الاثنين ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢

الصالون الأدبي الثاني مع محسن الرملي

دانا شحبري

استضاف الصالون الأدبي الثاني للأكاديميّة العربيّة الألمانية للعلماء الشباب في العلوم والإنسانيات في الثاني عشر من أكتوبر ٢٠٢٢ الكاتب والروائي والناقد العراقي الدكتور محسن الرملي. الرملي أيضًا هو الشريك المؤسس لمجلة "ألواح" الأدبية ومحرّرها، كما اشتهر بترجمته للكلاسيكيات الاسبانية، مثل رواية "دون كيشوت"، الى العربية. يتحدث في هذه الجلسة عن تجربته الروائية بين العراق واسبانيا وعن أحلام ضائعة وعراق مفجوع. كيف نكتب عن العراق اليوم دون الوقوع في فخ الذاكرة؟ وهل يساعدنا الأدب في المضيّ قدماً؟

عقدت الجلسة افتراضيا عبر "زوم"، وتم بثها أيضًا على قناة الأكاديمية على " يوتيوب" لمدة ساعة ونصف تخللت ثلاث محطات من قراءة الرملي الشعرية وأسئلة متنوّعة من المُحاوِر الدكتور بلال الأرفه لي والجمهور الافتراضي.

المكان والعولمة وانشطار الهوية واللغة:

عاش الرملي في العراق بقدر ما عاش في اسبانيا، وهو اليوم أستاذ في جامعة "سانت لويس" في مدريد. من هذا المنطلق، تناول الجزء الأول من الجلسة محور الهوية وانشطارها، وهو سؤال انسانيّ شاغل، لكنّه يحمل أبعادًا إضافية حين يكون الكاتب عربيًّا. بالنسبة للرملي، فإن موضوع الهوية ظهر بقوة مع موجة العولمة حيث اندفع العديد من الأفراد للدفاع عن هويّة واحدة ولغة واحدة. مناقضًا لهذه الآراء، يعبّر الرملي عن سعادته كونه منشطر الهوية بين العربية والاسبانية، موضّحًا أنه تصالح مع هذا الانشطار حين قرّر الانفتاح على العالم. يقول الرملي: "الدفاع عن الهوية الواحدة انغلاق وعنصريّة. يقولون إنّ القيم والعادات والهوية تذوب مع العولمة. في رأيي، إذا كانت العوامل الأساسية في الثقافة هشّة ستجرفها العولمة بوتيرتها السريعة، أمّا الأصليّ الثابت كعامود البيت والجبل الراسخ، فسيبقى وتنفعه العولمة كي يراه الآخرون".

بالنسبة لانشطار الهوية اللغوية، يشارك الرملي وجهة نظره تجاه هذا الموضوع المهمّ والذي يعكس حياته اليوميّة بين اللّغتَين. حين يُقدم على الكتابة، فإنه يكتب الكلمة التي تحضر أوّلًا، سواء كانت عربية أو إسبانية، ثم يعيد الصياغة حسب اللزوم. في باب اللغات، تأخذ الجلسة منحى جديدًا في الكلام عن الترجمة وأهميّتها في إيصال الأدب العربيّ إلى العالميّة. يتساءل الرملي " لماذا لم ينجح المتنبي في الغرب رغم كونه أعظم شعراء العرب؟"، ويبرّر هذا الأمر بغياب الدلالة اللغوية والاستغراق في زخرفة اللغة. كما يقول، " الترجمة مدرسة لكل من يدخلها، وتعلّمت من خلالها أهمية أن تعني الكلمة ذاتها في كل اللغات. على سبيل المثال، الغراب في الثقافة العربية دلالة على العدو، أما في ثقافات أخرى فهو دلالة خير".

الكتابة والتاريخ والمسؤولية الأدبيّة:

عند سؤاله عن تجربة الكتابة عن العراق والمآسي عن بعد، أي في مسكنه الإسباني الآمن، يعود الرملي بالذاكرة إلى زمن كان فيه عسكريًّا يقرأ ويكتب تحت القصف: " نصوصي هناك كانت قصيرة نظرًا لضيق الوقت، وكانت مكثفة ومليئة بالرموز والتجريد خوفًا من الرقابة الاجتماعية والسياسيّة. أمّا كتاباتي من الخارج فهي كتابات مستقرّة وحرّة ليس عليها أيّة أقنعة، ممّا يجعلها أكثر وضوحًا وواقعية". لكن بالرغم من كلّ ما عاناه في العراق، ورغم سوء حظّه في الديكتاتوريّة كما يقول، فقد كان محظوظًا بما فيه الكفاية لأنه شهد على الحركة الشعريّة الحيويّة واحتكّ بأساتذته من الجيل السابق الذين علمّوه الكثير، بما في ذلك ألا يتورّط في الإيديولوجيات كما فعلوا هُم.

بالانتقال إلى قضيّة المسؤولية الأدبية، يعترف الرملي أنّه عاجز عن "الكتابة عن غير العراق" لأن جرحه لم يهدأ بعد. يتوق الكتابة عن أمور أخرى أحيانًا، لكنّه يعي أن إسبانيا لا تحتاجه بقدر حاجة وطنه الأم إليه ولصوته الأدبي. بالكلام عن مسؤولية الكاتب، يشارك الرملي موقفه النقدي تجاه الرواية التاريخية متوقعًا نهايتها القريبة في عالم الأدب. يقول الرمليّ: "مسؤوليتي أن أدوّن ما شاهدت كوني شاهدٌ على عصري"، ويكمل موضحا أنّه لا داعي للعودة إلى التاريخ وخاصّة في غياب اليقين عن موضوعيّة المؤرخ.

يختتم الرملي النقاش بإيمان راسخ بعظمة الكلمة التي "تتغير ولا تنتهي، ففي البداية كانت الكلمة وحتى النهاية ستبقى". لأن الإنسان كائن تعبيري، فكل أثر له عبر الحضارات هو تعبير عن كيانه سواء بالحجر أو بالنقش، بالرسم أو بالرقص، وكاتبنا يؤمن أن اللغة هي أعظم وسيلة تواصل بين هذه الأساليب كلّها.

دروس نتعلمّها من محسن الرملي:

خلال الجلسة، يشارك الرملي الكثير من الدروس التي تعلمّها من خبراته الحياتيّة والأدبيّة المتراكمة، إليكم بعضها:

للناس في هذا العالم الواسع المصرّين على الدفاع عن لغة ضيّقة وهويّة ضيقة، انفتحوا وسترتاحون!

اللغة ليست هدفًا، بل يجب أن نحوّلها إلى أداة تواصل وتعبير نواكب فيها عصر اليوم مع بقائنا أصيلين.

للروائيين منكم، اقرأوا عن علم النفس أكثر من التاريخ لأن أغلبه مزوّر، واكتبوا خارج دخان المعركة لضمان رؤية أوضح.

للمبتدئين منكم في عالم الكتابة، اكتبوا بشغف وحب وابحثوا عن السرّ الإنساني في صمود الكلاسيكيات.

دانا شحبري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى