية") لا تعترف به الدولة المزعومة في فلسطين المحتلة. ويتضح من هنا أن المسيطرين (بل الأغلبية الكبرى لليهود اليوم) هم الأرثوذكس، وهم الحاكمون في إسرائيل.

[3الأدب العبري، ص 14، وكذلك: The Talmud ص 15.

[4الأدب العبري ص 12.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى