الخميس ٧ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

البيت الأول!! «الجماد» ..

هذا الكون يقوم على أربعة أعمدة أولها: الجماد ثم النبات ثم الحيوان وأخيراً الإنسان. فالحجر إذن.. هو أول هذه البـيـوت..

وعن هذا الحجر يقول الله- سبحانه وتعالى -: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً..) "البقرة/74"..

ونعلم أن النبي مهد إلى دعوته أولا بإزالة الأصنام وتحطيمها والحرب عليها..
يقول الله- سبحانه وتعالى -: (قلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ9 وَجَعَلَ فِيهَا "رَوَاسِيَ" مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ1.) " فصلت "..

ويقول- سبحانه وتعالى – (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَـ "الْحِجَارَةِ" أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) "البقرة/74"..

ويقول- جل جلاله-: (قُل كُونُواْ "حِجَارَةً" أَوْ حَدِيداً..) "الإسراء/5."..
ويقول- سبحانه وتعالى -:

(لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى "جَبَلٍ" لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ21) "الحشر"..

هذا وقد ورد عن رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم - قوله: (إني لأعرف "حجراً" كان يسلم عليّ، وأنه- عليه الصلاة والسلام - قال عن جبل أحد: (هذا "جبل" يحبنا ونحبه).

وعن سيدنا علي ابن أبي طالب- كرم الله وجهه - أنه قال: - (كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول:- " السلام عليك يا رسول الله") أخرجه الترمذي في صحيحه

وقال عابس ابن ربيعة في الحديث المتفق عليه: - (رأيت عمر ابن الخطاب- رضي الله عنه - يقبل "الحجر" - يعني الأسود - ويقول: " إني أعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّـلُكَ ما قبلتك" )..

هذا وقد روى البخاري في صحيحه "كتاب المغازي" عن أبي رجاء العطاردي قال: (كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجراً هو خيراً منه ألقيناه وأخذنا الآخر! فإذا لم نجد حجراً جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به")..

وقال الكلبي في كتاب "الأصنام": - (كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فجعله رباً، وجعل ثلاث أثافيَّ لِقِدْرِهِ وإذا ارتحل تركه.)..

منذ القدم نشأت عبادة "الأصنام"، كتصورٍ باطل معكوس ظل يمليه الشيطان لمفهوم "الثبات" الإلهي في أذهان أولئك الذين عبدوا هذه الأصنام، وحاولوا أن يضفوا عليها هذه الصفة لأنهم رأوا أن هذا الكون متغير، متحرك دائماً، لا توجد له لحظة ثبات ولا شئ فيه يتصف بالثبات سوى هذه "الحجارة"، فكانت عبادة الجهال، وهو بلا شك تصور يدل على نقصان في العقول

يقول أهل الاختصاص:- (.. إن الغلاف الصخري يشمل الطبقة العليا من تكوينات هذه الكرة الأرضية، وأنه بمعنى آخر كل جسم داخل في تركيبة قشرتها لا فرق في هذا بين حجر الجير أو الجرانيت أو مركبات الحديد والمعادن المختلفة، وهذه الصخور رغم تعدد أنواعها واختلاف العناصر الداخلة في تركيبها ذكروا أنه يمكن تقسيمها على أساس طريقة تكوينها إلى أنواع ثلاثة هي: -
1/ الصخور النارية

2/ الصخور الرسوبية

3/ الصخور المتحولة

وقد قال أحدنا: - (إن لكل شيء في هذا الكون أساساً، وأساس هذه البسيطة التي نعيش على سطح قشرتها الصلبة هو "حجرٌ" مختلف تكوينه وتركيبه ولونه، ومن هذا الحجر وتحت عوامل الطبيعة من حرارة ومطر تشكلت ترباً مختلفاً ألوانها ومعادنها، ومن بعض المعادن الطينية خلق الله- سبحانه وتعالى - (الإنسان)، ويختلف الإنسان عن الحجر في أنه بشر حي لكنه يتفق معه في القساوة، وقد يفوقه قساوة، إذ أن من الحجر لما تتفجر منه الأنهار، وان منه لما يشقق فيخرج منه الماء، وانّ منه لما يهبط من خشية الله

وقد سرت صفة القساوة التي في الحجر إلى بعض بني البشر وتمركزت في (القلب) فتحجرت "المعاني" الرفيعة السامية التي أودعها الله قلب الإنسان لتزيل عنه القساوة وتبعد عنه الوحشية، وتكون رباط المحبة بين الوالد وبنيه، ولكن السمع قد سجَّـل: - "قلبي على ولدي وقلب ولدي على حجر"

من حيث القِدَمِْ يُعَدُ الحجر أقدم في الوجود من البشر إذ يقدر عمر الحجر بـ 4,5 مليار سنة، وعمر البشر 2,5 مليون سنة، إن مسألة القِدَمْ هي التي رسَّخت مشاعر الضعف عند الإنسان وطوّعت يده على تجسيد القوى التي يخاف منها حجراً ليحملها همومه ومسؤولية وجوده إلى أن بعث الله من يعرف البشر أن الحجر لا ينفع ولا يضر

التراب من حجر، ومن التراب بدأت الحياة بكل درجاتها الدنيَّة منها والراقية، فالحياة من حجر، ولا حياة لنبات في حجرة ملساء لا ماء فيها ولا غذاء ولكن مع ولادة التربة من حجر أملس بفعل الشمس والهواء تجد بذور النبات من الماء والغذاء ما يساعدها على الانفتاح والإنبات والنمو والإزهار والإثمار وتكوين البذور لتجديد الحياة

وقد لا يكفي الماء والغذاء لنبات مراحل حياته طويلة، كأن يكون عشباً معمراً أو شجيرة أو شجرة مثمرة أو شجرة حرَّاجية فتقف حياته في مراحلها الأولية قبل أن تزهر وتثمر وتعطي الثمار بذوراً تتجدد بها الحياة، وفي هذه الحالة تغذي التربة ببذور نباتات حولية تنجز كافة مراحل حياتها في فترة قصيرة قبل أن ينضب الماء وتتوقف الجذور عن امتصاص الغذاء

وقالوا– أيضا - إن الإنسان وجد في الحجر مادة التعبير عن فكره وفنه ومشاعره، بل كانت أكثر من ذلك لوحة سجل فيها لغته وحكايته عبر مسيرته التاريخية ما قبل الثورة الحديدية التي عطَّلت رسالة الحجر، بصماته الفكرية، ولمساته الفنية إلى أخيه الإنسان القادم من عالم الذرْ إلى دنيا البشر، نحت الإنسان من الجبال بيوتاً سترت عورته، ودفعت عنه ظلم الظالمين واعتداء المعتدين إلى أن أذهب الله عن الإنسان الخوف فانحدر من الجبال باتجاه الوديان ومعه أحجاره ليبني داره ثم وجد الوقت يدفعه إلى النقش في الحجر، أفكاره ووقائـع حياته، رمزاً وإشارةً وحرفاً، وشكّل من الحجر على قساوته تيجاناً محمولةً وبطولات منصوبة كما في وادي الرافدين والنيل والسين والراين

وفقدت العِمارة بعد الثورة الحديدية /الصناعية رسالتها في الفن والجمال فغدت البيوت قبوراً معلقة لا صحة فيها ولا راحة، اختلفت رسالة الحجر باختلاف مفهوم الأمة، فعند الرومان كان أساس مدارس اللهو واللعب، وعند العرب المسلمين كان أساس المدارس الروحية والعلمية والصحية والسياسية، وقد ارتبط حجر الأساس بتكوين الأمة ونظرتها إلى الحياة الدنيا والعالم الآخر)..

وما فعله النبي في بداية دعوته بحربه على تلك الأصنام التي كانت داخل بيت الله الحرام وتحطيمه لها يكون قد أزاح مفهوم ذلك "الثبات" الوهمي من أذهان أولئك الذين عبدوها وحاولوا أن يضفوا عليها هذه الصفة، وممهدا- بالتالي - إلى نشر دعوته..

وهكذا نستوعب رؤية أن تركيب البنية "اللاعضوية" قد أخذ يبدو بدواً طبيعياً خفياً في هذه الأحجار كمظهرٍ أول من مظاهر التدرج نحو العضوية، وكأنّا بها كالمضغة التي لم تتشكل بعد!!
أول البيوت

فهذه الحجارة- كما ذكر ابن طفيل في كتابه "حي بن يقظان" - ككل شئ:- ".. تتحرك إلى الغاية بقوة خارجية، وهي القوة التلقائية التي تعمل على توجيه الكائن توجيها بسيطاً واحداً هو "حب البقاء" بعكس الكائنات الحية اللاحقة التي تتحرك بدافع داخلي، وفيها- أي الحجارة - تضعف الصورة كثيراً حتى تكاد تكون مادة بلا صورة، كما أنها في أدنى درجات السلم كالأس للبناء، كما أنها أجسام مقدر لها طول وعرض وعمق"..

فكان هذا "البيت" الحجري، الأصم، الأبكم، الأعمى، هو أول البيوت التي أعدت - كالتوطئة – للاستقرار كموناً، حيث لا غذاء، ولا نمو، ولا حركة، ولا تناسل!!..

ومن هنا– وبه - بدأ التفاضل الحسي والتفاوت والتباين وبدت ملامح الموازنة في ما بين الأضداد، بأصنافها وألوانها، أسمائها وصفاتها، منافعها ومضارها، شفافيتها وكثافتها.. وكذلك- ومعه - أيضاً - بزغ فجر التفاضل المعنوي، ولاحت تباشير الفرقتين، لاحت تباشير قدوم الثنائية المتوازية (الذكورة والأنوثة)، أي "الزوجية"!! فإننا نقول عن بعض هذه الأحجار بأنها أحجار كريمة وعن بعضها بأنها أحجارغير كريمة، كأنما هو "الجزع" القديم الخالد الذي منه تتفرع بقية الأغصان!! والعلم أثبت لنا اليوم بأن هنالك من الأحجار ما هو مذكر وما هو مؤنث!!!!!

ولنا في: (يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي تعال فاقتله)، ما يعد "النفع" الأكبر الذي يمكن أن يقدمه لنا هذا "الحجر" – نطقا كان أم إشارة أم تذكرة - في مستقبل النور الباسم باذن الله!!

كما بدأ أيضاً العلم ببوادر ما يعنيه معنى "الجن" المسلم وما يعنيه معنى "الجن" الكافر!! وهما الساكنان الخفيّان كموناً في هذا البيت الترابي الأول!!

ومضت الدهور..

فإلى ثاني الحقب حيث بدايات تكوين ومسيرة البنية "العضوية".. أي (النبات)!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى