الاثنين ١٨ أيار (مايو) ٢٠٢٠
بقلم غزالة الزهراء

العدو اللامرئي

انقلبت موازينها رأسا على عقب، موجة من الذعر اكتسحت كيانها شر اكتساح، بفضول أشد تشرئب بعنقها لمعرفة ما استجد على ساحة الواقع، أنباء جمة من هنا وهناك تغزو وسائل الاعلام يوميا مفادها أن الوباء استفحل في شرايين المدن بشكل لا يصدق، ارتفاع عدد المصابين على نحو مخيف، وكذا الوفيات المتزايد عددهم من شتى أقطار العالم، لم يبسط فيء رحمته على أحد بل طالت مخالبه الأشد فتكا أرواح الصغار والأيفاع والمسنين. كم هو بشع ومقيت !
ـــ سأخرج في هذه الآونة لجلب ما نحن بحاجة إليه.
هتفت أم أولاده مؤكدة بوضوح: خذ كمامتك، لا استهتار مع هذا الوباء.
رد عليها باطمئنان كبير يسري في أوصاله: لا تخشي علي منه، أنا لست ممن يعبثون بحياتهم، أنا جد حذر.
ببضع خطوات التمست طريقها صوب النافذة لإلقاء نظرة، الشوارع على بكرة أبيها شبه خالية تعزف مقطوعة صمت رهيبة، وذاك الدكان الذي يقابلها خاضع لأبجدية سكونه حيث أضرب عن بيع حاجياته لأن صاحبه أصيب مؤخرا بجائحة كورونا، وتم نقله على وجه السرعة إلى العناية المركزة، عائلته المكونة من ثمانية أفراد لم تنفلت هي الأخرى من مخالب هذا الداء اللعين لأن العدوى كانت أسرع وأشد كالنار في الهشيم.
طغمة بشرية متصعلكة اقتحمت بيته بشراسة الذئاب، ونهبت ما لديه، سبحان الله سلوكات متذبذبة كهذه تمارس علنا حتى في زمن الكورونا.
أسرت في نفسها: الأطباء الأشاوس هم في فوهة الخطر الأكيد، يجابهون الوباء بأحدث الطرق لإنقاذ البشرية من حمم التهلكة.
وتواصل حديثها الخافت مع نفسها في خشوع: مدينة الورود"البليدة" هي أكثر تضررا من غيرها حيث فرض عليها الحجر الصحي الشامل، ما على المرء إلا الالتزام بالتدابير الوقائية، لا خروج إلا للضرورة القصوى، لا مصافحة ، لا زيارات، ولا تجمعات بالاضافة إلى تعقيم الشوارع والبيوت، أليست الوقاية خيرا من قنطار علاج؟
مكالمة هاتفية من زوجها إذ يقول مستغربا: عجبا !أكياس الدقيق نفذت بسرعة مذهلة، ما العمل يا ترى؟
ـــ لا تحمل عبء ذلك، سأتصرف بمفردي.
هي امرأة متفوقة بامتياز في إدارة شؤون بيتها، من حين لآخر تلتقط قطع الخبز المتبقية على سطح المائدة بعد تناول الغداء أو العشاء، وتحتفظ بها إلى حين الاستعمال حيث تصيرها إلى أكلة شهية وذلك بلمسة إبداعية من أناملها عوض أن ترمى في القمامة كما تفعل بعض النسوة سامحهن الله.
أخذ زوجها ينصت إلى أخبار اليوم عبر الشاشة، بعض الجمعيات الخيرية لعبت دورها الفعال في إيصال المؤونة لمناطق الظل، وكذا إلى فئة المعوزين، وذوي الاحتياجات الخاصة.
بادر زوجته وعلامات التفاؤل بادية على محياه: شعبنا إنه لشعب عظيم بمعنى الكلمة، وكذا دولتنا فهي قائمة على قدم وساق في خدمة مواطنيها داخل الوطن وخارجه إذ تكفلت بإجلاء الجزائريين العالقين في المطارات فاتحة لهم أحضانها، وقد اتسم بعض الشباب الأكفاء بطاقات هائلة تجسدت في اختراعات عدة ساهموا بها في الحد من تفشي الوباء.
أضافت على ما قاله للتو: هذا الداء المميت لم ينحصر في وطننا فحسب بل استعمر العالم بأسره، الصين، إيطاليا، أمريكا وغيرها، اكتسح الجو والبر والبحر، ألا تلاحظ بأن عدوا واحدا قهر عدة دول؟
ـــ أنت مخطئة يا امرأة، لم يقهرنا بعد، ولم يبدد عزيمتنا في مواجهته، سنعلن عليه انتصارنا المبارك إن عاجلا أم آجلا، ألم تلاحظي تكاتف الجميع من أعوان الحماية المدنية، ومصالح الأمن، وذوي المآزر البيضاء من أطباء وممرضين؟ ألم تلاحظي ذلك يا امرأة؟
ـــ كلامك في محله، ولكن متى تنجلي هذه الغمة التي تربض فوق صدورنا كرها، وتشتت أنفاسنا يمينا ويسارا؟
ـــ ستنجلي بإذن الله، لن يتخلى المولى عن عبده الضعيف في أحلك الأزمات، إنه رؤوف رحيم.
صوت الآذان يرتفع عاليا في أجواز الفضاء.
في زمن الكورونا لا صلاة في المساجد، ولا في الأماكن العامة بل فرضت على الجميع في بيوتهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى