السبت ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠١٤
إفيجينيا، ليوريبيديس
بقلم محمد زكريا توفيق

التضحية بالأبناء إرضاء للرب

هذه المسرحية تبين لنا كيف تتحكم آلهة الإغريق في حياة البشر. في بعض الأحيان، تتخطى الآلهة الحدود وتطلب منا التضحية بالعزيز والغالي، لكي ترضى بعد غضب، وما على الإنسان سوى الطاعة العمياء، بغض النظر عن شعوره وإحساسه. هذا هو موضوع مسرحية يوروبيديس التي نعرضها هنا.

قبل بداية أحداث المسرحية، قام أجاممنون ملك الإغريق بقتل غزال كان يرعى في غابة الإلهة أرتيميس المقدسة. هذا ذنب لا يغتفر. لكي تعاقبه، قررت الإلهة أرتيميس أن على أجاممنون التضحية بكبرى بناته وأعزهن على قلبه، إفيجينيا. كان هذا شرطها ، قبل أن تسخر له الرياح مرة ثانية.

أرتيميس ، هي إلهة الصيد والبرية والخصوبة. تعتبر من أهم وأقوى، الآلهة الأولمبية الإغريقية الإثنى عشر. ابنة زيوس وأخت أبوللو. كانت هي أيضا إلهة القمر مثلما كان أبوللو إله الشمس.

أسطول أجاممنون كان راسيا في جزيرة أوليس، وكان جيشه الذي يستعد للإبحار للإشتراك في حرب طروادة، على وشك الثورة عليه. لأنه كان في حالة اللا سلم واللا حرب.

بالرغم من حبه الجم لابنته، كان أجاممنون مضطرا لتلبية طلب الإلهة أرتيميس.

هناك عدة روايات لأسطورة التضحية بإفيجينيا هذه. كلها ألهبت خيال الشعراء والكتاب والموسيقيين ومؤلفي الدراما، فقاموا بإدخالها في أعمالهم. بعض هذه الروايات تقول بأن أرتيميس رقت في آخر لحظة، ونقلت إفيجينيا إلى بلاد بعيدة لكي تقضي بقية حياتها هناك كراهبة.

في مسرحية يوريبيديس، رضت إفيجينيا بما كتب لها من مصير. بعكس أمها كليتيمنسترا، التي كانت أقل تفهما لفداحة الأمر. ولا يمكن أن نلوم الأم على ذلك.

لم تغفر كليتيمنسترا أبدا لزوجها أجاممنون تضحيته بابنتهما. بناء عليه، حلت اللعنة على العائلة، التي تعرضت فيما بعد إلى سلسلة من الإنتقام والإنتقام المتبادل. كما جاء بمسرحية إلكترا لسوفوكليس، وثلاثية أوريست لإسخيليوس.

المسرحية مليئة بالعواطف الإنسانية الجياشة والصراع الدامي بين الواجب نحو الوطن وعاطفة الأبوة. مسرحية كلها ثراء في القيم وروعة في الحوار، نادر ما تجدهما في مسرحية أخرى. أنا أتعجب، لماذا نهمل هذا التراث الإنساني الرائع ونخفيه عن شعوبنا وأبناء مدارسنا؟

المسرحية بأسلوب مبسط.

أبطال المسرحية:
أجاممنون، ملك وقائد جيش الإغريق في حرب طروادة
مينالاوس، أخو أجاممنون
كليتيمنسترا، الملكة وزوجة أجاممنون
إفيجينيا، الابنة الكبرى لأجاممنون
أوريستيس، ابن أجاممنون
أخيل، نصف إله وقائد عسكري في جيش الإغريق
خادم قديم
رئيس الكورس
الكورس
الخدم
رسول
******

أجاممنون: أيها العجوز، أين أنت؟ تعالى هنا حالا.

(يدخل الخادم العجوز)

الخادم العجوز: مولاي أجاممنون، أنا رهن أوامرك. (يقوم أجاممنون بالمشي مجيئة وذهابا) ماذا يدور في رأسك يا مولاي؟

أجاممنون: انصت، هل تلاحظ هذا الصمت المطبق في الخارج؟ لا يوجد حتى طائر واحد يغني، لقد سكن الموج وخمدت الريح وتوقف كل شئ.

الخادم العجوز: لماذا القلق يا مولاي؟ الحراس في أماكنهم صامتون.

أجاممنون: أنا أحسدك أيها العجوز. إنني أغار من الذين يعيشون حياتهم بدون قلق ولا يشعرون بالخطر.

الخادم العجوز: هذا الخطاب الذي في يدك، قمت بكتابته مرات ومرات. لقد قمت بقفل الخطاب وختمه، ثم مزقت الختم وفتحته. فعلت ذلك مرارا وتكرار. كنت أراقبك وأرى الدموع تنساب من مقلتيك. مولاي أجاممنون، لقد مرت بك لحظات كنت فيها على وشك الجنون. أنا خادمك الوفي. شاركني معاناتك ومخاوفك.

أجاممنون: أنصت أيها العجوز واستمع جيدا إلى حكايتي. العراف كالكاس أخبرني بسبب هذا الصمت الرهيب. لقد تنبأ بأننا لن يكون في مقدورنا نشر أشرعة المراكب واحتلال أرض طروادة، إلا بعد أن أضحي بقربان بشري إلى الإلهة أرتيميس. سوف يحل بي الخراب، أنا وجيشي، ما لم أقدم هذه الضحية. استمع لي أيها العجوز جيدا، انصت! الإلهة أرتيميس ستجعل الريح تهب من جديد، إذا قمت بالتضحية بابنتي إفيجينيا. في هذه الحالة، سيكتب لنا النصر في الحرب، وسيكون نصرنا على طروادة نصرا عظيما مؤزرا، إذا وافقت على ذلك. أنا لا أملك أبدا هذه الإرادة الظالمة، التي تجعلني أقتل ابنتي وفلذة كبدي. لكنني، بعد أن استمعت لنصيحة أخي مينالاوس، التي يحثني فيها على اقتراف هذا الجرم الكبير، كتبت خطابا لزوجتي كليتيمنسترا، أطلب منها أن ترسل إفيجينيا ابنتنا إلى هذا المعسكر. لقد ابتدعت خدعة، وادعيت أن إفيجينيا ستتزوج البطل أخيل أحد ضباط جيشي، وأن هذا الزواج سوف يجعلها سعيدة في حياتها معه. أنا أعرف الآن أنني قد ارتكبت خطأ فادحا بإرسالي مثل هذا الخطاب. ما في يدي الآن، هو خطاب آخر، يخبرهما بالحقيقة، ويأمرهما بعدم الحضور.

الخادم العجوز: ما هو نص الخطاب، يا سيدي؟

أجاممنون: (يقرأ) كليتيمنسترا، هذا الخطاب يأتيك برسالة مختلفة. لا ترسلي إفيجينيا لي! لقد تأجل زفافها من أخيل.

الخادم العجوز: أليس تأجيل الزفاف يغضب أخيل؟

أجاممنون: أخيل لا يعلم شيئا عن هذا الزواج المزعوم. لقد ابتدعت الحكاية من أولها لآخرها وحدي. انس أنك عجوز لا تقدر على الحركة، وقم بسرعة بتسليم الخطاب إلى كليتيمنسترا قبل فوات الأوان.

الخادم العجوز: سأجري طول الطريق يا مولاي.

أجاممنون: إذا قابلتهما في الطريق، اقنعهما بالعودة، أو اجبرهما عليها.

الخادم العجوز: سمعا وطاعة يا مولاي.

أجاممنون: اذهب. اجري. أنقذني من بلوتي! (الخادم العجوز يجري إلى الخارج) قلبي يكاد يتمزق.

(يخرج أجاممنون، ويدخل الكورس)

الكورس: الشاطئ ساكن والأمواج لا تهدر. الكل صامت كالقبر. الطيور هجرت الأغصان، والهواء ثابت. لا شئ يتحرك في هذا اليوم.

(يدخل مينالاوس، ويدفع بالخادم العجوز إلى الأرض)

الخادم العجوز: مينالاوس، ما تفعله لا يرضي أحدا ويخالف الضمير.

مينالاوس: تذكر، ما أنت إلا خادم.

الخادم العجوز: ليس من حقك أن توقفني وتفتح الخطاب.

مينالاوس: الخطاب الذي تحمله سيأتي بالشر والكوارث على كل بلاد الإغريق.

الخادم العجوز: اعطني الخطاب.

مينالاوس: احذر أيها الخادم، أنت تتكلم بجسارة متناهية.

الخادم العجوز: لن أتنازل عن حقي في الحصول على الخطاب.

مينالاوس: إذا لم تتوقف عن الثرثرة، ستذوق ألم هذه العصا.

الخادم العجوز: الموت في سبيل خدمة مولاي أجاممنون هو موت حسن.

مينالاوس: أيها العجوز، أنت تتكلم أكثر من اللازم.

(يدخل أجاممنون)

الخادم العجوز: مولاي أجاممنون، مينالاوس أخذ مني الخطاب، وفتحه عنوة ولم يمكنني إيقافه.

أجاممنون: ما هذا الشجار؟

مينالاوس: أنا من حقي الكلام قبل أن تستمع إلى الخادم.

أجاممنون: هل ضربت خادمي؟

مينالاوس: أنظر إليّ، أجاممنون، واجعل عينيك في عيني.

أجاممنون: هل تعتقد، أنا أجاممنون، أخجل من النظر إلى عينيك.

مينالاوس: هذا الخطاب الذي أحمله بيدي يحمل بين طياته الخزي والعار.

أجاممنون: أنا آمرك بأن تناولني الخطاب.

مينالاوس: لا، ليس قبل أن يقرأه كل إغريقي.

أجاممنون: لقد فضضت الختم الملكي، وهذا ليس من حقك.

مينالاوس: سوف تعاقب لتآمرك السري هذا.

أجاممنون: ألا تخجل من التدخل في شئوني؟

مينالاوس: أبدا، فأنت دائم التردد. تغير رأيك من يوم ليوم. عقلك يغدر بك.

أجاممنون: كم أحتقر لسانك الزالف.

مينالاوس: تذكر كيف كان حرصك على قيادة جيش الإغريق لحرب مدينة طروادة. تذكر هذا. تذكر يوم أن طلبت مشورتي. لقد نصحتك بأن تتبع نصيحة العراف كالكاس، وتقوم بالتضحية بابنتك إفجينيا إلى الإلهة أرتيميس، حتى تقلع سفن الإغريق. لقد وافقت! هل تذكر ذلك؟ ثم ادعيت أن أخيل طلبها للزواج. تذكر ذلك. الآن تقول بأنك لن تلمس ابنتك بأي أذى! قلبي ينفطر على بلدي التي يحكمها رجل ضعيف متردد مثلك.

الكورس: أخ ضد أخ، إنها قصة حزينة تروى. هذه الكلمات البشعة، مؤلم سماعها.

أجاممنون: ربما تختار أن تحيا حياة الجنون، أما أنا فقد اخترت حياة لائقة شريفة.

مينالاوس: ألست أخاك؟

أجاممنون: أنت أخي فقط عندما تتكلم كلام معقول كرجل سوي.

مينالاوس: الإغريق في مأذق جد خطير. أخي أجاممنون، انصت إلى السكون حولك. الآلهة تطلب منك التضحية. كملك وكحاكم، عليك أن تتحمل جزءا من المتاعب.

أجاممنون: بعض الآلهة أفقدتك عقلك.

مينالاوس: قد تكون ملكا للبلاد، ولكنك بالنسبة لي، مجرد خائن لوطنه.

(يدخل رسول)

الرسول: يا قائد كل جيوش الإغريق، لقد سبقت الجميع لكي أزف إليك الأخبار السعيدة. ابنتك إفجينيا وأمها كليتيمنسترا قد وصلتا بالسلامة، ومعهما ابنك الطفل أوريستيس. أنا أعرف أن رؤيتك لهم ستملأ قلبك بالسعادة. الشائعات تقول أنه زفاف الأميرة إفجينيا. الناس تتساءل من يكون العريس يا ترى؟ هل ندعو الموسيقيين للعزف ونعد حلبات الرقص؟ هل ستقوم أنت ومينالاوس ببدء تراتيل الزفاف؟ وهل تريد مني استدعاء العريس؟

أجاممنون: نحن شاكرين لسلامة وصولهم. الآن إذهب واسترح. (يخرج الرسول). هذا بداية جحيمي. انظر إلى وجهي، أخي مينالاوس، لترى دموعي. بأي وجه أقابل به زوجتي كليتيمنسترا؟ سوف يتبين لها في الحال أنها أمام تدبير رجل شرير. إفيجينيا ستصرخ متسائلة لماذا يرسلها أبوها إلى الموت. حتى ابني الطفل، أوريستيس، سوف يبرطم بالاعتراض والرفض. لقد سقطت في هوة سحيقة لا مهرب لي منها.

الكورس: نحن نبكي مصيبتك أيها الملك.

أجاممنون: لقد انتصرت يا مينالاوس.

مينالاوس: لا، أنا أسحب كل ما قلته لك. لقد رجعت في كلامي. أقوالي لم تكن في محلها. إنه شئ مرعب أن تضحي بابنتك! لقد غيرت رأيي، ونحن لازلنا أخوين.

الكورس: كلام يستحق الثناء يا مينالاوس.

أجاممنون: أشكرك أخي. لقد قلت ما يناسب طبيعتك الطيبة. الشجار بين الأخوات شئ بغيض. لكنني أخشى أن يكون قد فات الوقت للرجوع عن العزم، وبلغنا فيه نقطة اللاعودة.

مينالاوس: لا أفهم ما تعني. لا يوجد من يجبرك على التضحية بابنتك.

أجاممنون: أستطيع أن أعيدهما سرا، لكنني أشك في أن يبقى السر خفيا على باقي جيشي.

مينالاوس: من الخطأ، الخوف الشديد من الغوغاء. لا يجب أن يعرف الجيش بالحكاية.

أجاممون: العراف كالكاس سوف يجعل كل واحد يعرف بحكاية التضحية المطلوبة. هؤلاء العرافون هم لعنة هذه الأرض. أنا نفسي أشعر أنني عديم الحيلة. مينالاوس، اعمل الاحتياطيات الواجبة، لكي لا تعرف كليتيمنسترا زوجتي بخطتي في التضحية بابنتي إفيجينيا. (يتكلم إلى الكورس) وأنتن، احفظوا خطتي جيدا.

(يخرج أجاممنون ومينالاوس)

الكورس: الإنسان له طبائع عديدة وسلوكيات مختلفة، لكن الطريق المستقيم هو الطريق الأسلم.

رئيس الكورس: ها هي الملكة كليتيمنسترا، تأتي مع ابنتها إفيجينيا وابنها أوريستيس.

الكورس: فلنستعد لاستقبالهم.

(تدخل كليتيمنسترا وإفيجينيا وأوريستيس)

كليتيمنسترا: أهلا بكل عائلة أجاممنون النبلاء.

الكورس: بهدوء وبدون صخب نحييكي.

كليتيمنسترا: أنه فأل حسن أن نستقبل استقبالا طيبا. أنا هنا لتحضير ابنتي إفيجينيا لزواج مبارك. هذا هو ابني الصغير، ابن أجاممنون، أوريستيس.

الكورس: تعال يا أجاممنون.

(يدخل أجاممنون)

كليتيمنسترا: يا أشرف الملوك، لقدا وصلنا بناء على أوامرك.

إفيجينيا: رؤياك يا أبي العزيز مرة ثانية تثلج قلبي.

أجاممنون: أنت يا ابنتي العزيزة إفجينيا تعبرين عن إحساسي أيضا.

إفيجينيا: أنه لشئ رائع أن تأتي بنا إلى هنا. ملامح وجهك تختلج، وعيناك مغرورقة بالدموع. ألست سعيدا برؤيتنا؟

أجاممنون: حالا، إفيجينا، سيأتي فراق طويل يفصل بيننا.

إفيجينيا: يا أبي أنت تتكلم بالألغاز. لقد وصلنا على التو، فأي فراق تتحدث؟

أجاممنون: إفيجينيا، ستتركيني وتذهبين إلى رحلة طويلة.

إفيجينيا: هل أذهب إلى هذه الرحلة وحدي، أم ستصاحبني أمي وأخي الصغير؟

أجاممنون: سوف تذهبين وحدك يا ابنتي.

إفيجينيا: أين سيكون بيتي الجديد، يا أبي الحبيب؟

أجاممنون: أنت تسألين أسئلة كثيرة. الآن إذهبي واستريحي من وعثاء السفر. (تخرج إفيجينيا) عذرا لحزني على نفسي. أخذ أخيل ابنتي مني بالزواج، يجعل قلبي حزين. نعم، هناك سعادة أيضا، لكنها سعادة تبعد ابنتي عني كثيرا.

كليتيمنسترا: أنا أيضا لست عديمة الشعور. متى سيكون الزفاف إلى أخيل؟

أجاممنون: لكي نجلب لهما طالع حسن، علينا أن ننتظر البدر في تمامه. كما أنني أريد أن أضيف، بأنني سوف أرسل أفجينيا بعيدا.

كليتيمنسترا: وأين سيكون مكاني؟

أجاممنون: ستعودين إلي بيتك لكي ترعين إلكترا وكريسوتيميس ابنتينا.

كليتيمنسترا: إنه مخالف لكل التقاليد، أن لا تحمل الأم شعلة زواج ابنتها.

أجاممنون: أقول أنه من الخطأ أن تبقي هنا.

كليتيمنسترا: إنه من حق الأم أن تكون إلى جوار ابنتها في يوم زفافها.

أجاممنون: وإنه من الخطأ أيضا أن تترك الأم ابنتين بالبيت وحدهما.

كليتيمنسترا: هل تعلم أنهما في ظل حراسة جيدة وأأمن ما يكون.

أجاممنون: كلمتي الآخيرة لك أن تذهبي!

كليتيمنسترا: لا، افعل أنت واجبك في الزفاف، وأنا أقوم بواجبي!

(تخرج كليتيمنسترا وهي غاضبة)

أجاممنون: لقد أصبحت متآمرا على أعز ما أملك. أنا مرتبك! نعم، يجب أن أذهب إلى العراف كالكاس لأسأله عن ما يرضي الإلهة أرتيميس أكثر. حتى لوكان في ذلك زيادة عذابي.

(يخرج أجاممنون)

الكورس: ها هنا يأتي أخيل.

(يدخل أخيل)

أخيل: أين أجاممنون؟ أخبروه أنني هنا. أخبروه أن كل جيش الإغريق مستعدون لمهاجمة طروادة.

(تدخل كليتيمنسترا)

كليتيمنسترا: لقد سمعت صوتك يا أخيل. أنا أحييك بكل السرور.

أخيل: لا أعرف من أنت.

كليتيمنسترا: أجاممنون زوجي، وحالا سوف تتزوج ابنتي إفيجينيا.

أخيل: لا أفهم ما تقولين يا سيدتي. أي زواج تتحدثين عنه؟ لم أخطب ابنتك أبدا، كما أن أجاممنون لم يحدثني بأمر الزواج منها.

كليتيمنسترا: الآن لا أفهمك. كلماتك تحيرني!

أخيل: دعينا نحل هذا اللغز سويا. ربما يتحدث كلانا بالحقيقة.

كليتيمنسترا: أعتقد أن موضوع الزواج كله كذب في كذب! أنا يغمرني الخجل لحديثي معك في هذا الموضوع.

أخيل: لا تعيري الموضوع اهتماما. الأمر بسيط. ربما أرادت الآلهة أن تسخر منا.

كليتيمنسترا: هذا الخداع سبب لي الخزي والعار. وداعا. إنني أخجل من مجرد النظر إليك.

أخيل: أنا أيضا أودعك. سأذهب للبحث عن أجاممنون.

(يدخل الخادم العجوز)

الخادم العجوز: هل يسمح لي بالكلام؟

كليتيمنسترا: تكلم.

الخادم العجوز: تعرفين ولائي يا سيدتي. لقد كنت أمينا عليك وعلى أطفالك.

كليتيمنسترا: نعم، لم يكن ولاؤك موضع شك. لقد كنت خادما أمينا في قصرنا لسنوات عديدة.

الخادم العجوز: أنا أكثر ولاء لك، أيتها الملكة كليتيمنسترا، من ولائي للملك أجاممنون.

كليتيمنسترا: لا تترد في إخباري بهذه الأسرار التي تعرفها.

الخادم العجوز: سأخبرك مباشرة بأن الملك أجاممنون يخطط لقتل ابنتك بيديه.

كليتيمنسترا: من فمك خرجت كلمات رجل مجنون.

الخادم العجوز: ما أقوله هو الحقيقة يا سيدتي.

كليتيمنسترا: لماذا؟ لماذا؟ أي خبل دخل عقله يجعله يقترف مثل هذا الفعل الفاحش؟

الخادم العجوز: العراف كالكاس قد أخبر أجاممنون بأن الإلهة أرتيميس لن تسمح لأسطول الإغريق بالإبحار، ما لم يقوم أجاممنون بالتضحية بابنته إفيجينيا. هذا هو السر يا مولاتي.

كليتيمنسترا: هذا يعني أن موضوع الزواج، مجرد خدعة لكي يأتي بنا إلى هنا.

الخادم العجوز: نعم يا سيدتي.

كليتيمنسترا: مسكينة إفيجينيا. أمك قد جاءت بك إلى حتفك. لا أستطيع التحكم في دموعي.

الخادم العجوز: ابكي سيدتي ابكي.

كليتيمنسترا: خادمي المخلص، هل أنت متأكد أنك تقول الحقيقة؟

الخادم العجوز: كنت في طريقي إليك، أحمل رسالة ثانية من الملك أجاممنون، يطلب فيها عدم حضوركما.

كليتيمنسترا: لماذا لم تحضر الرسالة الثانية؟

الخادم العجوز: اللوم يقع على مينالاوس. هو سبب كل هذا الخراب. لأنه مزق الرسالة من يدي.

كليتيمنسترا: هل سمعت بهذه الرواية، أخيل؟

أخيل: لقد سمعت برواية كلها بؤس، حلت بك وبابنتك.

كليتيمنسترا: لقد استخدمك زوجي، كوسيلة للتغرير بابنتي، وإحضارها إلى هنا.

أخيل: سوف أكلم أجاممنون بخصوص هذا الموضوع.

كليتيمنسترا: أنت يا أخيل نصف إله، وما أنا إلا إنسية فانية. أنا أركع أمام قدميك وأرجوك طالبة منك الحماية. حقيقة أن موضوع الزواج كان خدعة، لكنه جعلني أحضر ابنتي إلي هنا بحسن نية. أنا، أناشدك وأتوسل إليك أن تقف إلى جوارنا، وتقوم بالدفاع عنا. أنت ابن الإلهة تيتيس ابنة أورانس، والملاذ الوحيد الذي يمكنني أن ألجأ إليه.

الكورس: الأم لها قوة سحرية، عندما تدافع عن أطفالها.

أخيل: كبرياؤك وغضبك قد حركا مشاعري. سأصلح كل ما هو خطأ بغيض. ابنتك إفيجينيا لن تموت بيدي أبيها. هدئي من روعك وسري عن نفسك.

الكورس: كلماتك جديرة بك، أخيل.

كليتيمنسترا: أنا أشدو بتمجيد اسمك. سوف أمدحك على الدوام، أخيل. باركتك الآلهة لمساعدتك البائسين أمثالي.

أخيل: استمعي إلى خطتي. أولا يجب أن تتحدثي مع أجاممنون. التمسي منه عدم التضحية بإفيجينيا. إذا رفض الإصغاء إلى توسلاتك، ارجعي لي.

كليتيمنسترا: إذا فشلت في أن أغير رأيه، أين أجدك؟

أخيل: مثل الحارس، سأكون قريبا منك.

كليتيمنسترا: سأفعل كما قلت.

(تخرج كليتيمنسترا وأخيل)

الكورس: مسكينة إفيجينيا، سيوضع على رأسك تاج الضحية. مسكينة إفيجينيا.

رئيس الكورس: الويل لزمن، يتخلى فيه الناس عن الحق.

الكورس: مسكينة إفيجينيا.

(تدخل كليتيمنسترا)

كليتيمنسترا: هل جاء أجاممنون؟ هل رأيتن دموع ابنتي؟ هل سمعتن نواحها ونحيبها عندما علمت بخطة أبيها؟

الكورس: انظروا، لقد وصل أجاممنون.

(يدخل أجاممنون)

أجاممنون: يسرني وجودك هنا. اطلبي من إفيجينيا أن ترافقني.

كليتيمنسترا: تعالي يا إفيجينيا. أبوك يريدك أن تأتي. أحضري أوريستيس معك.

الكورس: إفيجينيا، تعالي. أبوك يريدكي.

(تدخل إفيجينيا وهي تحمل أخاها أوريستيس)

كليتيمنسترا: انظر أخيل، لقد حضرت. إنها فتاة مطيعة.

أجاممنون: لماذا تبكين يا ابنتي؟ لماذا لا تنظرين لي؟ لماذا تنكسين رأسك وتنظرين إلى الأرض؟ ولماذا نظرة الرعب هذه البادية على وجهك؟

كليتيمنسترا: أجاممنون، زوجي ومليكي، جاوبني بشجاعة الرجال.

أجاممنون: تكلمي.

كليتيمنسترا: هل تبغي قتل ابنتي وابنتك؟

أجاممنون: ما هذا السؤال الحقير الذي تسألينه؟

كليتيمنسترا: أجب على سؤالي.

أجاممنون: سؤالك غير معقول.

كليتيمنسترا: أجب!

أجاممنون: لقد كشف سري.

كليتيمنسترا: نعم، أعرف كل شئ. أعرف كل ما يدور برأسك. رفضك الإجابة المباشرة على سؤالي، هو اعتراف بنيتك على اقتراف هذا العمل المرعب.

أجاممنون: الكذب يضيف فقط الخزي والعار إلى مصيبتي الكبيرة.

كليتيمنسترا: تقوم بقتل ابنتك لكي تكسب الحرب؟ هل فكرك ينحصر فقط في قيادة الجيوش وكسب المعارك؟ لا تقترف هذه الخطيئة. عندما تقتل ابنتك، أي دعاء يمكنك أن تتفوه به بعد ذلك؟ وهل تعتقد أن أطفالك ستقوم بالترحيب بك والابتسام في وجهك، عندما تعود من الحرب منتصرا إلى بيتك؟ كلمني! كن عاقلا، أجاممنون. لا تجبرني على أن أكون امرأة شريرة، بما عزمت على اقترافه. كن حكيما وارفض. لا تقتل ابنتك وابنتي.

الكورس: رق، أجاممنون، رق واخضع. قم بإنقاذ ابنتك.

(تقوم إفيجينيا بإعطاء أوريستس إلى أحد الخدم)

إفيجينيا: لا تأخذ مني حياتي، أبي. الحياة الحلوة عزيزة جدا على قلبي. أبي، أنظر إلى عيني لكي ترى ما في قلبي. أنظر إلى ابنك أوريستيس الصغير، يرجوك أن تنقذ حياتي. أرجوك أبي.

الكورس: كن رحيما، أجاممنون.

أجاممنون: أنا أحب أطفالي حبا جما أكثر من أي أب. أنه شئ مرعب أن أقوم بمثل هذا العمل، وأيضا شئ مرعب أن لا أقوم به. إنه العراف كالكاس، هو الذي أصدر مرسوم موتك، يا ابنتي الحبيبة ولست أنا. جيش الإغريق يتوق بجنون للإبحار إلى طروادة. إذا لم أرض الإلهة أرتيميس، سيقوم الجنود بقتلنا جميعا. أنا لا أجرؤ على تغيير ما قد عزمت عليه. كل قوى الإغريق ضدي لكي أقوم بالتضحية بك. نحن ضعفاء أمام هذه القوى التي لا قبل لنا بها. يا ابنتي، بلاد الإغريق كلها لجأت إليك وإلي للمساعدة.

(أجاممنون والخادم وهو يحمل أوريستيس يخرجان)

كليتيمنسترا: إفيجينيا، ابوك قد غدر بك، ثم هرب منا.

إفيجينيا: يا أمي، أرتيميس قد اختارتني ضحية، وسأموت بيدي أبي.

الكورس: نحن نشفق عليك من هذا المصير الشرير.

(يدخل أخيل)

أخيل: كل الجيش يهتف.

كليتيمنسترا: بماذا يهتفون؟

أخيل: بخصوص إفيجينيا. يصرون على التضحية بإفيجينيا لإرضاء الإلهة أرتيميس.

كليتيمنسترا: ألم تحاول إنقاذها كما وعدت؟

أخيل: نعم، لكنني أنا أيضا في خطر.

كليتيمنسترا: أي خطر هذا؟

أخيل: لقد هددوني برجمي حتى الموت. كل جندي تحول ضدي. حتى جنودي، لم يعد يصغون لصوت العقل.

كليتيمنسترا: مسكينة إفيجينيا، الكل ضدك يريدون موتك.

أخيل: الجنود يقولون أنني قد أصبحت أسير هذا الزواج المزعوم.

كليتيمنسترا: القبر شئ مرعب، شئ مخيف.

أخيل: مع هذا، سأدافع عن كلاكما.

كليتيمنسترا: أنت؟ هل تستطيع أن تحارب آلاف الجنود وحدك؟

أفيجينيا: أمي، اسمعيني جيدا. شئ ملأ قلبي وغلبني على أمري. أمي، أنا أريد أن أموت. أريد أن أمود في سبيل مجد بلاد الإغريق. كل بلاد الإغريق لجأت لي، لي وحدي. تضحيتي بنفسي، ستجعل أسطول الإغريق يشق عباب البحر. لأن الإلهة أرتيميس ستطلق الرياح من عقالها. التضحية بنفسي، ستجعل جيش الإغريق يدمر طروادة. بسببي، سيباد كل البرابرة. سأكون منقذة الإغريق وسبب نصرهم، وسأكسب الشرف الرفيع، وسيخلد اسمي في طول البلاد وعرضها. أمي، لقد ولدتيني ليس لك وحدك، لكن لكل بلاد الإغريق. أمي، إذا كانت الإلهة أرتيميس تبغي موتي، فما أنا لكي أعترض؟ من أنا لكي أقف ضد مشيئتها؟ الصواب هو أن أضحي بنفسي.

الكورس: يا ابنتي، أنت تقومين بدور نبيل.

أخيل: يا ابنة أجاممنون، أنا أحسدك! أحسدك لأن بلاد الإغريق قد اختارتك ولم تخترني. روحك كريمة ، إفيجينيا. إذا غيرتي رأيك، فنادني حتى أنقذك.

(يخرج أخيل)

إفيجينيا: أمي، لا تبكي من أجلي. ولا تجعلي الشجاعة تخونني.

كليتيمنسترا: ماذا عساي أن أفعل سوى البكاء؟

إفيجينيا: بعد موتي، لا تندبي حظ ابنتك.

كليتيمنسترا: أليس فقد الابنة سبب كاف للندب والنحيب؟

إفيجينيا: أمي، أنا لن أفقد وأذهب هباء، لكنني سأنقذ. أقول للجميع وداعا الآن. تمنياتي لأخي الأصغر أوريستيس، أن يكبر ويصبح رجلا قويا. أمي، لا تكرهي أبي، زوجك. فهو يضحي بي بغير إرادته ورغما عن أنفه. إنها إرادة الآلهة.

كليتيمنسترا: لا يستحق أن يكون ملكا. (تتوجه إفيجينيا لكي تصعد درج المذبح) إفيجينيا، لا تتركيني.

إفيجينيا: توقفي! أرجوكي ألا تزرفي الدمع. (تصعد إفيجينيا الدرج، وتخرج كليتيمنسترا) ارفعوا أصواتكم، أيها الناس. دعونا نشدوا بالغناء تمجيدا للإلهة أرتيميس.

الكورس: سيظل مجدك ساطعا ولن يخبو أبدا أبدا.

إفيجينيا: يا له من يوم مجيد. إلى عالم آخر سأذهب. يوم سعيد، وداعا.

(تنتحر إفجينيا وتموت على المذبح)

الكورس: أنظروا إلى البنت التي مشت إلى مذبح الموت بخطى ثابتة.

رئيس الكورس: كل المجد للإلهة أرتيميس.

الكورس: كل المجد لأرتيميس! سيتوج الإغريق بالنصر.

(الكورس يغادر ببطئ، مع نزول الستار ببطء)

تمت


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى