الخميس ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
قرأت لكم
بقلم عبد القادر محمد الأحمر

الصـدام

يقول الأستاذ وحيد الدين خان في كتابه (الدين في مواجهة العـلم) عن الصدام ما بين الدين والفكر الحديث خلال القرنين الأخيرين ما يلي: (.. إنه يرجع إلى عدم فهم أصحاب الدين لحقيقة التغيرات الجديدة، ومن ثم راحوا يحاربون كل ما هو جديد ناعتين إياه بالبدعة والضلال. ومن جانب آخر أخطأ رجال الفكر الحديث خطأً فاحشاً حين زعموا أن الدين هو ما يعرضه عليـهم مندوبو الدين الجامدون في أوروبـا وغيرها، فذهبوا يحاربون الدين والإله بدلاً من أن يحاربوا رجال الدين التقليديين ومفاهيمهم الفاسدة.

 إن قانون (التعليل) الذي طرحه العلم الحديث بعد اكتشافات نيوتن أنكره رجال الدين بدعوى أنه نفي لقدرة الإله فأصبحوا بذلك أعداء ذلك الكشف العلمي وبهذه الطريقة رفض أهل الدين فكرة (الارتقاء والتطور) التي عرضها دارون لشرح أنواع الحياة واعتبروها بمثابة (تخل عن الخالق)..
 إن هذا التمثيل الباطل للدين– من جانب الذين أعطوا أنفسهم حق تمثيله– خلق صراعاً مصطنـعاً بين العلم والدين، بينما كان من الممكن جداً تفـادي ذلك الصراع. وأنا أقـول (التمثيل الباطل) لأنه لم يكن لنفي أو إثبات قانون التعليـل أو نظرية الارتقاء أية علاقة بالدين ألبتة، بل كان الواجب على رجال الدين– بدلاً من إصدار الفتاوى– أن يدرسوا هذه الأفكار الجديدة ليتأكدوا بأنفسهم: هل ثمة وجود لحقائق علمية تطالبنا بقبول هذه الأفكار؟

 إن التعليل أو الارتقاء لا علاقة لهما ألبتة بوجود الله أو بعدم وجوده لأنهما لا يتعلقان إلا بالأسلوب الذي يتخذه الله تعالى في كونه. ولو تسنى لنا أن نثبت قطعية هذه النظريات، فلن يكون لذلك الإثبات إلا دلالة واحدة، هي أن أسلوب الله تعالى في العمل وتسيير الكـون يعتـمد على أنه– سبحانه– ينشيء الوقائع بواسطة أسباب وعلل مقررة، وانه لم يخلق الإنسان أو المخلوقات الأخرى مرة واحدة وعلى حدة، بل أنشأها واحدة بعد أخرى.

إن (الارتقاء العضوي) هو أساس نظرية الارتقاء، ولا يزال دون دليل وبرهان..

إن هذا الصدام التقليدي بين العلم والدين نتاج من نتاج القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهما العصر الذي ظهرت فيه العلوم الحديثة، وبعد ظهور هذه الاكتشافات الحديثة بدأ كثير من الناس يظنون أنهم لم يعودوا في حاجة إلى الإيمان بالله!! فما هي تلك الاكتشافات التي جعلت الناس يعتقدون بعدم جدوى الإله وبانتهاء الحاجة إليه؟ إن أهم هذه الاكتشافات هي أن العلم قد توصل إلى أن الكون خاضع لقوانين معينة.
كان الإنسان القديم يرى ببساطة أن الإله هو الذي يقف وراء كل ما يحدث على الأرض وخارجها، ولكن الوسائل العلمية وأساليب البحث الحديثة قد كشفت لنا عن السبب الكامن وراء كل حادث يقع، ويمكننا معرفة ذلك السبب بإجراء التجربة.
فمثلاً توصل نيوتن خلال مشاهداته إلى أن كل أجرام السماء من سيارات ونجوم مقيدة بقوانين ثابتة، وأنها تتحرك بموجب تلك القوانين.

أما بحوث دارون فقد أبانت له إن الإنسان لم يوجد نتيجة عملية خلق مباشر، وإنما هو المظهر الأعلى لحشرات وكائنات بدائية، وأنه جاء إلى الوجود نتيجة عمل القوانين المادية لحقب سحيقة في الارتقاء نحو الأفضل.
وبعد إجراء هذا النوع من الدراسات اتضح أن جميع وقائع الأرض والكون مقيدة بنظام واحد معلوم، وقد سُمِّي هذا النظام بـ (قانون الطبيعة)، وكان عمل قانون الطبيعة قوياً بحيث أمكن التنبؤ بآثاره مسبقاً.

-إن الطبيعة النهائية للكون طبيعة عقلية.
 إن الذين يعتقدون أن (العقل) هو الحقيقة النهائية للكون ينقسمون إلى عدة مدارس بسبب عدم تمكنهم من تعيين ماهية (العقل) بكل تحديد.. وهم في هذا لا يختلفون عن المؤمنين بالله الذين يختلفون في تصورهم لله بسبب انتمائهم لأديان مختلفة. ولكن النتيجة التي انتهت إليها الدراسة العلمية هي: أن الحقيقة النهائية للكون (عقـل). هذه النتيجة من حيث نوعيتها تصديق للدين ودحض للإلحاد بكل تأكيد.)..

وقد صدق من قال: (.. بأن الباحث في علم الحياة يصبح عقله مشلولاً لا لشيء إلا بسبب كثرة الحقائق المطروحة أمامه فهو يستطيع أن يعبِّر بعض الشيء عما يرى، لكنه لا يستطيع التعبير عن الحقائق في مثل وضوح معادلات الجبر والتقابل!!..

وهذا هو الفرق بين علم المادة الحديث وبين علم الحياة– كما قالوا-..)..

قيل: (.. أن هنالك قشعريرة يتحاشاها جميع المشتغلين بـ (العلم)، لأنها (أفكار) تبحث عن سر الحياة، لإيمانٍ فطرىٍ في النفوس يقول بأن هذه الحياة لا يمكن أن تكون مجرد حادث عارض طارئ، نتيجة (تفاعل) قُـوَى تسير على غير هدى، فهنـاك، في مكانٍ ما، خطة ما، بالرغم من أن حدود العقل البشري لا تستطيع أن تلم بهذه الخطة، فلا بد- إذن- من أن الحياة على أرضنا هذه تخدم غرضاً عظيماً!! )..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى