السبت ٤ آذار (مارس) ٢٠٠٦
سهـا جودت لديوان العرب
بقلم رشدي خليفة

أديبات سوريه مشاعل لمن أراد أن يعرف طريق الإبداع

أنــا صاحبة رؤيــة أدبية خاصة وأتــوق دومــا لقــــارىء مختــلف

 تزوّجت الأدب بعقد شرعي وطلاقي منه أبغـض الحلال

 الكتاب لم ينهزم أمام (النت) وهذه دعاوى يطلقها الضعفاء

 جوائز عده حصدتها ويبقى يوم القدس أغلاها

 نعم راهبة أنا فى محراب الأدب وأحب الكلمة كما أحب أولادى

شيء صعب أن تحاور أديبا يملك ناصية الكلمة ويعلم حدود الحرف ونطاق النقطة والفاصلة والأصعب أن تسلب منه الجواب وهو الذي اعتاد أن يمنح كلماته هدايا لما راق له من سطور...وعلى الرغم من صعوبة الحـوار إلا أننا نعترف أنه كان بحق ممتعاً وثرياً ومليئاً بالفصول التي تدعونا للتوقف . هذا ما استشعرناه ونحن نحاور الأديبة السورية العصامية سها محمد جلال جودت . فالكاتبة صاحبة رحلة في دنيا الأدب لها بداية غريبة وفصول أغرب ونهايات معنّونة بعنوان التميز.

سها جودت امرأة طلقت الحياة وتزوجت الكلمة بعقد شرعي وشهود . كتبت لذاتها أكثر ما كتبت لغيرها وصفقت لنتاجها ولم يشغلها ثناء المادح أو نقد الرافضين.

فنانة تعزف بالقلم على أوتار السطور وتقدم على الأوراق البيضاء سيمفونية تحتاج مسرحاً عربياً كبيراً.

التقيناها وقدمنا على طاولتها بعض السؤال فأهدتنا بوضوح الأنثى كل الجواب. لم تخف من كتاب حياتها شيئاً لإيمانها أنه كتاب منتصر غير مهزوم ولم تواري أياماً من رحلتها ليقينها أنها رحلة شريفة ليس فيها سطر مخدوش . لقبّوها بالعصامية لأنها لم ترتفع إلا على كتف اجتهادها وبالمتمردة لأنها حطّمت القيود السلطوية التي يطوّق بها الرجال في شرقنا أعناق النساء وأخيراً وصفوها براهبة الأدب لأنها دخلت إلى ديره المفتوح وأغلقت من خلفها كل الأبواب.

مع سها جلال جودت كان حوارنا .. فاسمعوا لصوتها واقرأوا حرفها محمولاً على سطور ديوان العرب

ما أحلى الرجوع إليه

 اسمحي لنا أن نستعيـد معك بدايات الرحلة الأدبية ونسأل عن مخاضها الصعب وكيف تمكنت سها جودت من الفوز بهذا الرقم المتقدم في قوائم أدباء سورية ؟

 بداية أنا لا أعبأ كثيراً برؤية رقمي على قائمة الأدباء ولا أشغل بالي بهذا التصنيف الذي يُطرب الكثيرين، ما يعني طموحي أن أقـدم سطراً يحترمه القارئ ويحفظه عني .أما من ناحية البدايات التي وصفتموها بالمخاض الصعب فأنا أعترف إنه كان مخاضاً صعباً بل ومؤلماً أيضاً ولكن أحمد الله أنه أفرز رغم صعوبته وليداً معافى قادراً على إثبات صوته، ولا أتجمّل أمامكم إذا قلت أن فترة ثرائي الأدبي تعد قليلة إذا قيست بحساب السنوات، ولكنها طويلة حقاً إذا وضعناها فى ميزان النتاج المتميز . أنا إمرأة أحبت الأدب منذ أن كانت صغيرة وعشقته وهى مراهقة كنت أبحث عن الكتاب الجيد لأشتريه وأقرأ سطوره بنهم الجائع إلى لقمة شهية وأعود إليه بين فينة وأخرى. تزوجت الزواج التقليدي وهجرت القلم مع بقاء حنيني إليه , كنت خائفة أن أمسك بقلمي وأنا مأزومة فيترجم أزماتي وأحزاني وينقلها لعيون الناس .. نعم الأقلام لا تكتب من ذاتها بل هي أداة ناقلة لما يحمله وجدان المرء ودواخله . ووقتما عدت إليه كنت حاملة في اللاشعور مخزون كل السنين . كتبت بحب وقوة وشعرت أن أوراقي كانت عطشى لهذا المداد القديم .. عودتي للساحة الأدبية السورية هي عودة البنت المسافرة إلى أحضان الأم المنتظرة، وللحق استقبلتني الساحة بحب لأنني كنت بارة للحرف والكلمة والسطر النظيف.

 حديثك يؤكد لنا أن الزواج عصف بأحلامك الأدبية وأبعدك لسنوات عن الأوراق..فهل أنت حزينة على هذه الفترة نادمة على هذا الاختيار؟

 لن أتحدث عن رحلة الزواج وما تخللتها من أحداث فهذا شأن شخصي، ولكن كما ذكرت سلفاً الأديب فنان يحتاج لأجواء خاصة كي يقدم نتاجه وما عشته أنا كان مناخاً لا يسمح بتقديم شيء ذو قيمة. ولكن بعد انفصالي تزوجت الأدب بعقد شرعي وصنعت لنفسي واحة خاصة وبدأت رحلتي الثرية مدفوعة برغبات الفوز. ربما أكون بحق امرأة ذات تجربة خاصة، لكنني لست نادمة فما عشته علمني أن المرأة كائن قوي إن هي أرادت أن تكون قوية وأنا أردت إثبات وجودي فكان لي ما أريد.

 بعيدا عن رحلة الزواج وتداعياتها هل توافقني سها جودت في أن "النت" سرق قرّاء الكتاب وما عاد للكتاب نفس الرونق القديم؟

 أختلف معك كل الاختلاف فالكتاب سيظل هو الكتاب نحتاجه ونبحث عنه ونشتريه بعزيز أموالنا، كما أن قراءة الكتب ذات الأغلفة لها متعة خاصة ليس بمقدور "النت" أن يقدمها لنا .. ورغم أنني نشرت بعض قصصي على مواقع أدبية كثيرة وجاءتني ردود مرضية على صفحاتها إلا أنني لا أخفيك مقدار سعادتي وقتما أرى كتابي موضوعاً على أرفف المكتبات ..الكتاب سيظل في عيني ميراثاً يتركه الكاتب للأبناء والأحفاد يداولونه في الغد ويختلفون من أجله بعد اقتنائه، أما "النت" ياصديقي فهو ساحة مفتوحة لأصحاب المخزون الغث والسمين , ساحة قدمت لنا أدبــاء ماهم بأدباء ودعتنا لقراءة كلمات أتعبت عيوننا وأصابتها برغبات النوم الملحة

حلب وأجواء الإبداع

 هل أثرت حلب مدينة الثقافة العربية الإسلامية لعام 2006 بظلالها الإبداعية المشعة على قاموس سها جودت ومن من أدباؤها تعترف له الأديبة العصامية؟

 لايستطيع حاملو الأقلام في حلب أن ينعزلوا بقاموسهم عن أجواء هذه المدينة الساحرة فحلب بالنسبة لي هي مسقط الرأس والمرفأ الآمن.. عشت فيها كل حياتي, تأثيرها سرى في دمي وأجواءها الأدبية هي التي صنعت إبداعاتي.. كثيرون من أدبــاء المدينة أحمل لهم عظيم الفضل ولا أنسى ماقدموه لي من صنيع غال كالجليل لفقه اللغة العربية الأستاذ محمود فاخوري والأديب المعروف فاضل السباعي والدكتور الناقد أحمد زياد محبك، هؤلاء تركوا بصماتهم الواضحة في رحلة سها جودت الأدبية ولأني مؤمنة بأن الفاضل في نفسه هو المعترف بأفضال الغير أرى أن الحديث عن هؤلاء يزيدني نجاحاً وتألـقاً. أكرر حلب منحت سها جودت الكثير والكثير ولولاها ما كان الاسم والعنوان.. حلب وأدباؤها حكاية تحتاج مني لصفحات طويلة كي أحكيها للناس وأحسب أن المقــام الآن لايتسع. كل مايمكن أن أقوله أنني ابنة حلب وشهادة المحب في معشوقته دائما مجروحة.

العصـامية وراهبـة الأدب

 ألقاب كثيرة أطلقها المشتغلون في الساحة الأدبية الســورية على سها جودت حتى بدا لنا أنك الأدبية الوحيدة التي فازت بجملة من الألقاب فماذا تعني كل من العصامية والمتمردة والراهبة وأي الألقاب تحب سها أن تسمعها من محبيها؟

 لكل لقب من هذه الألقاب ذكرى عزيزة على قلبي. وأسعد كل السعادة متى تذكرني الناس بأي منها فالمتمردة لقب أطلقه عليّ الدكتور مراد مولوي وهو صديق للأسرة من زمن بعيد , كان يراني منذ طفولتي قوية الشخصية ذات رؤى واضحة الهدف، حتى أنه مايزال يذكر لي حتى اللحظة قرار ارتباطي مؤكداً أنه كان قراراً شخصياً لا تتحمل تبعاته إلا سها جودت نفسها. أما العصامية فهو لقب طابق حال رحلتي فهكذا أنا بدأت حاملة قلمي بيدي مستندة على عصا الاجتهاد وهذا درب العصاميين دائماً، أما راهبة الأدب ربما أكون أنا من اخترت الترهب في قصتي قمر المساء من أجل نقاء الكلمة والسطر.

 (الأدباء يكتبون طفولتهم) مشروع أدبي جديد أوشكت سها جودت على الانتهاء منه .. فماذا عنه؟

 هذا الكتاب هو وليدي الجديد الذي سأقدمه للقارئ العربي في كل مكان, لن أتحدث عن مضمون الكتاب وما تحتوي صفحاته بل سأترك المضامين مخبوءة حتى أسمع آراء الناس بعد قراءته، لأنني أؤمن أن الأدب ليس سلعة تحتاج لإعلان مدفوع الأجر بل هو بضاعة غالية ينبغي على القراء أن يجتهدوا كي يصلوا إليها. نعم فالأدباء العرب يقدمون لقرائهم جواهر العقل وهذه الجواهر تستحق أن يسعى الناس إليها لا أن نعلن نحن عن بريقها.

كم أم كيف

 هل تؤمن سها جودت بالكم أم الكيف في تعداد نتاج الأديبة أو بمعنى أوضح هل توافقيننى أن كتاباً واحداً جيداً قد يروي ظمأ كاتبه ويغنيه عن ألف كتاب سطحي ؟

 أنا مؤمنة بالكيف فى تعداد النتاج لهذا لم أركض وراء طبع كتاب بل أتريث دائماً حتى يخرج النتاج مشبعاً بالفكر وبمصداقية الهدف.. صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان رجل في المزاد عام 2001 ومن إصدارات اتحاد الكتاب العرب رواية السفر إلى حيث يبكي القمر ومن بعدهما مجموعة دماء الفرس وأخيراً قطوف قلم جريء وهي مجموعة مشتركة. والآن أجهز لكتابي الأدباء يكتبون طفولتهم وهو الآن في مرحلة التنقيح النهائي ووعدي أنه سيكون كتاباً مختلفاً لقارئ مختلف.

مودليست ومعلمة وأديبة

 تنقلت سهـا جودت مابين مهن عدة فعملت موديلست لملابس الأطفال ومعلّمة مدرسة ورغم تباين المهن واختلافها يبقى الأدب الوظيفة الأغلى والأحب إلى قلبها .. فهل يعد الربح المادي هدفاً تسعى سها لتحقيقه من وراء كل هذه الأعمال؟

 المال لم يكن أبداً هدفي فلقد تربيت في أسرة وفّرت لي بأريحية كاملة كل سبل العيش الكريم ولكن بعد انفصالي دعتني الحياة لرحلة شاقة من أجل تربية أولادي لهذا كنت أركض وراء المال لا لأنعم بوريقاته وأنا أضعها في خزائن البنوك بل لتكون جسراً ينقلني وصغاري لغد بلا معاناة .. عملت موديلست واجتهدت في عملي كمعلمة ونجحت كل النجاح في أن أكون المرأة التي أثبتت وجودها بقدرتها على تحدي الصعاب بالإيمان والاجتهاد بالعمل والحمد لله وفقني ربي في مسيرة التربية كل التوفيق .. أما الأدب فلم يكن وظيفة بل إن جاز تعبيري كان بمثابة الهواء النقي الذي يمنحني القوة، فكلما كتبت سطراً شعرت أنني قادرة على أن أملك ما يملكه الآخرون.

من القصة الى الرواية

 انتقلت سها جودت بكتاباتها انتقالة فجائية من القصة إلى الرواية ..فما هي دوافع الانتقال وهل ترى الأديبة العصامية أن العمل بالرواية أجدى من القصة؟

 العمل الروائي يتيح للكاتب الانتقال بأحاسيسه إلى خارج المدارات المغلقة ويفتح أمامه بوابات الزمان والمكان فيما لا تحتمل القصة أكثر من حدث و شخصية في مكان ما وزمان ما لهذا اتجهت إلى الرواية دون التخلي عن القصة لأن القصة تعبر عن حالة شعورية يجب ألا يهملها الكاتب أما من ناحية أيهما أجدى من الآخر فلكل منهما ميزته ووقته وحالته التى تتنتاب الكاتب فأنا وقتما أكتب قصة أعرف أن عملي هذا لا يحتمل أكثر من بضع وريقـات أما الرواية فهي تحتاج منى جهداً أكبر.

 ما رأيك في المصطلحات التي تتكرر على لسان البعض بوجود أدب ذكوري وأدب نسائي وهل أنت مع أم ضد هذه التفرقة رغم أن الفن واحد؟

 هذه الفواصل تعد فواصل وهمية صنعها البعض، والعمل الناجح يفرض نفسه على الساحة دون النظر أكتبه رجل أو كتبته امرأة وأذكر أنني وقتما كتبت روايتي (السفر إلى حيث يبكى القمر ) كثيرون أكدوا لي أنه لو حذف اسم سها جودت من على غلاف الرواية لظنوا أن كاتبها رجل . هذا المثال يؤكد أن السطر لا يعرف الفارق بين القلم الذكوري أو الأنثوي فهو حامل للأحاسيس لا بطاقات التعريف.

تلميذة أنا

 فى مقدمة مشروع كتابك الجديد(الأدباء يكتبون طفولتهم) كتبت: مايزال الإنسان يتعلم فإذا قال كفى فقد جاءه الأجل ماذا تقصد سها جودت من وراء هذا التعبير؟

 هذا التعبير يترجم فلسفتي في الحياة فأنا أرى نفسي حتى اليوم تلميذة أتعلم من كل الأشياء التي حولي بشراً كان أو غير ذلك , أتعلم من الجبل الشموخ ومن الحقول الخضراء العطاء بلا ثمن كما أتعلم من كل حرف اقرأه وتعبير يمر أمام عيني، بل لا أبالغ إذا قلت أن قاموسي الثري ماهو إلا نتاج لحصيلة استجمعتها من قراءات عدة .. أنا إمرأة تؤمن تمام الإيمان أن الكاتب الجيد هو في الأصل قارئ جيد يتوقف أمام الكلمات ويستطعمها ثم يحفظها في اللاشعور لتكبر مع الأيام وتصبح القاموس الخفي.

 مع كل قراءاتك يبقى هناك كتاب في مكتبة سها جودت تعود إليه كلما احتاجت إلى قسط من الراحة .. فما هو هذا الكتاب؟

 الكتاب الوحيد الذي أركض لأستعيد قراءته مرات ومرات لأستشعر الراحة هو القرآن الكريم كتاب الله العزيز .هذا الكتاب هو أكثر الكتب التي تمتد لها يدي وفى كل مرة أقرأ فيها سورة أو سورتين ينتابني ذلك الاحساس الجميل أن هذا الكلام أقرأه لأول مرة .. سر غريب في الحروف والكلمات والتعابير لا يستطيعها البشر الضعاف أمثالنا.. القرآن مدني بقوة الاحتمال ومنحنى الصبر على الصعاب لذا فهو الكتاب الذي لا يغيب عن ذاكرتي أبدا.

نجاحات وجوائز

 الأديب يفرح بالجوائز كما يفرح الطفل بالدمى لأنها تترجم النصر بسلاح الحرف والكلمة .. ماذا عن الجوائز التى حصدتها سها جودت؟

 حصلت والحمد لله على عدد كبير من الجوائز في القصة منها المرتبة الأولى عام 98من اتحاد الكتاب العرب في حلب والمرتبة الثانية من نقابة المعلمين بحلب والمرتبة الثانية في أدب الطفل عام 2003 كما حصلت على المركز الثالث في جائزة الإمام الخميني في يوم القدس العالمي وكذلك جائزة عبد الباسط الصوفي للإبداع بحمص .. هذه الجوائز أراها كما ذكرت أنت نصر بسلاح الكلمة والحرف لذا اعتز بها كل الاعتزاز.

 كلمة أخيرة توجهها سها جودت لقراء الأربعاء

 أتمنى أن يظل تواصلي معكم مستمراً على جسر الأدب الراقي الجميل وستظل أمنيتى وحلمي أن تتسع دائرة اللقاءات الأدبية العربية حتى نتعارف أكثر، فما أجمله حقاً لقاء المشتغلين بالحرف والكلمات.

أنــا صاحبة رؤيــة أدبية خاصة وأتــوق دومــا لقــــارىء مختــلف

مشاركة منتدى

  • كل الشكر للزميل الكاتب 00 و أوجه تحية تقدير و احترام للأديبة سها جلال جودت
    البحر الذي لا ينضب
    حاتم قاسم
    عضو الاتحاد العام للكتاب و الصحفيين الفلسطينيين/ سوريا
    hatem_k65@yahoo.com

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى