الخميس ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم عزالدين كطة

البواردي.. بين وجع الجرح وعشق الأرض

يأتي ديوان 11 سبتمبر للشاعر السعودي عبد الرحمن البواردي، كصرخة في وجه القوى الجديدة التي ما فتئت تنشر نارها على الأراضي العربية، تلك الصرخات التي نستطيع أن نلمس فيها غيرة وحبا شديدين على أراضينا "المبتلة" كما يسميها الشاعر، فلا غرو أن تكون حماسة الشاعر متوهجة تنادي مرة بالتوحد ومواجهة العدوان ومرة تطلق سهام القدح والسخرية على العرب أنفسهم، لأنهم كما يرى الشاعر قد استكانوا لحالتهم البئيسة، رازحين للذل، خاضعين لبطش أمريكا وإسرائيل والسائرين على نهجهم التدميري لبلدان عربية وإسلامية كفلسطين والعراق وأفغانستان دون رادع.

ولد الشاعر عبد الرحمن البواردي بمدينة الرياض سنة 1958، ترعرع في مكة المكرمة، تخرج من جامعة البترول والمعادن بالظهران سنة 1982 بتخصص في الإدارة الصناعية، حصل على ماجستير في الدراسات الدولية من جامعة "أوري جون" بمدينة يوجين الأمريكية، يقيم حاليا مع أسرته بمدينة مراكش بعد أن سحرته بجمالها وفتنتها الشاعرية، حتى انه أعطى لنفسه اسما جديدا مشتقا منها "أبو عمر المراكشي" هذا الاسم الذي يحيل على مدى العشق الذي قذفته مدينة النخيل في قلب الشاعر.

فرغم أن اختصاصات الشاعر وطبيعة عمله بعيدة عن ميدان الأدب إلا انه كان مولعا حد الجنون بالشعر منذ طفولته، حينما كان يطرز القصائد ويعرضها على أبيه الذي كان بدوره شاعرا، فيصفه بالشعرور.

لقد نمت بذرة الشعر بداخله لتصبح شجرة تتدلى منها ثمار القصائد يانعة مترعة بالأحاسيس المتوهجة نحو معشوقته الأرض.

إن ديوان أبو عمر المراكشي تكاد تنتفض قصائده خفة وتناغما بما حوته من ترادفات موسيقية خلقها انتهاج الشاعر لنظام الشطرين وتوحيد القافية، مما أضفى عليها توثبا موسيقيا يندمج مع وهج أنفاسه الشعرية الحرى، المعبرة عن حب جم للأرض بصفة عامة حيث يعتبرها وطنه الكبير الذي يأمل أن يعم فيه السلام والحب.

في كل واد سأزرع واحات حب ظليلة

فالكون هذا بلادي لن انتمي لقبيلة

انه حلم الشاعر الذي يخترق بريق خياله حدود الممكن والمستحيل، بحرية تكاد تكون أسطورية، لكن أحلام الشعراء جميلة، تجرنا دائما نحو النظر إلى الأفضل والأرقى وتقذف في قلوبنا ضوء الآمال، حتى عندما يطبق الظلام أمام نوظرنا، وما أحوجنا إلى مصابيح الشعراء حين ينقلب الزمان- كما يقول الشاعر- إلى زمان صناعة الأصنام والأزلام وإعادة تدميرها، إلى زمان الظلم والعدوان وإذلال الإنسان، إلى زمان تسميم الهواء والماء والتراب، فأمام كل ما يمكن أن نصف به هذا الزمان لن نجد إلا الشعر موئلا لنا، وظلا نستغيث به من شواظ الشر الهائم المكتسح للقلوب.

وينتقل الشاعر من وصف مشاعره نحو الأرض والكون والحياة، إلى نفث شرارات شعرية غضبا وغيرة على ارض العروبة المنتهكة، ويلقي باللائمة على العرب الذين يقبعون في أماكنهم متفرجين على مأساة الأرض الغارقة في النيران، لا يهمهم سوى تكديس الأموال والانسياق وراء المناصب :

أرى النيران تحرقنا وقومي
سباق نحو أموال وكرسي

فيناجي نفسه مواسيا:

الم الصبر يا عقلي الم
فكل الناس لا تدري بهمسي

ثم ينتقل إلى الغوص في ألحانه الحزينة جراء الوضع المشين في البلاد العربية ليصور لنا انه مات كمدا وغما من سورة شجاه وأسفه على الأرض المغصوبة:

حملت جنازتي وحفرت لحدي
وليل اللحد بانت فيه شمسي
 
بأوراق الخريف عزفت لحني
شجى الأحزان أوتاري وتعسي
 
حياتي انك قيدي واسري
لماذا الأسر؟ كل الكون حبسي

فإذا اغتصبت الأرض وضاقت الحريات فلا جدوى من حبس الشاعر في قفص حتى يحد تحليقه، بل سيصير كل الكون أمامه قفص كبير، إنها صورة لطيفة صاغها الشاعر لتبيين دواخله المكلومة بالألم والاختناق حيال النار المنتشرة في ربوع عربية كفلسطين والعراق.

تبرز ملامح بغداد في ديوان 11 سبتمبر بشكل واضح، فبالإضافة إلى تضمينها في عدد من القصائد، فقد افرد لها الشاعر قصيدتين استهل بهما الديوان، وهي قصيدة "يا طفل بغداد" وقصيدة "بغداد"، فالقصيدة الأولى تنضح بالجرح الذي نقشه خنجر الاحتلال في قلب الشاعر، بغداد التي أصبح أطفالها الأبرياء يتقاذفون أشلاء ضحية للغزو، دون أن تنجيهم أحلامهم الطفولية من شرارات النيران، فالحرب وحش لا يعرف رفقة بطفل ولا رحمة بضعيف، وهنا يسترسل الشاعر في نغمة من الأسى مخاطبا طفل بغداد الذي أصبحت أحلامه الخضراء مجرد دموع قاحلة وخوف مظلم:

يا طفل بغداد أحلامك دموع
خائف مثلي ولا تهوى القتال
 
يا طفل بغداد سامحني تراي
كل ما عندي قصيدة او مقال

فماذا يملك الشاعر غير شعره وقلمه، لمنافحة البطش الزاحف على أطفال بغداد وأحلامهم، فهل تراها قصيدة ترده، أو مقال يحول دون وقوع الخطر؟؟َََََ!!!!

إن الحسرة تبلغ بالشاعر مبلغا عظيما حين يدرك أن كل ما يقوله لا يعدو كونه دفقات شعرية قد ترد إلى الأطفال أحلامهم وتمسح دموعهم، لكنها لا تستطيع منع زحف الوحش المترصد لهم خلف الأبواب.

أما القصيدة الثانية "بغداد" فهي وصف عام لجراح بغداد الغائرة، حيث جعلها الشاعر تحكي عن آلامها ومعاناتها تحت وطأة الحرب:

بغداد تبكي نائحة
بالدمع قالت بائحة
 
اليوم مثل البارحة
أشواك غدر جارحة

فيتمازج صوت الشاعر بدموع بغداد في مشهد تراجيدي، مصاغ بأسلوب شعري دافق يخرج من أعماق الشاعر كتنهيدة حرى، أو أغنية حزينة ترثي مآل بغداد المكفهر، حتى أن القارئ يلمس دفء المشاعر الصادقة وهو يجوس خلل الأبيات التي تعبر عن موقف إنساني متميز من الواقع المر، كما تجسد حالة قلق يستفزها المشهد المعاصر الذي أصبح العرب ضحية له بسبب سياسة التآمر بين شيطان القطب الوحيد وإسرائيل لإلصاق تهمة الإرهاب كقرط في أذن كل عربي، كما عبر الشاعر عن ذلك بقوله في قصيدة ذوبان الأوطان:

زرعوك يا إرهاب غولا حولنا
وتآمروا بالزور والبهتان
 
زادت مقابرنا وآن فناؤنا
وتحالفت صهيون والشيطان

إن عنوان الديوان يكشف عن جوهره إذ يضع القارئ أمام مرآة التذكر لحادث مروع أثار جدلا كبيرا، وغير مقاييس التعامل في كل العالم، وقرب كل العرب من مشنقة العنصرية والاضطهاد، ووشم جباههم برماد الاتهامات المشينة دون فتح أي قوس للاستثناء، فكأن الشاعر هنا يريد أن يذكرباحداث11 سبتمبر التي خولت لأمريكا وباقي الدول الدائرة في فلكها ذرائع سائغة للغزو والتقتيل والتنكيل بشعوب أقطار عربية بريئة.

وأخيرا يمكننا القول بان ديوان 11 سبتمبر لعبد الرحمن البواردي هو مجموعة من القصائد المكتوبة بمداد الحرقة والأسى على الأوضاع المضطربة بسبب الحروب في أقطار عربية كفلسطين والعراق، وصرخة استنفار تدعو إلى الالتحام من اجل مواجهة المخاطر المتربصة ولو أن الشاعر استخدم السخرية من التشرذم الذي أصبح سمة واضحة على جبهة كل العرب، فان توظيفها كان بمثابة إدانة للذات التي تسعى إلى التحفيز نحو الأفضل والأرقى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى