الأحد ١ آب (أغسطس) ٢٠٢١
بقلم رامز محيي الدين علي

أيُّها الحبُّ

أيّها الحبُّ..

ناديْتُ الدَّياجيرَ وناجيْتُ القمرَ، وصرختُ في وجهِ الرَّعدِ كلَّما هدَرَ.. وتحدَّيْتُ موجَ البحرِ كلّما غدرَ.. وصارعْتُ سيوفَ الجهلِ بمشاعلِ النُّورِ، وأوقدْتُ في ظلماتِ اللّيلِ شُموعي للتَّائهينَ، وغرسْتُ أصابعي في عيونِ المتّجبِّرينَ، ومددْتُ أنامِلي إلى مآقي الطُّفولةِ؛ لأمسحَ دموعَها البريئةَ، وسكبْتُ أنغامَ عِشْقيَ الإنسانيِّ في كلِّ فؤادٍ رقيقٍ، ورسمْتُ من حُروفي وكلِماتي صُوراً مُتمرِّدةً على ألوانِ الظَّلامِ والجهلِ والقهرِ والاستبدادِ والطُّغيانِ.. ولوحاتٍ موشَّاةً بحنينِ الإنسانيَّةِ إلى الأبديَّةِ والخلودِ.. مُفْعمةً برائحةِ دموعِ الثَّكالى والمعذَّبينَ في الأرضِ.. تتَناهبُها حركاتٌ مؤجَّجةٌ بثورةِ الجسدِ والرُّوحِ على عفنِ الحياةِ وهمجيَّةِ الأنانيَّةِ والنرجسيَّةِ.. لقدْ سكبْتُ روحي وجسَدي ومشاعِري في كلِّ كلمةٍ من كلِماتي، وفي كلِّ لوحةٍ من لوحَاتي.. وكان سِلاحيَ الأمْضى في نبوءةِ رسالَتي مشاعلُ النُّورِ في فكْري، ونبضاتُ الحبِّ في وُجْداني وجَوارحي!!

أيّها الحبُّ..

أيقِظْني وسكَّانَ القواقعِ الّتي لا تَرى أنوارَ الحياةِ؛ لأنَّ جدرانَ قواقعِها هي نهايةُ العالمِ في أبديَّتِه وأزليَّتِه.. في هُيولّاهُ وفيضِه..

اسكبْ أشعَّةَ أنوارِ الحقائقِ على ألبابِنا المقْفَلةِ الّتي لا تَرى منْ حدودِ المعرفةِ غيرَ ما رشفَتْهُ من معَاني الحروفِ المعجميَّةِ وبلاغةِ دلالاتِها الهُلاميَّةِ!

اسقِ أفهامَنا الّتي أسرَتْها فلسفةُ التَّدويرِ والتَّكريرِ والتَّكويرِ من ينابيعِ فلسفةِ فيضِ المعرفةِ الّتي تتجاوزُ آفاقَ الزَّمانِ والمكانِ، وتقفزُ فوقَ كلِّ الحدودِ والسُّدودِ الّتي رسَّخَتها قيمُ التَّربيةِ البيئيَّةِ المتوارثةِ منذُ عهودٍ وعصورٍ!

أيُّها الحبُّ..

إذا لمْ تكنِ الرِّسالةَ الأسْمى في شرائعِ الكونِ.. فما فائدةُ التَّشريعِ والتَّنويرِ وفلسفةِ التَّأطيرِ والتَّنظيرِ؟!

إذا لمْ تكنْ حقيقةً نمارسُها -أدباءَ ومُفكّرينَ.. -في سلوكِنا مع البشرِ.. فما فائدةُ الكلماتِ والقصائدِ والقصصِ والمقالاتِ والرّواياتِ.. ولو نُظِمتْ على بحورِ الشِّعرِ وأفانينِ سِباكةِ الذَّهبِ في جواهرِ عيونِ علمِ الأدبِ منَ الرُّومانِ وحتّى عصرِ الهِشِّكْ بشِّكْ من صرعاتِ حضارةِ الشَّكلِ في هذا الزَّمانِ؟!

إذا لمْ تكنْ حبّاً حقيقيَّاً في أفئِدتِنا حينَما ننظمُ قصائدَ الحبِّ ونحبِكُ رواياتِ مغامراتِ السِّندبادِ وقصصَ الشَّاطرِ حسَن في أسواقِ المهرجاناتِ، فمَا وقعُ الكلماتِ إذا لمْ تتدفَّقْ من قلوبٍ تفيضُ بالحبِّ الإنسانيِّ العظيمِ الّذي يتجاوزُ مشاعرَ التَّملُّقِ والزَّخرفةِ الكلاميَّةِ الرّخيصةِ في أسواقِ نخاسةِ الكلماتِ والمتاجرةِ بالمشاعرِ في أسواقِ المجاملةِ والمداورةِ الحرّةِ على مشارفِ مطاراتِ التَّحليقِ إلى مملكةِ الملكِ (آق بيقْ)؟!
إذا لمْ تكنْ ثورةً على المدائحِ الّتي تُقدَّمُ قرابينَ ولاءٍ ووفاءٍ ورجاءٍ ودعاءٍ، فمَا أثرُ كلماتِكَ في قلوبِ البائسينَ والمعذَّبينَ في الأرضِ والمشتَّتينَ في أصقاعِ الدُّنيا بلا مَأوى؟!
إذا لمْ تكنْ إحساساً منَ الرُّوحِ، ومكابدةً من الجسدِ، وحزناً في أعماقِ النَّفسِ، وترانيمَ صلاةٍ من قلوبٍ مؤمنةٍ بقدسيَّةِ مشاعرِ الإنسانِ، فمَا تَعني حروفُكَ غيرَ مَا تَعنيهِ حروفُ كلماتِ المجاملةِ الزَّائفةِ في هَذا العصرِ .. ولهَذا قرّرتُ أنْ أناجيَكَ دونَما مجاملةٍ، ودونَ اهتمامٍ بالأوزانِ عن جهلٍ أو قناعةٍ: (عام الحبّ 1992م)

أيُّها المولودُ في عُمقِ الوجُودِ
أنتَ معبودٌ.. وتاجُ إيثارٍ وجُودِ..
لا تكُنْ ظالماً.. أيُّها الجَبَّارُ
أنصفِ العاشقينَ.. بلا أعْذارِ
الكونُ مذْ خُلِقَ.. ظلمٌ وعدوانُ
والعالمُ مذْ كانَ.. بغيٌ وطُغيانُ!
ميـــزانُ الحـــقِّ محتـــَقرٌ .. ميــــْدانُ الظـُّـلمِ مُعـــتَبرُ
وحوشُ الأرضِ في رغَدٍ.. طيـــُورُ الـــدَّوحِ في كمَدِ
عيونُ الجَاهِ قدْ غرِقَتْ.. مآقي الفَقْــــرِفي رمَــــــــــدِ
سيوفُ الظــُّـلمِ مُشْـــرعةٌ... وبيــنَ الخَـــــلْقِ تُعْـــــــــــــــــتَبرُ
تمــــوتُ الرُّوحُ منْ زمـــنٍ.. ويبْــقى الجِسْمُ يُحْتَضرُ
أيـْــدي الجُنــــــاةِ مُلطَّخةٌ... وثـــوبُ المجْـــــــــــــدِ مُنْتحِــرُ
أنـــتَ سلطانُ القلُــــــوبْ... أنتَ أفيُـــــونُ الشُّـــعوبْ
فلِـــمَ القــــويُّ يسْـــــطُو؟.. ولـــمَ الضَّعيفُ يشْــــكُو؟
الأغنياءُ يملِكُونْ.. وباللهِ يَجحَدونْ
والفُقراءُ يُحْرمُون.. من لقمةِ العيشِ
ومنْ طعمِ الجُفُونْ.. وبالأرائكِ يَحلُمُون!
أيُّها المولودُ في سرِّ الوجُودِ
أنتَ رمزُ وحْدةٍ.. بينَ البشرْ
تُوحّدُ العشَّاقَ.. على ضوءِ القمرْ
وتجْمعُ بينَ ذرَّاتِ التُّرابِ.. وبينَ حبَّاتِ المطرْ
فلمَ لا تُخضِعُ شرائعَ الغابِ.. لقانونِ القدَرْ؟!
شـَكاوَى العِشْـــقِ تـــــزدادُ... بيـــوتُ البــَـغيِ تــُـرتــــادُ
فالعــــدلُ باتَ مفْقُـودا... والمــــالُ صارَ معْبُــــــودا
يمـــوتُ الحـــــــقُّ مُحتَقَرا... ويَحْيــا الظُّـــلمُ مُعْـتَبرا
في الكونِ ملايينُ الشَّكْوى... تُناجي الحقَّ بلا جَدْوى
الجـَــاهُ في الكـــونِ يَطْغى ... والفقــرُ بلا حبٍّ ولا مَأْوى
من قصصِ الحبِّ في فُؤادي يومَ مِيلادي..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى