السبت ٢٩ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم إنتصار عبد المنعم

التسكع الرقمي

قديما قالوا (قل لي ماذا تقرأ، أقل لك من أنت) واليوم تبدلت المقولة لتكون (قل لي مع أي المواقع الالكترونية تتعامل، أقل لك من أنت).

ولكن حتى لو سألت هذا السؤال فلن تجد اجابة وافية عند الكثير من الشباب الذين يدخلون إلى موقع ما عملا بنصيحة صديق، ثم يُسلمهم هذا الموقع لآخر، وهكذا يمر الوقت وهم بلا هدف يتسكعون على شبكة الانترنت. فهم تركوا التسكع في الشوارع ليمارسوه على شبكة الإنترنت يجذبهم هذا العالم اللامحدود الافتراضي الذي يتيح لهم ما لا يتوافر في عالمهم الحقيقي.

وكما يحدث بين المتسكعين في الشوارع ومقاهي العالم الحقيقي من معاكسات ومشاكسات ومشاكل متنوعة، يحدث أيضا في مقاهي العالم الإفتراضي. فغرف الدردشة والتعارف والمدونات ماهي إلا مقاه افتراضية للتسكع الرقمي لجأ إليها الشباب كوسيلة للهروب من عالمهم المأزوم يعوضون فيها ما ينقصهم في واقعهم . يرسمون لأنفسهم الصورة التي تستهويهم ،محتمين باسم مستعار. يهربون من تابوهات المجتمع المتوارثة. يهاجمون الدين ويتحدثون في السياسة ،ويتحدثون عن الجنس بحرية ويمارسونه افتراضيا.

فمن ترهبه نظرة واحدة من رئيسه في العمل أو من زوجته، وجد الفرصة مهيئة ليرسم صورة كاملة لنفسه كبطل سياسي ومناضل، وهذا لا يتطلب أكثر من مدونة مجانية عليها صورة جيفارا واسم مستعار وكلمة رديئة اللغة يسب فيها الحكومة والدولة بمن فيها. وفي لمح البصر يصبح بطلا.ثم يأتي من يشجع أبطال طواحين الهواء، وتظهر مجموعات من أبطال الوهم لتتوهم أن باشارة واحدة منها سيخرج الشعب المصري يهتف بحياة اسم مستعار لشخص بلا هوية.

أيضا وجد الكثير من الشباب في تسكعهم بين المواقع وغرف الدردشة فرصا لتفريغ طاقاتهم التي عجزواعن اشباعها بسبب الحالة الإقتصادية التي تعيق تطلعاتهم في الزواج وتكوين أسرة هذا في الوقت الذي وجدوا فيه أنفسهم محاصرين بالعُري المجاني في الشوارع وعلى شاشات الفضائيات المليئة بأجساد شهية محلية ومستوردة زادها الكولاجين والسيليكون جمالا على جمال.

وجاء الازواج بمشاكلهم الزوجية، فلم تكتف بعض الزوجات بدور المخبر الذي يمارسنه في الواقع، فجئن ركضا وراء أزواجهن يراجعن تعليقاتهم وتعقيباتهم في مدونات تخص سيدات، ثم يتفضلن بترك سيل من الشتائم لصاحبات المدونات كأنهن خططن لخطف أزواجهن.

وكما تصادف مختلا عقليا في طريقك إلى العمل، تصادفه أيضا بين المتسكعين الافتراضيين .فظهر مجنون مريم الذي مارس تسكعه هنا وهناك معلنا عشقه لمريم، ومن أجلها زين مدونته بصور كثيرة لنساء يحملن اسم مريم. وعندما لم تستجب له مريم كتب تعليقات بذيئة وألصقها بها، ليتضح بعد ذلك أنه يعاني خللا نفسيا خلفته سجون محمد الخامس.

أما متسكعي المحادثة على الماسينجر من الرجال، فهم جميعا ممن يرسمون لأنفسهم صورة الرجل الكامل الذي يبحث عن المرأة الكاملة والتي وللصدف العجيبة تكون في أول سيدة تظهر أون لاين.ثم يتبعه منهج واحد، ومقرر معاد عن شخصه الفريد الذي لا مثيل له، وعن تلك التي كان يحلم بها وأخيرا وجدها على الشات.

وهكذا يمر الوقت وتتعاظم أكاذيب المتسكعين، بل يصدقون أنفسهم، حتى ما إذا انقطع النت أو انتهت نقودهم فى المقهى الافتراضي، عادوا إلى طبيعتهم يتسكعون على الأرصفة ريثما يسجلون دخول مرة أخرى فيعودوا إلى تسكعهم الرقمي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى