الخميس ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٠
بقلم محمد زكريا توفيق

أسطورة سيزيف

سيزيف ملك كورينثة، هو أول من بنى أسطولا بحريا لبلاده. كان يمتلك عددا هائلا من الماشية. بينما جاره أوتوليكوس، كان يمتلك عددا صغيرا منها.

كان لأوتوليكوس فضل كبير على الإنسية مايا أثناء حاملها بالاله هرمس من كبير الآلهة زيوس. لقد قام أوتوليكوس بإخفائها في بيته بينما كانت هيرا زوجة زيوس تبحث عنها لتقتلها. زيوس إله فلاتي كبير له علاقات نسائية كثيرة، تبلغ أكثر من 50 فتاة.

لذلك قام هرمس بعد ولادته برد الجميل لأوتوليكوس. لقد أعطاه تعويذه سحرية تجعله قادرا على تحويل الثيران إلى بقر، وتغيير لون الأبيض منها إلى بني، والأسود إلى بقع سوداء وبيضاء.

أوتوليكوس، اللص الظريف الماكر، بدأ في سرقة مواشي سيزيف من المراعي المجاورة. ثم يقوم بعد ذلك بتحويل الثيران البيضاء المسروقة إلى بقر بني، والبقر الأسود إلى ثيران ذات بقع بيضاء وسوداء.

سيزيف المسكين يشاهد ماشيته يتناقص عددها يوما بعد يوم، بينما ماشية جاره أوتوليكوس يزداد عددها في نفس الوقت. بدأ يهرش رأسه متعجبا، يا ترى ماذا يكون السبب؟ لابد أن جاري اللئيم أوتوليكوس يقوم بسرقة ماشيتي. لكن لا يوجد دليل واحد يثبت ذلك. فما العمل إذن؟

أخيرا جاءت سيزيف فكرة ذكية. لقد قام بوضع علامات تمثل حروف اسمه على باطن حوافر ما تبقى من ماشيته. وعندما وجد أن ماشيته لا تزال تتناقص، بينما ماشية جاره تتزايد، أمر غلمانه بالذهاب إلى حظيرة جاره وفحص حوافر الماشية. فوجد خمس منها حوافرها تحمل اسمه.

دافع أوتوليكوس عن نفسه قائلا: أنا لست لصا، وهذه هي ماشيتي ومن حر مالي. ومتى كان سيزيف يمتلك ماشية بهذه الألوان؟ لابد أنه قد أتى ليلا وقام بوضع اسمه على حوافر ماشيتي لكي يسلبها مني. ثم أخذ سيزيف واللص أوتوليكوس يتبادلان الاتهامات والشتائم.

لم يجد سيزيف فائدة من التحدث مع جاره اللص، فقرر الانتقام منه بطريق توجعه. تسلل ليلا إلى دار جاره أوتوليكوس وذهب إلى غرفة نوم ابنته. حملها على كتفه وفر بها هاربا.

من ابنة أوتوليكوس، أنجب سيزيف أوديسيوس. الإغريقي الماكر، بطل ملحمة الأوديسة لهوميروس.

في يوم من الأيام، جاء إله الأنهار أسبوس إلى سيزيف وقال له:

"أنت يا سيزيف لك سمعة سيئة في خطف بنات الناس. فهل خطفت ابنتي؟"

"لا"، أجاب سيزيف. لكنني أعرف أين هي.

"أخبرني، إذن"

"أولا، قبل أن أخبرك، فجر لي ينبوعا من الماء في أرض مدينتي الجديدة."

فقام أسبوس بضرب الأرض بعصاه، فانفجرت مكانها عين ماء صافية. وهي نفس العين التي أمسك عندها البطل بيليروفون الحصان المجنح بيجاسوس.

"لقد وقع زيوس، كبير الآلهة، في غرام ابنتك. رأيتهما يسيران جنبا إلى جنب، يمسك كل منهما بيد الآخر. في الغابة هناك." ثم أشار بإصبعه.

غضب اسبوس غضبا شديدا من زيوس، وذهب يبحث عنه وعن ابنته.

زيوس أثناء مغامرته العاطفية هذه، لم يكن معه مطرقته وسر قوته. قام بتعليقها بدون اكتراث على فرع شجرة قريبة منه. عندما رأى اسبوس قادما يجري نحوه وفي يده نبوته، هرب زيوس وتخفى في صورة صخرة كبيرة.

بعد مرور أسبوس، رجع زيوس إلى صورته الأصلية، وجرى إلى الشجرة التي علق عليها مطرقته. ثم تناولها وقذف بها أسبوس، فأصابه بعرج جعله يزك في مشيه طيلة حياته.

ثم أمر زيوس أخيه هاديس، إله العالم السفلي، بالقبض على سيزيف، وتوقيع أشد عقوبة عليه. لأنه أباح سرا إلهيا إلى اسبوس.

ذهب هاديس إله العالم السفلي إلى سيزيف، وقال له:

"تعال معي"

"بالتأكيد لن أفعل. هرمس هو الإله قابض الأرواح، لا أنت. بالإضافة إلى أنني لم يحن أجلي بعد. لكن ما هذه الحقيبة التي معك؟ وما بداخلها؟"

"بها كلبشات لكي تمنعك من الهرب."

"وما هي الكلبشات؟"

"أساور من الفولاذ صنعها الإله هيفاستوس."

"أرني كيف تعمل"

هنا وضع هاديس يديه في الكلبشات، فأسرع سيزيف وقفلها على يديه وأخفى المفتاح. ثم جاء بكلبه وربطه بحبل في رقبة هاديس ثم سجنه في في بيت الكلاب. وأخذ يسخر منه. ظل إله الموت محبوسا في بيت الكلاب لمدة شهر، لم يمت خلال هذا الشهر أحد من البشر.

عندما وجد إله الحرب آريس (مارس)، أن المعارك الحربية لا ينتج عنها وفاة، وبالتالي لا فائدة ترجى من إضرامها، ذهب إلى سيزيف وهدده بالخنق إن لم يطلق سراح هاريس.

"لا فائدة من خنقي، فأنت لا تستطيع قتلي بينما إله الموت أسيرا عندي."

"أعرف ذلك، لكنني أستطيع الضغط على عنقك حتى يسود وجهك ويتدلى لسانك. وهذا وضع لن يروقك. أو أنني أستطيع قطع رقبتك وإخفاءها. أطلق سراح هاديس في التو واللحظة، وإلا"

هنا لم يجد سيزيف بدا من إطلاق سراح هاديس، والذهاب معه إلى العالم السفلي. هناك قابل زوجة هاديس، بيرسيفون، وأخبرها بأن طريقة أخذه للعالم السفلي غير عادله، لأنه لم يدفن بطريقة سليمة. لذلك يجب على هاديس أن يضعه في مكان لا يعاقب فيه.

أجابته بيرسيفون:

"حسنا، يمكنك أن ترجع أدراجك لكي تموت وتدفن بطريقة سليمة، ولكي يضعوا عملة معدنية أسفل لسانك. بشرط أن تعود غدا على الأكثر."

لكن سيزيف لم يعد في اليوم التالي. لقد وجد الحياة جميلة والشمس ساطعة والقمر يتلألأ في كبد السماء والخضرة والماء والزهور تبهج النفس. لماذا يعود إلى الظلام والموت والعالم السفلي؟

هنا، أرسل هاديس هرمس لكي يقبض روحه، فسأله سيزيف:

"لماذا؟ هل انقضى أجلي قبل الأوان؟" أجابه هرمس:

"نعم. لأنك أخطأت بإفشائك سر مكان زيوس لأسبوس."

ظل سيزيف يبكي قائلا:

"على أية حال، لقد فعلت ذلك لكي أجعل أسبوس يفجر ينبوع ماء لمدينة كورينثة."

تعال واتبعني، ولا تستخدم حيلك الماكرة من فضلك."

لقد حكم قضاة العالم السفلي على سيزيف ظلما بالعقاب الأبدي في تارتاروس. عليه أن يحمل صخرة كبيرة، في شكل الصخرة التي تحول إليها زيوس عندما كان يهرب من أسبوس. يرفعها بكل جهده إلى أعلى التل، فتهوي من نفسها إلى أسفل، لكي يعيد رفعها من جديد. وهكذا دواليك!

لكن أهل كورينثة يحبون سيزيف الإنسان حبا جما لكل ما فعله من أجلهم. يقيمون كل عام احتفالا كبيرا لإحياء ذكراه الخالدة.

ألبير كامو له دراسة فلسفية بعنوان أسطورة سيزيف، أرجو أن يتسع الوقت لشرحها مستقبلا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى