الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
دورة من أجل مسرح عربي وإفريقي متجدّد
بقلم نبيل درغوث

أيام قرطاج المسرحية - الدورة الثانية عشر

التأمت بتونس الدورة الثانية عشر لأيام قرطاج المسرحية من 24 نوفمبر إلى 03 ديسمبر 2005. وهذه الدورة شعارها "الإنفتاح". ليس الانفتاح الحضاري على الآخر فقط بل انفتاح المسرح في حدّ ذاته على التعابير الفنية الأخرى من موسيقى ورقص وغناء وفنون تشكيلية وفنون الصورة والأدب...

المشاركون في هذه الدورة من : تونس، المغرب، الجزائر، مصر، لبنان، سوريا، الأردن، العراق، فلسطين، الكوت ديفوار، بلجيكيا، فرنسا، إيطاليا وهونغ كونغ.

وكانت كلمة الافتتاح للمسرحي محمد إدريس – مدير الدورة - على النحو التالي :

"أهلا وسهلا بكم في هذا الحفل الكبير حفل المسرح وهو يحتفي على أرض تونس – أرض اللّقاءات والحوارات- برجاله ونسائه وجمهوره العزيز. نحتفل معا بالدورة 12 لمهرجان أيام قرطاج المسرحية من 24/11/2005 إلى 03/12/2005 دورة أردناها انفتاحا من أجل فرجة حيّة متجدّدة بتعابير فنّية متطوّرة تستلهم مقوماتها من روح الحداثة وإيقاع المعاصرة وتوظّف أحدث التكنولوجيات خدمة للجمالية والمشهد الحيّ المتحرّك والدال.

هي دورة لمدّ جسور بين المسرحيين. دورة تعترف بالاختلاف والتنوّع والثراء عبر أقسام سبعة (حضور واكتشافات وانفتاح وتكريم مسارح وبانوراما وجسور للمستقبل وحوار الانفتاح) لا تمثّل عملية تصنيفيّة شكلية أو تفاضلية وإنّما لنبرز من خلالها أنّ قوى المسرح تسير في اتّجاهات متعدّدة تتفاعل وتتكامل مع الفنون الأخرى. دورة نريدها أن تعطي للمبدع مكانته وتسجّل فيها المرأة حضورها لا كممثلة فقط وإنما كمخرجة وككاتبة وكمديرة فرقة ومسيّرة ومنظّرة صورة مشرقة تعكس التحولات الإيجابية التّي تشهدها السّاحة العربية نلتقي لنكرّم مسارح تونسيّة وعربيّة وإفريقيّة، مسارح تجاوزت فضاءات العرض إلى فضاءات تكوين الجمهور والتسيير وتنظيم المهرجانات واحتضان المواهب وتكوينها.
هي دورة جسور المستقبل. جسور متينة على أرض مضيافة تونس الخضراء تفتح أحضانها لتستقبل حبّا وترحابا عشّاق المسرح من جميع أنحاء العالم. فأهلا وسهلا"

أما عرض الافتتاح فكان إفريقيا صرفا من خلال العمل الفرجوي الكوت ديفواري يحمل عنوان "صوغولون : الملحمة الإفريقية" وهو عرض امتزجت فيه الإيقاعات الإفريقية والرقصات والأغاني وتناغمت فيه أيضا حضور العرائس مع الممثلين كلوحات معبّرة عن إفريقيا الأسطورة.. إفريقيا الأجداد..إفريقيا اليوم والغد..

وقال " ألبارت لينكينغ لام" أحد أفراد فرقة " كي يي" بخصوص مشاركتهم في هذه الدورة بهذا العرض (صوغولون) : "أنا مسرحي عرائسي واختيار بلدي الكوت ديفوار لافتتاح تظاهرة مسرحية دولية عربية إفريقية في حجم وقيمة وأهمية أيام قرطاج المسرحية تتويج وتكريم للإبداع المسرحي في بلدي الكوت ديفوار. شكرا للأيام وشكرا للسيد محمد إدريس".

ومثلت العروض التونسية الحيز الأكبر من الحضور في هذه الدورة. فمن بين هذه المسرحيات المشاركة:

• " حالة مدنية"

نص وإخراج : عاطف بن حسين

"يجتمع ممثلان وممثلة في كواليس عرض مسرحي قبل بداية العرض في فضاء حميمي بين الكائن والممكن فتنتصب فيه ثنائية الممثل المواطن الممثل... صراع داخلي يطرح بعنف إشكالية وجودية في علاقته بالآخر أي بذاته صراع ينجلي بمنطوق لغوي يحدد التلاعب الواعي وغير الواعي شخصية الممثل أو المواطن".

• " أهل الهوى"

نص : ظافر ناجي وعبد الوهاب الجملي

إخراج: عبد الوهاب الجملي

"تنطلق الحكاية بثلاث شخصيات لكل منها حلمها وهواجسها طبيب نفساني شهير تتداخل لديه العلوم بالشعوذة وسكريتيرة طبيب كانت تتمنى أن تكون فنانة مشهورة وصحافي مبتدئ يعلق كل آماله على حوار مع الطبيب المشهور فيشتهر به.

تتطور الأحداث في عيادة الدكتور الهنداوي التي تتحول إلى فضاء رمزي يحيلنا إلى العالم اليوم الذي تملؤه صرخة الإنسان المعاصر المحبط الذي اكتشف أن أحلامه صارت عدما".

فقد نوه الفنانون العرب المشاركون في هذه الدورة بالمسرح التونسي. فالمخرج الأردني شاهر الحديد يقول : "المسرح التونسي منافس قوي والتجربة التونسية سباقة وهناك أسماء لامعة في تاريخ الحركة الفنية المسرحية مثل جليلة بكار ومحمد إدريس وتوفيق الجبالي وكثيرون ستبقى أسماؤهم لامعة في تاريخ المسرح العربي". أما المخرجة والممثلة الأردنية مجد القصص تقول : "المسرح التونسي هو المسرح الوحيد في العالم العربي الأقرب للمواكبة كما يحصل في الغرب وبالتالي على مدى السنين كان المسرح التونسي في المواقع الريادية في العالم العربي ويشكل نقطة ارتكاز لأي مسرح عربي ليكون (الباروميتر) أو المعيار الذي يراه فهو المسرح التونسي".

وقد قال الفنان العراقي جواد الشكرجي : "المسرح التونسي يقف بكل جدارة في طليعة المسرح العربي منذ بدايته إلى يومنا هذا. ذلك لأنه مرّ بمراحل عديدة من تدريب واكتشاف وإبداع تواصل وتعمّق من خلال التجارب الفذّة التي قدمها مسرحيون من ضمن خيرة المخرجين على الساحة العربية والتونسية أمثال الفاضل الجعايبي، محمد إدريس، الجزيري، الجبالي وتمتّنت هذه المجموعة ونشطت لتنتشر من بعد على كامل الجمهورية التونسية".

أمّا المساهمة العربية فقد كانت متنوعة منها مسرحية من الأردن "مصابة بالوضوح" نص وإخراج : سوسن دروزة، صياغة وتمثيل : ساندرا ماضي، وهي مسرح الفرد الواحد، بوح امرأة فوق الخشبة."امرأة في مواجهة ذاتها تخاطب وتبوح بأسرارها إلى الكاميرا التي تلتقط صورتها ونفسيتها وحياتها فهي صديقة تساعدها على تجاوز حالاتها الأكثر نقدية لتتحصل على الوضوح المطلوب". وصاحبة هذا النص تقدّم لنا "امرأة في الثلاثين من عمرها تائهة بين التسوق والانكسارات العاطفية والمخاوف بصور تستمدها من مرآة مكبرة وبتحليل نفهمه من حوار مسرحي يقوم على الإحساس بالفصام وبالعلاقة المعقدة مع الذات في مجتمع اليوم".

وقد قالت سوسن دروزة حول مسرحيتها : "إن مشروع مصابة بالوضوح عودة إلى مشروع الفرد نفسه فضلا على أنه لم يكن لدي مزاج الدخول إلى نص مسرحي مع أربع شخصيات أو خمس. والآن أريد أن أعمل مع ممثلين أصدقاء لأن هذا العمل فيه بوح حتى لكأن المسرح ذريعة لكي يقول المرء كل ما لديه دون تعليب بل إن المسرح تكريم للفرد والإنسان وليس تكريما للحق والجمال والعدل فحسب".

أمّا المشاركة السورية فقد كانت من المسرح القومي السوري بمسرحية "فوضى" نص وإخراج : عبد المنعم العمايري يقدم فيها لنا ست نساء في مكان مغلق هربن من الماضي تحمل كل منهن جسدا مجروحا، منهكا، مغتصبا ومريضا. ستّ قصص مليئة بالحزن والحب والعوائق.

وقد قال الفنان جهاد الزغبي حول عرض "فوضى" : "هو من العروض المتميزة في سوريا حاليا والتي أنتجت عام 2005 والمتحصل على أفضل جائزتين في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وهما جائزة أفضل عرض وأفضل إخراج وفكرة المسرحية تتعلق ببوح الشخصيات بذكرياتها وماضيها التي مازالت تعيش معه في الواقع وتعاني من آلامها وخلفياتها في حاضرها ومستقبلها"

وكان حفل الاختتام بعرض راقص تحت عنوان "تتويج الربيع" وهو قراءة متجددة لسنفونية سترافنسكي على ضوء معالم إفريقية. تظهر كتابة الكوريغرافي الفرنسي الجزائري هادي معلم دقيقة وواضحة إذ هي منتجة في فضاء مشحون بالعادات وبإيقاعات الطبيعة والحياة الإفريقية إذ يتعايش الموت والحرب وحيث لا أهمية للزمن. عرض يحمل إشكالية الوجود والهوية.

هكذا كانت الدورة الثانية عشر لأيام قرطاج المسرحية دورة الانتصار لكل التعابير الفنية والجماليات في العملية الإبداعية المسرحية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى