الأحد ١ أيار (مايو) ٢٠٠٥

العالم الإيطالي غاليلو غاليلي

د. أسامة شمس الدين عزيز الحاتم

رئيس رابطة الجامعيين العراقيين اخوان الفقراء

رئيس تحرير مجلة "سلام العراق"

ولد العالم الإيطالي غاليلو غاليلي في عام 1564م، في مدينة بيزا ـ الشهيرة ببرجها المائل ـ في إيطاليا وقد درس في شبابه في جامعة بيزا ولكنه تركها لأسباب مادية، ومع ذلك فقد استطاع في عام 1589أن يحصل على كرسي أستاذ في تلك الجامعة، وبعد سنوات قليلة انضم إلى هيئة التدريس في جامعة بادوا وظل هناك حتى عام 1610، وقد كانت تلك الفترة هي التي شهدت معظم اكتشافاته العلمية.

وقد كانت أولى إسهاماته العلمية في الميكانيك ، فقد كان أرسطو قد ذكر قبل ألفي سنة أن سرعات سقوط الأجسام تتناسب مع أوزانها، وهكذا كان يعتقد بأن الأجسام الأثقل تسقط بسرعة أكبر من الأجسام الخفيفة، وعلم هذا لطلابه ومريديه، وظلت أجيال من العلماء تقبل هذا المبدأ احتراما لرأي أرسطو، ولكن غاليلو قرر أن يختبر صحة هذا المبدأ، وبعد سلسلة من التجارب أكتشف بأن أرسطو كان مخطئا، فقد جرب إسقاط أجسام مختلفة الأشكال والأوزان من نفس الموضع، وكانت الأجسام تصل إلى سطح الأرض في نفس الفترة الزمنية، وقد أجرى غاليلو حسابات بسيطة لدعم وتفسير تجاربه وخلص إلى نتيجة مفادها أن المسافات التي يقطعها جسم أفلت من السكون كي يسقط سقوطاً حراً في جو الأرض تتناسب فيما بينها كتناسب مربعات الفترة الزمنية التي يستغرقها الجسم في قطع هذه المسافات، أي أن الأجسام الثقيلة والخفيفة تسقط بنفس السرعة، ماعدا الحالات التي تصطدم بها الأجسام باحتكاك الهواء، وهكذا دحض غاليلو آراء أرسطو بشكل قاطع.

وهنالك ابداع فيزيائي اخر لغاليلو وهو اكتشافه قانون (التباطؤ)، فقد كان الناس يعتقدون في السابق أن الجسم المتحرك يميل ـ في طبيعته ـ للتباطؤ في الحركة الى ان يقف ما لم تحاول قوة أخرى أن تبقيه على حالة الحركة، ولكن غاليلو لم يقبل بهذا الرأي، واستطاع بعبقريته الفذة أن يخلص إلى استنتاج بالغ الأهمية بمراجعة تجاربه وملاحظاته.

تصور غاليلو جسماً قذف على امتداد مستوي أفقي أملس عديم الاحتكاك، وأكد أن الجسم يستمر في حركته المنتظمة على هذا المستوي دون توقف بشرط أن يكون المستوي غير محدود ولا نهائي، ثم تابع تصوراته فارضاً أنه دفع كرة فعلية على مستٍو أفقي فعلي، هنا ذكر غاليلو أن الكرة لن تستمر في حركتها وأنها تنتهي إلى التوقف بعد وقت يطول أو يقصر، ذلك أن الكرة ليست ملساء بشكل كامل، وكذلك المستوي ليس أملساً بشكل كامل، وقد مهد هذا الأسلوب في التفكير الطريق أمام ولادة مبدأ التباطؤ، ووفق هذا المبدأ فان أي جسم يحافظ على حركة منتظمة لا تتوقف إن لم يعترضه مؤثر خارجي.

وقد تحاشى غاليلو التفاصيل الرياضية المعقدة لمسألة الاحتكاك مكتفياً بما قدمه باعتباره فرضية لا بدّ منها للمضي قدماً في أبحاثه، ثم تحول غاليلو إلى تطبيق فرضيته في حركة القذائف، كان شكل المعالجة التي قدمها غاليلو لحركة القذائف مختلفاً عن الشكل المعاصر، لكن مضمون معالجته كان مطابقاً لمضمون المعالجة المعاصرة، فهو يقول انه إذا قذف جسم من سطح الأرض، فإن حركته ستتكون من حركتين إحداهما شاقولية والأخرى أفقية، تتأثر الحركة الشاقولية بفعل الجاذبية الارضية، أما الحركة الأفقية فتبقى ثابتة بصرف النظر عن المقاومة التي يفرضها احتكاك القذيفة مع الهواء، وهكذا وضع غاليلو القانون الذي يقول: (إن حركة الجسم تستمر إلى ما لا نهاية ما لم يطرأ عليها ما يعدّلها أو يوقفها)، هذا القانون سيستوقف نيوتن فيما بعد، ويجعله يتساءل: لماذا لا تستمر حركة الكواكب في اتجاه مستقيم بدلاً من أن تدور حول الشمس وكأنها مشدودة بحبل غير منظور؟ وهذا قاد نيوتن الى اكتشاف نظرياته الهامة في علم الفلك، حول تفسير حركة الكواكب في الفضاء اللامتناهي.

ولكن أشهر اكتشافات غاليلو كانت في ميدان الفلك، وكانت النظريات الفلكية في أوائل القرن السابع عشر في حالة ثوران وتغير مستمر، فكان هنالك نقاش حاد بين إتباع النظرية التي تقول أن الشمس هي مركز الكون وهي نظرية العالم الفلكي البولوني كوبرنيكوس ، واتباع النظرية التي تقول أن الأرض هي هذا المركز، وقد ثبت لكوبرنيكوس (1473ـ 1543) علمياً أن الأرض متحركة، وكان هذا مخالفاً لتعاليم الكنيسة والكتاب المقدس فيما يخص وصف الكوكب الأرضي، كانت الأرض حسب تصور الأنجيل قرصاً مسطحاً يوجد في مركز الكون وتدور حوله الشمس وسائر النجوم والكواكب منذ خلقها الرب، وعندما احس كوبرنيكوس بالعاصفة القادمة، رفع كتابا إلى البابا بولس الثالث يتنصل فيه من نظرياته وافكاره، ثم جاء بعده (برونو) وأعلن قبوله للنظام (الكوبرنيكي)، فاعتبر ذلك منه خروجاً على الكنيسة، فلجأ إلى جمهورية البندقية، ولكنه حُوكم، وحُكم عليه بالسجن، وبعد ست سنوات، رأى أولو الأمر أن السجن لا يكفي في معاقبته، فحُكم عليه بالموت حرقا.

وجاء دور غاليلو.. كان غاليلو قد استطاع عام 1600 أن يبرهن بوضوح لا يقبل الشك على صحة نظريات كوبرنيكوس، وقد أعلن غاليلو في عام 1604 أن كوبرنيكوس هو المصيب، ولكن لم يكن لديه في ذلك الوقت أي برهان مقنع على النظرية الشمسية، أي أن الشمس هي المركز.

سمع غاليلو في عام 1609 أن الهولنديين قد اخترعوا أداة عرفت فيما بعد باسم التلسكوب يمكن استخدامها لرؤية الأجسام البعيدة، وفي غضون 24 ساعة فقط، صنع غاليلو أداة مشابهة وصوبها نحو السماء، وفي خلال سنة واحدة انجز غاليلو سلسلة مثيرة من الاكتشافات، نظر إلى القمر ورأى بأنه لم يكن كرة ملساء ولكن كان به فوهات بركانية وجبال عالية ـ وهكذا استنتج غاليلو ان الأجسام السماوية لم تكن ملساء أو تامة الاستدارة كما تبدو، بل انها تحتوي نفس الإلتواءات والتضاريس الموجودة على الأرض ـ وشاهد أربعة أقمار من أقمار المشتري ـ تعرف اليوم بأقمار غاليلو تخليداً لذكراه ـ وراقب أيضاً أطوار كوكب الزهرة، كما راى البقع الشمسية وأكد أن هذه البقع ظاهرة تخص الشمس وليست أجساماً تسبح في الفضاء بين الأرض والشمس كما اعتقد كثيرون في زمنه.

وبعد ان تأكد غاليلو علمياً من صحة رأي كوبرنيكوس، أعلن رأيه وجاء بالأدلة والبراهين على صحة ما ذهب إليه، وهبت العاصفة.. اصدر رجال الدين أمراً بطلبه إلى روما حيث قرر مجمع الكرادلة، اعتبار كتابات (كوبرنيكوس) محرمة، ويعاقب قائلها وناشرها ومعتقدها، وبذلك وجد غاليلو نفسه بين خطرين: إما السجن والتعذيب، وإما ترك آراء كوبرنيكوس، فآثر السلامة، وسلّم بما لا بد منه..

وبعد أن توفي البابا بولس الخامس، وخلفه البابا أربان الثامن، (وكان من أصدقاء العالم غاليلو)، ظنّ غاليلو أن العهد الجديد سيكون عهد تساهل، فوضع كتابا على نمط محاورة بين ثلاثة أشخاص: أحدهم يمثل رأي كوبرنيكوس، والثاني يمثل رأي أرسطوطاليس وبطليموس، والثالث يُدير المناقشة، وجعل الغلبة لرأي كوبرنيكوس، وقد قضى غاليلو ست سنوات في تأليف هذا الكتاب الذي اسماه (حوار حول النظامين العالميين الرئيسيين)، وفي هذا الكتاب اورد غاليلو كل الحجج المؤيدة لنظرية كوبرنيكوس.

صودر الكتاب، وأُستدعيَ غاليلو للمحاكمة، وأمام مجمع الكرادلة حكموا باعدامه وبإعدام مؤلفاته، ولكن نظراً لكبر سنه، واعتلال صحته، وإعلانه لتوبته، اكتفت المحكمة بسجنه في ديوان التفتيش طول عمره، بعد أن يشجب أمام الجمهور وجهة نظره وهي أن الأرض تدور حول الشمس.. وقد قام العالم البالغ من العمر 69 عاماً بهذا التصريح أمام الجمهور، ثم خرج من المحكمة وهو يقول كلمته المعروفة: (ومع ذلك فهي تدور)، وظل سجيناً في مدينة أركتيري الى ان توفي عام 1642م.

كانت رؤية غاليلو للفلسفة والعالم أن الفلسفة مكتوبة في هذا الكتاب الكبير الذي هو الكون، وإن هذا الكتاب مفتوح أمامنا، ولكن القراءة المباشرة لهذا الكتاب أمر مستحيل الا اذا تعلمنا لغة كتاب الطبيعة، وحروف هذا الكتاب هي المثلثات والدوائر والأشكال الهندسية الأخرى، فإن لم نتمثل الرياضيات، فإن بحثنا في الطبيعة أشبه بمن يتخبط في الظلمة، وعلى الرغم من أن غاليلو كان فيزيائياً تجريبياً، الا انه أكد أن الرياضيات تقع في المقام الأول.

لم يتطرق غاليلو إلى مفاهيم أكثر تقدماً كمفهوم الطاقة أو القوة، لانه لم يكن بمقدوره أن يقيس أياً من هاتين الكميتين، ولعل ذلك هو السبب في أنه اكتفى بذكرهما بشكل غير مباشر ودون إحاطة كاملة بالمعنى الشامل لكل مصطلح، كان علمه الاساسي هو ما يدعى اليوم "حركة الأجسام"، أما التحريك وفق مصطلحاتنا أي النظر إلى الحركة عبر أسبابها فقد كان موضوعا ً هاماً للعلماء الذين أتوا بعد غاليلو، وعلى رأسهم نيوتن.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى