الخميس ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠
بقلم عاطف أحمد الدرابسة

أشياءٌ مَنسيَّةٌ..

قلتُ لها:

نسيتُ اسمي، ونسيتُ عنواني، ونسيتُ في آخرِ قميصٍ بالٍ هويَّتي، وجوازَ سفري، وشهادةَ ميلادي.

نسيتُ أوَّلَ الشِّتاءِ: شكلي، ولوني، والفرقَ بين الظُّلمِ والعدلِ، الحقِّ والواجبِ، الحاكمِ والمحكومِ، ونسيتُ الطَّريقَ إلى الدُّولةِ، لأنِّي لا أملكُ حذاءّ مُناسباً، فكلُّ الأحذيةِ التي تستريحُ أمامَ عتبةِ غرفتي، كالأشرعةِ المُمزَّقةِ.

يا حبيبةُ:

التمسي ليَ العذرَ، فقد نسيتُ عقلي، على آخرِ طاولةٍ جلستُ عليها في الملهى، واعذريني لأنِّي خلعتُ مشاعري هناكَ، ورميتُ أحاسيسي على رصيفِ الفقراءِ، والمُهمَّشينَ، والعاطلينَ عن الحُبِّ، والأحلامِ.

يا حبيبةُ:

تغيَّرت صورُ أحلامي؛ أراكِ تأتينَ إليَّ كالسَّماءِ، كلَّ يومٍ في حالٍ، غاضبةً كالسُّحبِ الثُّقيلةِ، ماطرةً كالغمامِ، عاصفةً كالإعصارِ، جميلةً كقوسِ قزحٍ، وادعةً كالنَّدى، راقصةً كالمطرِ، غامضةً كالأساطيرِ، كالفلسفةِ، كالأديانِ، كآخرِ أفكارِ التحرُّرِ والانعتاقِ.

أراكِ في أحلامي كالأخلاقِ، بلا شكلٍ، ولا لونٍ، ولا مضمونٍ، وكيف ليَ أن أُدرِكَ معاني الأخلاقِ معكِ؟ فمرَّةً تأتيني بأخلاقِ السَّادة، ومرَّةً تأتيني بأخلاقِ التُّجارِ، ومرَّةً تأتيني بأخلاقِ قُطَّاعِ الطُّرقِ واللُّصوصِ، ومرَّةً تأتيني بأخلاقِ المقموعينَ، والمقهورينَ، والعبيدِ.

يا حبيبةُ:

أرجوكِ لا تأتيني كاللَّوحةِ النَّاقصةِ، عن حربٍ تأكلُ آخرَ ما تبقَّى من المدنِ المهجورةِ، وآخرَ ما تبقَّى من الطَّريقِ.

أرجوكِ لا تأتيني عاريةً كزُجاجةِ خمرٍ، تنتقلُ من يدٍ ليدٍ، من فمٍ لِفَمٍ، من كأسٍ لكأسٍ، وحين يستنزفونَ آخرَ قطرةِ خمرٍ، يُلقونَها مثلَ أعقابِ السَّجائرِ، على هامشِ الرَّصيفِ.

هامش: لا فرقَ بين المرأةِ، والوطنِ، وزجاجةِ الخمرِ، في قوانينِ الفسادِ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى