الثلاثاء ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
بقلم خليل محمود الصمادي

أين المدبلجون العرب من المسلسلات التركية الجادة؟

عاش المشاهد العربي في الصيفين الماضيين مع حلقات طويلة من المسلسلات التركية التافهة التي صورت المجتمع التركي بغير صورته الحقيقية حب وغرام وحمل خارج إطار الزواج الشرعي مافيا عصابات انحلال، وما إلى ذلك من ضياع للفكر والعقيدة والوقت، حتى ظن بعض الغيورين أن هذه المسلسلات تنتجها شركات إسرائيلية للنيل من تركيا التاريخ والحضارة والمستقبل.

وقد انعكست هذه المسلسلات على الواقع العربي فنشطت السياحة إلى تركية من أجل زيارة قصر مهند أو لمشاهدة أبطال المسلسلات وتم رصد العديد من حالات الطلاق في البلدان العربية كما تم تسمية بعض المحلات بمسميات أبطالها كنور ولميس ومهند وما إلى ذلك من المشكلات التي لا تخفى على أحد.

والأنكى من ذلك أن حركة الدبلجة من التركية إلى العربية صار لها مؤسساتها ومحطاتها وأسماؤها بل تفنن القائمون على هذه الأعمال بإبراز اللهجة الشامية وذلك لانتشار المسلسلات السورية وتأثيرها في الناس.
وظن كثير من الناس أن المجتمع التركي يعيش حالة من الضياع كمسلسل (سنوات الضياع) أو أنه لا يعرف النور كمسلسل (نور)وما إلى ذلك من عبارات التغريب والمسخ الثقافي

في صيف العام الماضي كنت في إستانبول مشاركا في اجتماعات المؤتمر التاسع لرابطة الأدب الإسلامي العالمية مع عشرات من الضيوف القادمين من أكثر العواصم الإسلامية ويومها تركنا البلاد العربية غارقة في ترهات هذه المسلسلات التركية حتى خيل للمشاهدين أن تركيا ولا سيما إستانبول تفوق باريس في إباحيتها ومجونها ولكننا وجدنا الجانب الأخر من تركيا القادمة بقوة إلى العالم الإسلامي الجديد رأينا أحفاد العثمانيين يملؤون المساجد والجوامع والمكتبات والزوايا والتكايا رأينا أنصار غول وأرودغان وحزب العدالة والتنمية يعملون ليل نهار من أجل رفعة الإسلام والمسلمين وكذا رفعة بلدهم تركية، تناولنا غداء يوم الافتتاح على سطح بلدية بيرم باشا أكبر بلديات استانبول بدعوة من رئيسها فشاهدنا هناك من ذاك المكان المرتفع المآذن السامقة والقباب البهية تحيط بكل إستانبول تحاكي لنا تاريخ أعظم عاصمة عرفها التاريخ يوم خضع لها العرب والعجم والترك والفرس وحتى البلغار والصرب، رأينا فاطمة وخديجة ومؤمنة وووو بحجابهن وعفتهن يلقين القصائد ويناقشن في أمور الأدب والسياسة، استمعنا إلى علي وعبد الله أوغلو ومحمد وإحسان الدين ولما سألناهم عن هذه المسلسلات وتأثيرها في الشارع التركي فوجئنا أن معظم الأتراك لا يعرفون شيئا عن هذه الترهات
تركية الحقيقة هي اليوم تعرض مسلسل الضياع على المحطة الحكومية تي آر تي المسلسل الذي يصور وحشية العدو الإسرائيلي في جريمته الأخيرة على غزة في قتل جنوده للأطفال والرضع بدم بارد وفي تنكيلهم بالشعب الفلسطيني في غزة وغيرها ويظهر أحد المشاهد جنديا يقترب من فتاة فلسطينية وهى تقف وظهرها للحائط في أحد الأزقة ويرفع الجندي سلاحه ببطء وينظر بتصميم إلى الفتاة التي كانت تبتسم ببراءة ثم يطلق النار علي صدرها من على بعد أمتار قليلة.

هذا المسلسل دعا الخارجية الإسرائيلية بقيادة المتطرف ليبرمان سفير تركية في تل أبيب للاحتجاج على عرض هذا المسلسل.

هذه هي تركيا التي رأيناها تركيا الحاضر القادمة إلى المستقبل بقوة التاريخ والجغرافيا والحضارة، تركيا التي غدت تدافع عن الحق العربي والفلسطيني أكثر من العرب والفلسطينيين، تركيا التي نهضت من سنوات الضياع لترى النور الحقيقي لا كما رآه مهند وصانعيه بل كما رآه محمد الفاتح والسلطان سليم وسليمان وحتى عبد الحميد الأول والثاني

لا شك أن هذا المسلسل سينال شهرة واسعة وأخشى ما أخشاه أن يبقى حبيس تركية وأن لا يجرؤ أحد على دبلجته إلى العربية أو إلى اللهجة الفلسطينية أو السورية، وهنا اختبار للشركات المتخصصة بالدبلجة وللسيدة رولا أبو سعد صاحبة الباع الطويل في دبلجة هذه المسلسلات وكذا الاختبار الكبير لمحطة ام بي سي في تبني أو عرض هذا العمل أ وغيره من الأعمال الجادة التي تعكس حقيقة المجتمع التركي


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى