الأربعاء ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠٢١

الاقتباس بوصفه خيانة للقارئ

مصطفى معروفي

إن الكاتب وهو ينشر في الناس ما يكتبه يريد أن يبلغ رسالة تحمل أفكاره وآراءه في مجموعة من الأمور تتعلق بمناح متعددة من الحياة، وهو إذ يفعل ذلك فإنه يتوخى ويحب أ ن يصل رأيه إلى الناس كما هو دون مواربة ودون إبهام، ولعل القارئ يتفق معي في كون أن كل رأسمال الكاتب هو أفكاره وآراؤه كما هي ماثلة في نصوصه، وهو يريدها أن تكون له وأن تنسب إليه دائما وأبدا.

أحيانا يجد الكاتب نفسه متضايقا ومتذمرا من بعض التصرفات التي يراها تمس حقه في أن ينسب إليه ما هو له، يرى ذلك عندما يجد شخصا نقل عنه قولا بين علامتي الاقتباس دون أن ينسبه إليه شخصيا بالتنصيص على اسمه.

إن الشخص الذي يكتب نصا ثم يضمنه قولا أو رأيا مقتبسا من كاتب ما، ثم لا يشير إلى اسم ذلك الكاتب يكون قد ارتكب خطأ فادحا مرتين، مرة في حق الكاتب صاحب الرأي المقتبس، ومرة في حق نفسه، وذلك عندما يسلبها إحدى الصفات النبيلة التي يتوخى كل كاتب يستشعر المسؤولية التحلي بها، وهي صفة الأمانة العلمية، ولا أخفي سرا إذا قلت بأنني شخصيا أعتبر مثل هذا التصرف -عدم ذكر اسم المصدر المقتبس منه - سطوا على ملكية الغير، وخيانة للقارئ وتلبيسا عليه وإغماطا له في حق معرفة المصدر المقتبس منه حتى يضع ذلك الاقتباس في سياقه ضمن المنظومة الفكرية والمذهبية لصاحبه، ولا يخفى أن عدم التنصيص على مصدر الاقتباس قد تكمن فيه خطورة بالغة، وذلك عندما يكتشف القارئ أن الرأي المقتبس هو لكاتب له أيديولوجية معينة لا يرتضيها لأنها لا تتماشى مع ثقافته ولا مع قناعاته التي تشرّبها، فهذا القارئ سيجدنفسه قد مورس عليه نوع من التعمية والاستغباء من طرف الشخص الذي أورد الاقتباس دون أن يكلف نفسه الإشارة إلى مصدره، لأنه -القارئ-يعلم أن مثل هذه الاقتباسات عادة ما تكون في غالبيتها مبتورة عن السياق الأصلي الذي وردت فيه، وبالتالي تكون قد أفرغت من محتواها الذي أراده لها كاتبها، ولتوضيح هذه الفكرة أطرح هذا التساؤل:

+هل مفهوم الحرية مثلا هو واحد لدى كل الكتاب على اختلاف مذاهبهم الفكرية والأديولوجية؟

إن كاتبا إسلاميا يتحدث عن الحرية سيكون غير منسجم مع نفسه إذا ما اقتبس عن كاتب شيوعي ما يعضد رأيه ويدعمه إلاإذا بتره وأخرجه عن السياق الذي ورد فيه، والسبب أن مفهوم الحرية ليس واحدا لدى الكاتبين.

وإذاً فالتنصيص على اسم مصدر الاقتباس فيه فائدة كبيرة تتمثل في تنوير القارئ وجعله على بينة من الرأي المقتبس أو الفكرة المقتبسة، فأنا قد أقرأ نصا يحتوي على اقتباس، وأجد ذلك الاقتباس منسجما مع مضمون النص ومتناغما معه، لكن بمجرد ما أعرف مصدر الاقتباس حتى أبادر إلى إعادة النظر في النص والحكم عليه بما يقتضيه الموقف الجديد، كما أبادر إلى تصنيف صاحبه في خانة معينة، وقد أذهب إلى أنه كاتب تلفيقي يتخذ من المصادرة على المطلوب عكازة يتكئ عليها.كما أنني قد أجد الاقتباس نابيا ونافرا عن سياق النص حتى ولو كان يبدو صوريا أنه متساوق ومنسجم معه لعلمي بالخلفية الثقافية التي صدر عنها كلا الكاتبين :كاتب النص والكاتب المقتبس منه.

و أنا أتحدث عن الاقتباس لا بدأن أذكر أن بعض المقتبسين يلجأون أحيانا إلى أسلوب التعميم، وذلك عندا يتحدثون عن الشخص المقتبس منه بصيغة الجمع، فيقولون مثلاهناك أشخاص يقولون أو فئة تقول".......". مع أن الشخص المقتبس منه معروف لدى المقتبس -بكسر الباء-.

ثم هناك بعض المقتبسين الذين هم في الواقع منتحلون، بحيث يستعملون أسلوبا فيه شيئ من الدهاء، وهو أسلوب إن كان يجوز على البعض وتنطلي حيلته عليهم فهو قطعا لا يجوز على الكل ولا تنطلي حيلته على الجميع، وهو أن المقتبس يورد اقتباسا لكاتب من نص أوكتاب، وبعد أن ينص على اسم صاحبه أو مصدره يشرع في انتحال أفكار المقتبس منه الواردة في نصه أو في كتابه دون أن يشير إلى ذلك، وبعد أن يكون قد أغلق علامتي الاقتباس من قبل، وهذا أمر غاية في الاستخفاف بالقارئ، وغاية في الترامي على الملكية الفكرية للغير.

في ختام هذا المقال أريد أن أشير إلى أنه لا ينبغي أن نتساهل في مسألة الاقتباس حتى نبرئ ذمتنا ونبقى أمناء مع أنفسنا ومع القارئ كذلك.

مصطفى معروفي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى