الخميس ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم رضا محافظي

أولى خطوات الانطلاق العلم

ليس العلم أسير سن معينة و لم يكن يوما حكرا على فئة من الناس دون غيرهم. الناس متساوون على مقاعد الدراسة من حيث المبدأ و لا يفاضل بينهم غير السبق الشريف النظيف في تحصيل المعارف و اكتساب صنوف العلوم. كما أنه، فيما يخصنا، من المفروض أننا ننتمي إلى أمة لم يتوقف أبناؤها منذ قرون عن ترديد "أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد". لكن ذلك الترديد، الذي كان مصحوبا في وقت مضى بفعل يترجم العبارة على أرض الواقع، صار مجرد شعار أجوف لا معنى له في حياتنا اليومية.

غيرنا من الأمم، و إن لم يردد العبارة بصيغتها العربية، فانه يطبقها أحسن تطبيق و يجعل منها وقود أيامه طالت على مدى الزمن أو قصرت، و لا تتوقف الأخبار تصلنا من هناك لتثبت لنا ذلك على مستوى الأشخاص ناهيك عن الحكومات و المؤسسات. هاهي وسائل الاعلام تخربنا أن السيدة الأمريكية Nola Ochs التي تبلغ من العمر 95 سنة حازت يوم السبت 12 مايو على ليسانس في التاريخ من جامعة فورت هايز في كنساس و لم يحرجها أن يكون ذلك في نفس الوقت مع نيل احد أحفدتها لنفس الشهادة . مثيلات و أمثال هذه السيدة في العالم الذي يحترم العلم و العلماء كثيرون مقابل انعدامهم لدينا في العالم العربي.

أما لدينا للأسف، فننا نجد أنفسنا في بداية القرن الواحد و العشرين لا نزال نضع سياسات محو الأمية التي لن تؤتي أكلها – في صيغها المعهودة في العالم العربي- و ستفشل بعد سنوات طويلة جدا من الآن ليزيد عمق الهوة بيننا و بين الغرب المتقدم بسرعة جنونية. و الذين كان لهم حظ التعلم و فرصة الجلوس على مقاعد الجامعات و نيل شهاداتها فإنهم سرعان ما يسقطون في دوامة شظف العيش و عسر الحياة و نكران الغير لهم، و سرعان ما تقودهم غريزة البقاء أحياء ،بيولوجيا و أدبيا، إلى ركوب الطائرة أو الباخرة في اتجاه أعين ترمق وصولهم بلهف بغية استقطار عقولهم في ما ينفع الناس و الأوطان هناك.

لا يمكن لأمة لا يحتل العلم فيها مكانة محترمة أن ترنو إلى مقام مقبول من التحضر و لا يمكن لشعب يحصر العلم في فئة منه دون غيرها من الفئات أن يعرف طريقا إلى الانعتاق من التخلف. أولى خطوات الانطلاق هي التحرر من قيود التكبر على العلم و الجرأة على الجلوس بأدب و استحياء و تواضع أمام الأستاذ المعلم و لو كان في سن ابن المتعلم.

و إن كان لا مفر من قهر نزعة العزوف عن التعلم لدى الأفراد، إذا كنا ننوي بصدق أن نقف من جديد، فان ذلك ينطبق بدرجة أكبر على سياسات الحكومات في مجال التعليم. أولى بالحكومات، من دون شك، أن تستثمر في تحرير العقول و تغذيتها بكل مفيد من العلوم، و أن تعيد التفكير في سياسة الحصول على تكنولوجيات و مناهج تفتقر إلى العقول التي تفهمها و تضعها موضع التطبيق و التنفيذ على أحسن وجه. و حين تعيد الحكومات النظر في سياستها في مجال التربية و التعليم بالصورة الصحيحة فإننا سنرى في أوطاننا العربية يوما ما امرأة أو رجلا في سن المائة يزاحم شابا في العشرينيات على مقاعد الجامعة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى